اللّامبالاة.. مرض خطير وآفة كبيرة أينما كانت واتجهت، فكيف إذا كانت بإتجاه الدين وحرماته وأحكامه، فإنّها حينها تكون آفة الآفات لأنّها تفضي وتوصل إلى الموت الأعظم الذي هو موت المشاعر والأحاسيس وبالتالي موت الروح وإن كان الجسد حياً والقلب ينبض. قال جلّ شأنه: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (الحشر/ 19)، نسوه بنسيان مسؤولياتهم التي كَلَّفهم بها، وأنساهم أنفسهم بأن أوكلهم إلى أهوائهم التي تسوقهم للخروج عن دينهم.
إذا كان الإنسان شديد الحبّ للدنيا وشديد الرغبة فيها فإنّ هذا سيقلب أولوياته بمعنى أن يقدم دنياه على آخرته، فيتحوط لكل خطر على نفسه وماله وعائلته، بينما لا يبالي بما يؤدي إلى حفظ الكيان الإسلامي العام، وعليه فأمثال هؤلاء سيتركون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا شكل أداؤهما مانعاً مقابل بعض المنافع الدنيوية. مبررين ذلك بأنّ أمرهم ونهيهم لا يؤثر، وبالتالي فقد سقط هذا التكليف بحقهم وأبرئت بذلك ذمتهم وخلصوا من مسؤوليتهم من شيوع المفاسد في المجتمع. فكل ما يرونه في إنجاز هذا التكليف هو القول باللسان وبشكل فردي، مع العلم أنّ الغرض هو قلع المنكر ونشر المعروف وعليه فالمطلوب أكثر من القول، المطلوب العمل إضافة إلى القول والقيام بعمل جماعي إن لم ينفع العمل الفردي. قال تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (آل عمران/ 104). وأيضاً قوله عزّوجلّ: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (التوبة/ 71). إنّ القرآن في هاتين الآيتين يأمر بالعمل الجماعي، أي العمل المؤسسي والتعاوني لمكافحة المنكر والفساد، ونشر الخير والمعروف والإحسان. فالآية تؤكّد على أن يكون من المسلمين: (أُمّة) أي جماعة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.
القرآن في دعوته ومنهجه يريد أن يبني الإنسان الصالح والمجتمع الصالح، وأن يصلح المجتمع الإنساني عندما يحدث فيه الفساد والانحراف، وتلك هي رسالة الأنبياء جميعاً؛ ولذا أرسل الله سبحانه الأنبياء والمرسلين، جيلاً بعد جيل؛ لإصلاح شعوبهم ومجتمعاتهم.. إصلاح العقيدة والفكر والتفكير، وإصلاح السلوك والعمل ونظام الحياة، وإصلاح العلاقات الإنسانية الفاسدة.
وهكذا فإنّ الدين، ومن أشرف تكاليفه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا يقوم بحقه إلّا من كان لديه الإستعداد الكامل للبذل والتضحية بكل ما تقتضيه عملية إقامة الدين في الأرض وحماية تعاليمه وحفظ حرماته. وعليه فالذين لا يملكون هذه الروحية وهذا الاستعداد لن يوفقوا للقيام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولقد رسم الإمام عليّ (عليه السلام) في بعض وصاياه موقع المال والنفس والدين وقيمة كلّ منها ومقامه بالنسبة إلى حياة المسلم فقال (عليه السلام): «فإذا حضرت بلية فاجعلوا أموالكم دون أنفسكم، وإذا نزلت نازلة فاجعلوا أنفسكم دون دينكم واعلموا أنّ الهالك من هلك دينه والمريب من خرب دينه».
إنّنا بلامبالاتنا وعدم أمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر سوف نجعل المفسد لا يشعر بأي مسؤولية تجاه أعماله ولن يجد ما يعترض سيره من العقبات وبالتالي فلن يأخذه التورع عن فعل أفظع المحرمات وأقبح المنكرات.
وفي موعظة بليغة لنبيّ الله عيسى (عليه السلام)، يقول: «إنّ الحريق ليقع في البيت الواحد فلا يزال ينتقل من بيت إلى بيت حتى تحترق بيوت كثيرة، إلّا أن يستدرك البيت الأوّل فيهدم قواعده، فلا تجد فيه النار معملاً». وكذلك الظالم الأوّل لو يؤخذ على يديه لم يوجد من بعده أمام ظالم فيأتون به، كما لو لم تجد النار في البيت الأوّل خشباً وألواحاً لم تحرق شيئاً.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق