• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

«الامتحانات الدراسية» تحدٍّ للأبناء والأُمهات معاً

«الامتحانات الدراسية» تحدٍّ للأبناء والأُمهات معاً

إذا  كان الامتحان الدراسي عبارة عن اختبار لمعلومات الطلاب وتفاعلهم مع المنهج التعليمي، فلمَ يتحول عند معظم الأُمّهات إلى اختبار شخصي يلمس الكرامة ويمس ماء الوجه؟ وما حقيقة الضغط النفسي الذي تعيشه الأُم في هذه الحالة؟

في الظاهر، لا يبدو أن لمسرح الامتحانات سوى بطل واحد هو الطالب. ولكن، وراء الكواليس ثمة بطل آخر، أو بالأحرى بطلة أخرى تحمل الكتاب في يمينها، والقلم في يسارها، وتحفظ المقرر من "الجلدة إلى الجلدة". لهذا، علينا ألا نستغرب إذا تقاسمت الأُم مع ابنها نتائج الامتحان. فحين تظهر نتائج الطلاب، نرى الفرحة في عيون الأُم بدلاً عن ابنها، وأيضاً نراها تعيش الخيبة بدلاً عن ابنها، وكأن علامات المدرسة بكل بساطة لها وليست لابنها، وكأنّها هي المعني الأوّل والأخير بالأمر. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو: لماذا الأُم هي التي تتحمل هموم الدراسة والنتائج؟ ولماذا لم نأتِ على سيرة الأب؟ الجواب ببساطة يكمن في موقع الأُم المختلف عن موقع الأب من كلّ جوانبه وفي تأثيره في العائلة وتأثره بها، كيف؟ لنرَ ما ستقوله الأُمّهات..

 

 

هدية لأكثر من طرف:

"الحماية التي تحملها الأُمّهات تجاه النتائج الدراسية تفوق الحماسة التي يحملها الأبناء". بهذا، تعبر سوزان يوسف (ربة منزل) عن وجهة نظرها، مشيرةً إلى "أن علامات الأبناء عبارة عن حلقات متصلة من الهدايا، بمعنى أنّ الابن يُهدي أُمّه علاماته ثمن تعبها معه، والأُم بدورها تهدي الأب علامات ابنهما لتقول له: "انظر كم أنا جديرة بإدارة الأسرة". وبعد ذلك، يقوم الأب ويهدي ابنه المتفوق هدية لتشجيعه على المثابرة". وتضيف: "هكذا، تخلق النتائج الدراسية حالة من رد الجميل، كلّ طرف إلى طرف داخل البيت الواحد. والعكس صحيح، فـ"رسوب الأبناء"، كما تضيف سوزان، "يُحطم الأُم، ويحملها ذنب تلك النتائج" المفجعة، وبالتالي يصبح القول إنّ الأُم في امتحانات أبنائها تُكرم أو تُهان صحيحاً بنسبة 100%". وبعيداً عن شعور الأُم بالمسؤولية، تجد سوزان أنّ المظاهر تلعب دوراً ثانياً في حرص الأُم على نيل ابنها علامات تبيض الوجه"، فتقول: "من أدوات تباهي المرأة مع صاحباتها الحديث عن علامات أبنائها المدرسية، فتفوق الأبناء يزيد من الأسهم الاجتماعية الخاصة بالمرأة، ويجعلها تملك مواضيع إضافية لتقول وبطريقة غير مباشرة: (أنا وأبنائي مميزون)".

 

أولويات مختلفة:

على الضفة الأخرى، وإذا  كانت الأُم اعترفت بلسانها بأنها تتفاعل مع الامتحان، تحرق أعصابها، تعيش بين نار التدريس ونار انتظار النتائج، فماذا عن الأب؟ هل يُشارك زوجته تلك الانفعالات؟ أم أنّ الاعتدال المعروف عن الرجل يضعه في مكان يعفيه من مهمة حرق الأعصاب بالمطلق؟

 

نعرة:

بشكل مباشر، يقول محمد أسامة (مندوب علاقات عامة): "نعم في الامتحان تكرم الأُم أو تهان مثلها مثل ابنها"، مشيراً إلى أنّها "هي التي وضعت نفسها في هذه الحالة". لماذا؟ "الأسباب كثيرة"  كما يجيب، لافتاً إلى أن "أوّل هذه الأسباب يبدأ من الدور الذي تقوم به الأُم في البيت". وهنا، يعلق أسامة بالقول: "يلقي الدور الذي تقوم به الأُم على عاتقها مهمة رعاية الأبناء، بدءاً من نظافتهم وأكلهم، وصولاً إلى صحتهم ودراستهم، وكأنها الراعي الرسمي لكل التفاصيل التي تدور داخل جدران البيت". وهنا، يشدد محمد على جزئية الدرس، فيقول: "يدخل تدريس الأبناء في أجندة مسؤوليات الأُم، والنتائج هي جوهر تلك المسؤوليات". ويضيف: "لهذا، تتحول أيام الامتحانات عند الأُم إلى استنفار عام، تضطر فيه ست البيت إلى أن تلزم البيت". هذه الإقامة الجبرية للأُم "كافية" حسب تعبير محمّد لتمنحها الحق في رد الجميل، ورد الميل يكمن في الحصول على علامات عالية تُنسي الأُم تعبها وجهدها وجلوسها الطويل حبيسة البيت". ويختم بالإشارة إلى أنّه "لهذا، تؤثر نتائج الامتحان في الأُم تأثيراً لا يقارن بتأثيره في الأب، لأن دوافع كليهما لتلك النتائج مختلفة".

 

Show off

"تحويل امتحانات الأبناء إلى "هم على القلب" لم يأت من فراغ"  كما يقول عمار قيميري (مدير مبيعات)، لافتاً إلى أن "لكل شيء أو ظاهرة سبباً". والسبب هنا  كما يشير "يعود إلى المناهج الدراسية الصعبة والمدارس الأجنبية التي بتنا نُلحق بها أبناءنا". ويقول: "لهذان تتحول الأُم، كونها المشرف المباشر على تدريس الأبناء، إلى عدّاء يتسابق مع الأبناء من جهة، ومع بقية الأُمّهات من جهة ثانية للوصول إلى العلامات النهائية في الامتحان". وهنا، نتوقف عند عبارة "سباق الأُمّهات مع بعضهنّ" التي يختصر بها عمار العلاقة الجدلية بين المرأة والمرأة، فيقول: "تتخلل تلك العلاقة النسائية عناصر مهمة مثل التباهي، الادعاء، وحب التفوق"، حيث يشير إلى أنّ "هذه العناصر التي تبدو شخصية، تعتمد في نجاحها على الأبناء الذين يمدون الأُم بها، إذا أفلح الابن أفلحت الأُم، ولكن كلّ في ملعبه وأهدافه". ويذهب عمار إلى أبعد من ذلك، حين يتحدث عن تأثير النتائج المدرسية في الأمهات، فيقول: "تضطر بعض الأُمّهات إلى الكذب بشأن علامات أولادهنّ، فتقول فلانة إن ابنها حصل على 97% مثلاً، لترد أخرى أن ابنتها لم تفلح هذا العام كثيراً، فحصلت على 90% فقط، وهكذا، يستمر الاستعراض بالعلامات حتى ليخال إلى الواحد منا أن كل طلاب المدارس لا يحصلون على أقل من التسعينات كمعدلات". وهنا، يذكر عمار أنّه ذات يوم قصدت زوجته مدرسة ابنتها لتتأكد من حقيقة الفرق بين علامات ابنتها وزميلاتها، فكانت المفاجأة حين عرفت أن كلام الأُمّهات عن علامات بنتاتهنّ "كذب في كذب".

 

قضية شخصية:

لم يكن مفاجئاً بعد كلّ ما سمعناه أن يتوزع هم الامتحان على الأُم والأبناء بمعدل 80% للأُم، و20% للأبناء. فالمشكلة كما تقول نورهان غنام في (الصف الثامن) تكمن في أن والدتها تُحول علاماتها "إلى قضية شخصية"، بحيث تبدو وكأنها أمام خيارين لا ثالث لهما: "إما التفوق أو التفوق". وتقول نورهان: "لهذا يصبح على البنت أن تحصل على تلك العلامات بشتى الطرق لترضي والدتها، الأمر الذي يدفعها إلى القول في كل مرة تحصل فيها علامات عالية: "ماما، جبتلك 90%، انبسطي".

 

تقدمة:

إلى ذلك، لا يبدو أن هناك اختلافاً في قناعة الأبناء تجاه نتائجهم الدراسية، فها هو عبدالرحمن الجابي (الصف السابع) يقول إنّه يكرر عبارة "جبتك علامة كذا" على مسمعي أبيه، منطلقاً من رغبته في إسعاد والده وحرصه على نيل رضاه. فبحسب تعبيره "الابن لا يملك غير نجاحه تفوقه ليقدمه لأهله، لهذا لا يغيب عن باله وهو يدرس أنّ النتيجة لن تسعده وحده، بل ستسعد أهله أضعافاً مضاعفة". هنا، يتدخل الأُم عبدالقادر الجابي، فيقول: "أكرر دائماً على مسمعي ابني أنّه بمثابة عصفور طيار سيتركنا يوماً لمستقبله. ولهذا، فإنّ النجاح نجاحه والفشل فشله"، مؤكداً أنّه يفهم تماماً دوافع ابنه في التحصيل العالي، ولكنه لا يعتمد سياسة الضغط والقوة، "فلكل طالب مقدراته" حسب تعبيره. ويختم الأب قائلاً: "حين نُحَمّل أبناءنا أكثر من طاقتهم، فنحن نسهم في تدميرهم نفسياً وعصبياً".

 

رسائل ضمنية:

وإذا كان ثمة اتفاق على أنّ التورط العاطفي والنفسي من جانب الأُم في نتائج الامتحانات هو صاحب الفضل في تحقيق تلك النتائج، ولكن من المسؤول عن حدوثه؟ في هذا السياق، تقول مستشارة العلاقات الأسرية والتربوية غالية الناظر: "في الواقع، تتحمل الجهات المدرسية الذنب الأوّل في تحويل الأُم إلى طالب يُشارك ابنها أو ابنتها التعب في الدراسة، والخوف من العلامات"، مُشيرة إلى "أن إدارة المدرسة حين ترسل جدول الامتحان إلى أولياء الأمور، إنما توجه رسالة ضمنية بين السطور تُحمل فيها الأُم المسؤولية كاملة عن تدريس الأبناء والمراجعة لهم وتهيئتهم للامتحان، وكأنها بذلك تقول: "أنت المسؤولة عن النتيجة، سواء أكانت سلباً أم إيجاباً". هذا العبء النفسي الذي ترميه إدارة المدرسة على عاتق الأُم " ليس مُبرراً" كما تقول غالية، وتضيف: "يكفي الأُم، حجم المساحة التي تشغلها في البيت، مرة مع الأبناء ومرة مع الزوج. ولهذا يصبح من الخطأ أن نحمل الأُم فوق مسؤولياتها مسؤوليات أخرى". ومن هنا، تنتقل الناظر إلى طرف آخر يمكن توجيه اللوم إليه في قضية تحميل الأُم ذنب العلامات والنتائج، فنقول: "حين ننظر إلى المشهد التربوي، يصعب علينا أن نرى الأب يقف إلى جانب الأُم في الدور التعليمي، فالأُم هي الحاضرة في البيت، بينما الأب هو الغائب عنه". وتضيف: "لهذا، يجب على الأُم القياس بدورين اثنين وليس دوراً واحداً، كما يجب عليها أن تحمل القلق كله من دون مشاركته مع الأب في ما يخص سير الامتحان، لتقف في النهاية وحدها في وجه النتائج إما غالباً أو مغلوباً". "المفارقة" كما تقول غالية الناظر، "تكمن في أنّ الأُم وقت الامتحان تبدو وكأنها تعرف كلّ معلومة في كتب ابنها أو ابنتها، حيث إنها تدرس العلوم والرياضيات والعربي واللغة، مهما كانت إمكاناتها العلمية محدودة أو ضعيفة، حيث تجد نفسها مضطرة إلى مراجعة كلّ درس بدرسه قبل تدريسه لأبنائها، الأمر الذي يجعلها على درجة عالية من الفهم والاستيعاب لمناهج المدرسة"، مشيرة إلى "أن معظم الأُمّهات المتورطات في تدري أبنائهن، يقفن على تفاصيل الدروس من ألفها إلى يائها، الأمر الذي يجعل الواحدة منهنّ طالبة في المدرسة، في حين أن لها من العمر كحد أدنى 30 عاماً".

 

مردود اجتماعي:

لماذا تحول الأُم نتائج أبنائها الدراسية إلى قضية شخصية تقف على الخط الفاصل بين الإهانة والتكريم؟ سؤال توجهنا به إلى الدكتور محمّد سعيد (أستاذ التربية في "جامعة الحصن")، الذي يتوقف عند الدوافع التي تحمل الأُم إلى تحويل نتائج الامتحانات إلى هم وغم، يقول: "ينسب الأب أي تقصير دراسي من قبل أبنائه إلى أمهم، مُحملاً إياها دور الرعاية التعليمية بالكامل. ولهذا تتحول الامتحانات إما إلى مصدر قلق وتوتر للأُم، أو إلى مصدر فخر بعلامات أبنائها"، مشيراً إلى "أنّ الدور التعليمي الذي أوكله الأب إلى الأُم يجعلها تمتحن مع أبنائها، تسهر معهم، تترقب علامات الامتحان وكأنها هي من ذهب إلى المدرسة أو الجامعة وكتب الأجوبة". ويضيف: "لهذا، يصبح من الطبيعي أن تحمل الأُم نتائج الأبناء المشرفة وتقول لزوجها بفخر: "انظر ماذا صنعت يداي". ولكن في المقابل، كيف سيكون رد فعلها لو كانت العلامات مخالفة لتوقعاتها؟ يجيب د. محمد سعيد: "ستشعر الأُم بمشاعر سلبية هي مزيج من خيبة الأمل والخجل والإحساس بالذنب والعار أحياناً، فما يفعله الأزواج بخصوص تلك المهمة التي حولوها إلى مهمة نسائية، جعفل من النتائج الرديئة حملاً على الأُم وكأنها هي التي قصرت في تأدية مهمتها تجاه الأبناء".

وإذا كانت نتائج الامتحانات تحمل للأُم مردوداً اجتماعياً عالياً، فإنّ المرأة "بطبيعتها"، كما يقول الدكتور محمّد سعيد "تحب المظاهر. لهذا، نجدها تستخدم نتائج أبنائها كمظهر من مظاهر الفخر الاجتماعي، حيث تتباهى بنتائج أبنائها وعلاماتهم، خاصة أمام الأهل والأصدقاء، لأن في تلك النتائج إشارة غير مباشرة إلى جهدها وحرصها وتميزها هي شخصياً قبل أبنائها، لهذا تتحول نتائج الاختبارات إلى مظهر من مظاهر الزهو الاجتماعي والتباهي الأسري.

 

فوبيا الامتحان:

"تلك العلاقة الجلدية بين الأُم والأبناء من جهة، وبين الأُم والأب من جهة أخرى، قد تولد نتائج سلبية ترتبط بالأداء الدراسي للأبناء". يقول د. محمّد سعيد موضحاً أنّه "في بعض الأحيان، يؤدي الحرص الزائد من جانب الأُم إلى إلى نتائج عكسية غير مستحبة، فالمبالغة في الدراسة والمتابعة وترقب الامتحانات والدرجات، يمكن أن تصيب الأبناء بما يعرف بـ"فوبيا" الاختبارات، ناهيك عن الضغط النفسي الذي يدفع الأبناء إلى كره الدراسة ومعاندة الاهل المغالين في الحديث عن التفوق والعلامات والتميز". لهذا، يؤكد د. محمّد سعيد "أن إجبار الأبناء، على الرغم من تفاوت مهاراتهم وإمكاناتهم الدراسية، على التفوق يجعل من العلامات ودرجات الاختبارات القضية الأساسية في حياتهم، بغض النظر عن ميولهم الشخصية وطاقاتهم الفردية".

ارسال التعليق

Top