في ظل انحسار أفق النقد وحرية التعبير في وسائل الإعلام التقليدية بالمملكة العربية السعودية، أضحت شبكة الإنترنت -بما تحتويه من مواقع تواصل اجتماعي ومدونات ومنتديات- الفضاء الذي يلجأ إليه السعوديون لطرح ما يشغلهم من قضايا بطريقة تنطوي على منسوب عال من الحرية والجرأة اللافتتين.
إحدى المشاهد الساخرة يجسدها كوميدي سعودي وتصور مسؤولا بارزا وهو ينزل من سيارة "رولز رويس" ويقيم سورا من الأسلاك حول قطعة أرض غير مملوكة لأحد، ثم يقول باللهجة العامية "صارت حقتي". هذه لقطة من فيديو تم نشره على موقع يوتيوب وهي تتضمن نقدا وسخرية من وكالة حكومية جديدة لمكافحة الفساد.
نسب مشاهدة عالية
وتحظى مثل هذه المقاطع التمثيلية المجسدة من كوميديين سعوديين بنسب مشاهدة عالية، خاصة أن نحو 40% من السعوديين مرتبطون بالشبكة العنكبوتية، كما أن موقع يوتيوب لوحده يسجل دخول نحو 2.2 مليون سعودي.
وتقول لمى صبري، وهي كاتبة في سلسلة "على الطاير" الكوميدية الشهيرة على يوتيوب، إن فريق العمل يحرص كثيرا على عدم تجاوز الخطوط الحمر، لكن السلسلة تستخدم الكوميديا في السخرية من وجود مثل تلك الخطوط.
من جانبه يشير أحمد العمران، وهو مدون سعودي، إلى أن الإنترنت دائما ما يوفر للسعوديين مساحة للتعبير عن أنفسهم بحرية بطرق لم يسبق لها مثيل، ويلفت إلى أن تويتر هو أحدث نافذة لذلك.
لكن الانتقادات لا تأتي دائما في شكل سخرية أو تهكم، حيث شاهد أكثر من 52 ألف شخص فيلما يخلد ذكرى ضحايا سيول ضربت جدة في عام 2011، وتظهر بالفيديو جثث الضحايا في المناطق الأكثر تضررا.
كما شاهد عدد كبير من السعوديين لقطات صورت بالهاتف النقال لشرطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي تهدد أسرة سعودية في مركز تجاري، وقد أقال العاهل السعودي الملك عبد الله رئيس الهيئة فيما بعد.
تويتر
وجذب مستخدم لتويتر يطلق على نفسه اسم "مجتهد" عددا كبيرا من المتابعين بعدما كتب عدة تغريدات عن مزاعم تتعلق بالعائلة الحاكمة. وقال "مجتهد" لرويترز إنه يعتقد أن فضح الفساد بحجمه الحقيقي طريقة فعالة لإقناع الناس بالتحرك لمجابهة الظاهرة.
وحازت تغريدات "مجتهد" على شهرة كبيرة إلى درجة أن المفتي العام في السعودية أطلق هجوما على تويتر الشهر الماضي دون أن يشير إلى مجتهد بشكل مباشر، وقال إن وسائل الإعلام الاجتماعي تروج الأكاذيب وتشن هجمات على شخصيات دينية واجتماعية بالمملكة.
ويقول مواطن سعودي إنه يستمتع بقراءة تغريدات "مجتهد"، ويصفها بالخطيرة لأنها تهاجم الشخصيات المشهورة دون أي دليل مما يضر بثقة الناس في الدولة، حسب قوله.
ويرى بعض السعوديين أن المراقبة الشعبية التي يتيحها الإعلام البديل تترك أثرا، لأن عددا كبيرا من المسؤولين وأفراد العائلة الحاكمة لاحظوا الأمر وانضموا إلى مناقشات على الإنترنت، بينهم الأمير طلال بن عبد العزيز الأخ غير الشقيق للملك عبد الله ووزير الإعلام السعودي عبد العزيز الخوجة وشخصيات أخرى.
ويرى المحلل السعودي حسين شبكشي أن الحكومة تولي اهتماما بالأمر وتراقبه، وأن نسبة مستخدمي تويتر في السعودية هي الأعلى في المنطقة لذا ينظر إلى الموقع بجدية.
يذكر أن قانونا صدر العام الماضي جعل المدونات وغيرها من وسائل الإعلام على شبكة الإنترنت عرضة لبعض القيود المفروضة على وسائل الإعلام التقليدية.
ارسال التعليق