◄لقد أكّد الإسلام على أهمية العلم والثقافة والفكر، فقد ورد في القرآن الحكيم الكثير من الآيات التي تدعو إلى العلم، وتبين فضيلته، ومنها:
1- قوله تعالى: (.. يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (المجادلة/ 11).
2- قوله تعالى: (.. فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (النحل/ 43).
3- قوله تعالى: (.. وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) (طه/ 114).
4- قوله تعالى: (وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ) (العنكبوت/ 43).
5- قوله تعالى: (.. قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ) (الزّمر/ 9)، إلى غيرها من الآيات الكثيرة في هذا المجال، كما ورد في السنّة المطهّرة الكثير من الأحاديث في هذا المجال أيضاً، ومنها:
1- قوله (ص): "خير الدنيا والآخرة مع العلم، وشرّ الدنيا والآخرة مع الجهل".
2- قوله (ص): "لغدوة في طلب العلم أحب إلى الله من مائة غزوة، ولا يخرج أحد في طلب العلم إلا وملك موكل به، يبشره بالجنة، ومن مات وميراثه المحابر والأقلام دخل الجنة".
3- قوله (ص): "فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم، وروي: كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب".
4- قوله (ص): "العلماء ورثة الأنبياء".
5- قوله (ص): "أقرب الناس من درجة النبوّة أهل العلم والجهاد: أما أهل العلم فدلوا الناس على ما جاءت به الرسل، وأما أهل الجهاد فجاهدوا بأسيافهم على ما جاءت به الرسل".
6- قوله (ص): "لموت قبيلة أيسر من موت عالم".
إلى غيرها من الأحاديث التي تدعو المسلم إلى التعلّم واكتساب المعارف والثقافات المفيدة، مما يدلل على أهمية العلم والثقافة في بناء الإنسان المسلم.
بين العلم والثقافة:
هل كلّ علم هو ثقافة.. أم العكس هو الصحيح؟!
وما هو الفرق بين العلم والثقافة؟ وما هو الخيط الفاصل بينهما؟ للإجابة على هذه التساؤلات.. نتساءل أوّلاً.. ما هي الثقافة؟
تعرف الثقافة بانها: "مجموعة من الصفات الخلقية والقيم الاجتماعية التي يتلقاها الفرد منذ ولادته كرأسمال أولي في الوسط الذي ولد فيه، والثقافة على هذا هي المحيط الذي يشكل فيه الفرد طباعه وشخصيته".
وهذا التعريف الشامل للثقافة هو الذي يحدد مفهومها، فهي المحيط الذي يعكس حضارة معينة، والذي يتحرك في نطاقه الإنسان المتحضر، وهكذا نرى أنّ التعريف يضم بين دفتيه فلسفة الإنسان، وفلسفة الجماعة، أي (معطيات) الإنسان، و(معطيات) المجتمع، مع أخذنا في الاعتبار ضرورة انسجام هذه المعطيات في كيان واحد، تحدثه عملية التركيب التي تجريها الشرارة الروحية، عندما يؤذن فجر إحدى الحضارات.
وحين نحاول الربط بين الثقافة والحضارة، تصبح الثقافة نظرية في السلوك، أكثر من أن تكون نظرية في المعرفة، وبهذا يمكن أن يقاس الفرق الضروري بين الثقافة والعلم.
والثقافة في المصطلح الحديث، لا تشمل كلّ العلوم، إنّها تلك التي تتصل مباشرة بسلوك الإنسان، فليست الجغرافيا أو الرياضيات، أو علوم الفلك والنجوم، ثقافة، لأنّها لا تهدف تغيير سلوك الإنسان.
ونستطيع تعريف الثقافة بأنّها المعارف التي تعطي الإنسان بصيرة في الحياة، ونوراً يمشي به في الناس، ولذلك تعتبر فلسفة الحياة، وفلسفة التاريخ، وفلسفة الاجتماع كلها ثقافات.
لماذا؟ لأنّها تعطي صاحبها رؤى ينظر من خلالها إلى الحياة.
والكلمة التي أطلقها القرآن بديلة عن الثقافة هي البصيرة، كما أطلق كلمة الهدى والحكمة بديلة عن الفلسفة.
فالبصيرة هي الثقافة المفضلة التي تهدف إصلاح الإنسان، وإصلاح سلوكه بينما الهدى هي المبادئ العامة لهذه الثقافة.
وبكلمة... كلّ ثقافة علم، وليس كلّ علم ثقافة، ومن هنا نستطيع أن ندرك الخيط الدقيق والفاصل بين العلم والثقافة.
لماذا... الثقافة؟!
تنبع أهمية الثقافة للإنسان، من الحقائق التالية:
1- تغذية العقل:
إنّ بناء الشخصية المتكاملة لا يتم إلّا من خلال التوازن بين الجسم والعقل والنفس، وكما يحتاج الجسم إلى الغذاء كي ينمو ويستمر في الحياة، وكما تحتاج النفس إلى التزكية والتربية والتهذيب كي تنمو في عالم الطهارة والسمو الروحي، كذلك يحتاج العقل إلى الغذاء كي ينمو ويرقى ويتكامل في عالم الفكر والمعرفة، وغذاء العقل هو الثقافة والفكر والعلم والمعرفة بشتى فروعها وحقولها. وعندما يخلو العقل من الثقافة، ومن الفكر، ومن المعرفة، فإنّه يصاب بالجوع الثقافي، وهذا النوع من الجوع هو أخطر على الإنسان من الجوع المادي، فمن الممكن أن يقاوم الإنسان ولمدة عدة أيام، بل أسابيع الجوع المادي، ولكن الإصابة بالجوع الثقافي، أو لنقل (الأمية الحضارية) تقضي على قيمة الإنسان ككائن حضاري متميز.
ومن هذا المنطق، تبدو لنا أهمية الثقافة والفكر في بناء العقل بناء محكماً، وصياغة عقل رشيد.
2- استيعاب حقائق الحياة:
في الحياة حقائق كثيرة...
واستيعاب هذه الحقائق وهضمها هو الطريق الأقصر للوصول إلى الهدف المنشود...
ولا يمكن التعرّف على تلك الحقائق واستيعابها إلّا عن طريق المعرفة والفكر والثقافة.
فالثقافة والعلم نور، وبهذا النور نستطيع التعرف على الحقائق وإدراك الأشياء بصورتها الحقيقية.
والجهل ظلام، وهل من المعقول أن تُدرك ما أمامك وأنت في ظلام دامس؟!
والثقافة حياة، والجهل موت.. وهل يُدرك الميت شيئاً؟!
ومن هذا المنطق أيضاً، تبدو لنا أهمية الثقافة والفكر في عملية استيعاب حقائق الحياة بكل جلاء ووضوح.
3- توسيع دائرة الوعي:
إنّ الثقافة لدى الإنسان هي التي تصنع الوعي لديه، فالجاهل لم ولن يكون واعياً ففاقد الشيء لا يعطيه.
وكلما غاص الإنسان في بحار الأفكار والثقافات، كلما خرج منها وهو يملك المزيد من الوعي والفهم والفقه بالحياة.
فالتكامل العقلي، أو لنسمه "النضج العقلي" لن يتم إلّا عندما يتمتع الإنسان بذخيرة ثقافية واسعة، عندها تتوسع آفاق الذهن، ويزداد الوعي لدى الإنسان، أو عندما يفقد الإنسان الثقافة، فإنّه لا يستوعب حتى أبسط الأشياء، ويكون حاله مثل ذلك الشخص الذي قالوا له: بأنّ السفينة تستطيع أن ترسو فوق سطح البحر، فصرخ: كم أنتم جهلاء!!... إنّ صخرة صغيرة لا تستطيع أن تطفو على الماء، فكيف بسفينة كبيرة؟!
قد نضحك من ضحالة التفكير عند هذا الجاهل المسكين؟! ولكن ما أكثر هؤلاء المساكين، والذين لا يعلمون بأنّهم لا يعلمون!.. وكما قال الشاعر:
جهلت ولا تدري بأنّك جاهل *** ومن لي بأن تدري بأنّك لا تدري
إنّ الثقافة والمعرفة هي الطريق نحو الحصول على الوعي والفهم بالحياة، أما الجهل فهو الطريق نحو السذاجة والغباء!
ومن هذا المنطق أيضاً، تبدو لنا أهمية الثقافة في امتلاك الوعي.
ومن هنا، فالمنطق السليم يقرر (الثقافة هي أقصر الطرق نحو النجاح).►
المصدر: كتاب الشخصية الناجحة
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق