◄المجتمع مجموعة من الأفراد والأسر الذين تربطهم روابط مختلفة، كالعقيدة أو القرابة، أو المصالح المشتركة، والعلاقات التأريخية... وغيرها.
فكلّ فرد يشعر بانتمائه إلى أسرته وإلى مجتمعه، وبأنّه جزء من أسرته ومجتمعه..
انّ الفرد يتبادل المنافع مع الأسر والمجتمع الذي يعيش فيه، وكما يكتسب من أسرته الأخلاق والسلوك وطريقة العيش، يكتسب أيضاً جزءاً من أفكاره وطريقة تفكيره..
وللفرد مصالح وشخصية مستقلة، كما انّ للمجتمع شخصية ومصالح مستقلة، وكثيراً ما يحصل التناقض بين مصالح الفرد والمجتمع، لذا اهتمت القوانين والأنظمة الوضعية والإلهية بتنظيم العلاقة، وحل التناقض بين مصالح الفرد والجماعة التي تتعارض فيها المصلحتان الفردية والاجتماعية..
وقد اهتمت التعاليم الدينية بتنظيم الحياة المدنية للفرد والجماعة، لحفظ الحقوق والواجبات الإنسانية، كذلك اهتمت دراسات الأخلاق والآداب الاجتماعية بتنظيم حياة الفرد والمجتمع والموازنة بينهما على أسس أخلاقية وإحساس وجداني سليم..
فالبعض من الناس لا يفكر إلا بتحقيق مصالحه الشخصية، ولا تعنيه مصلحة الآخرين..
فالتاجر المحتكر والبائع والمنتج المتلاعب بالأسعار، لا يفكرون إلا بتحقيق الربح الفردي، ولا يعنيهم ما يقع على المستهلكين الفقراء من غلاء وأزمات ومشاكل معاشية..
وصاحب الحاجة يفكر في سد حوائجه، ولا يعنيه أن تبقى حوائج الآخرين وأزماتهم قائمة تفتك بهم، وتسبب القلق والمشاكل والمعاناة لهم..
والذي له هدف سياسي خاص يسعى لتحقيق هدفه الشخصي، والحصول على موقع أو منصب يطمح إليه. فإذا حقق ذلك، لا يعنيه ما يصيب الآخرين من مشاكل ومعاناة أمنية ومعاشية وسياسية..
والفلاح الذي يملك أرضاً زراعية، لا يتضامن مع الآخرين لتوفير الماء أو العلاج إذا توفر ذلك لزرعه.
فهذا الصنف من الناس لا ينظر إلى القضايا والمشاكل إلا من خلال مصالحه.
وقد شخص الرسول الكريم محمّد (ص) هذه المشكلة الخطيرة، وهذه الأنانية الضارة بمصالح الجماعة، فحذر منها بقوله: "لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير".
وبذا يربط الرسول الكريم محمّد (ص) بين التفكير بمصالح الجماعة، والخروج من الأنانية الفردية. فالأناني الذي لا يفكر بمصلحة الجماعة ليس بمؤمن صادق الإيمان. ومن لا يفكر بمصلحة الآخرين، لا يفكر أحد بمصالحه.. وبذا تنهار وحدة المجتمع وبناؤه.
فما لم يتحقق الشعور النفسي والتريوي السليم لدى الفرد والجماعة، وما لم تكن هناك قوانين تحفظ مصلحة الفرد والجماعة.. يتحول المجتمع إلى فوضى وأنانية، وحرمان الأكثرية من أبناء المجتمع.. ومن ثمّ يفسح المجال أمام الأقوياء لقهر الضعفاء واستضعافهم..
إنّ الإحساس الوجداني والأخلاقي في نفوسنا، والمبادئ الإلهية السامية، تدعونا إلى أن نحرص على مصلحة الجماعة، كما نحرص على مصالحنا الفردية الخاصة.. إذ انّ كثيراً من المصالح الفردية تلحق الضرر بمصلحة المجتمع، لذا يجب الابتعاد عنها.
فتهريب الأرصدة المالية مثلاً، يحقق مكاسب مادية كبيرة للأشخاص المزاولين لهذه الأعمال.. غير أنّ ذلك يحدث ضرراً كبيراً باقتصاد الأُمّة وثروتها، لذا حرَّمه القانون الإسلامي وعاقب عليه.
الحقّ والواجب:
كلّ كائن في هذا العالم له علاقة متبادلة بغيره من الأشياء المحيطة به، فهو يأخذ ويعطي. فالإنسان والنبات والحيوانات والطبيعة تتبادل المنافع، من الأوكسجين وثاني أوكسيد الكاربون والغذاء والدفء والنور والمياه... إلخ.
والإنسان الفرد يعيش في أسرة ومجتمع، ويتعامل مع الآخرين، ويتبادل معهم المنافع.. فله حقوق على أسرته ومجتمعه، ولأسرته ومجتمعه حقوق عليه..
فكلّ فرد له حقّ، وعليه واجب، وتلك معادلة اجتماعية، وقانون اجتماعي، لا تتحقق العدالة والاستقرار في المجتمع البشري إلّا بالالتزام به..
ومن يطلب الحقّ من غير واجب، انّما يظلم الآخرين، ويريد أن يعيش عالة على الأسرة أو المجتمع، وعندئذٍ يرفضه الجميع..
انّ للفرد حقّ الحياة، ومن حقه أن يعيش، وتتوفر له سائر مستلزمات العيش المناسبة.. ومن حقه أن تفتح أمامه آفاق العمل، وحرية الكسب، والتملك المشروع.. ومن حقه أن يحصل على نصيبه من خيرات الأرض التي يعيش عليها.. نقرأ حقّ الإنسان هذا واضحاً في قوله تعالى: (وَالأرْضَ وَضَعَهَا لِلأنَامِ) (الرّحمن/ 10).
فهي وضعت للجميع يستفيدون منها وينتفعون بها، ولا يحقّ لأحد أن يحتكر المنافع لنفسه ويحرم الآخرين منها..
فالإنسان عضو في هذا المجتمع، وله حقّ الاستفادة من الخدمات والمنافع المتوفرة في مجتمعه..
إنّ الاستئثار بالمنافع والمصالح والخيرات فئة أو جماعة، وحرمان الآخرين منها، ظلم وعدوان على قانون الحياة وعلى مبادئ الحقِّ والعدل.. والقرآن الكريم يقرر هذا المبدأ بقوله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ) (النحل/ 90).
فـ(الناس سواسية، كأسنان المشط) كما قال الرسول الكريم (ص).
وعندما يسكت الناس على الظلم والحرمان فخطره يرتد على الجميع، وينتهي بتسلّط فئة من الطغاة على عموم المجتمع واستضعافه.
وكما يسعى الفرد للحصول على هذا الحقِّ، فعليه أن يعترف به للآخرين، ولا يصادر منهم هذا الحقّ.
ومن حقِّ الإنسان أن يعيش آمناً مطمئناً على حياته وعرضه وماله، وما يتعلق به، بعيداً عن الخوف والقلق. وسلب هذا الحقّ منه ظلم وعدوان يعاقب فاعله.
وكما له هذا الحق، فإنّه حق للآخرين أيضاً.. وعندما يخل بأمن الآخرين، أو يصدر منه ما يخيفهم، أو ينشر الرعب والقلق في المجتمع، فإنما يمارس الاعتداء على الهيأة الاجتماعية، ويخل بأمنه الشخصي في نهاية المطاف.
لقد ثبت الرسول الكريم محمّد (ص) قاعدة الأمن والاستقرار في المجتمع بقوله:
"إنّ المسلم أخو المسلم، لا يغشه ولا يخونه ولا يغتابه ولا يحل له دمه ولا شيء من ماله إلا بطيبة نفسه".
وقيمة الإنسان في سمعته وكرامته، لذا حرمت الشريعة الإسلامية الغيبة والبهتان وإثارة الشبهات وجرح الكرامة بقول أو فعل أو ممارسة، أو بالتجسس عليه ونشر أسراره، وهتك حُرمته.
وهذا القانون نفسه يلزم الفرد أن يحترم كرامة الآخرين، ولا يتجاوز على حرماتهم الشخصية..
قال تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) (الحجرات/ 11-12).
وكما للإنسان حقوق تجاه المجتمع، تقوم الدولة بتقديم معظم هذه الحقوق للفرد نيابة عن المجتمع، كحقِّ التعليم، والرعاية، وحفظ الأمن، وتوفير الخدمات الصحية والبلدية وغيرها..
كما إنّ على الفرد واجباً تجاه مجتمعه ووطنه، وما لم يعمل الفرد على حفظ مصالح الأُمّة، والدفاع عنها، وأداء ما عليه من واجبات يحددها القانون الشرعي والأخلاقي، فإنّ الحياة الاجتماعية تُعرّض للخلل والانحلال. وعندئذ يصيبه ما يصيب الآخرين من الضرر.
كيف نفهم الحياة؟
الحياة التي نعيش فيها. ونصنع وجودنا ومصيرنا بين أحضانها.. كيف نفهمها؟. وكيف نتعامل معها؟
حياة الإنسان هي هذه النشأة والفعاليات الجسدية والفكرية والروحية التي يمارسها الإنسان بين فترتي الولادة والموت. والتي يصنع من خلالها وجوده.. وتكتمل ذاته وروحه وشخصيته..
إنّه يحقق ذلك من خلال ما يملك من حياة وعقل وقدرة على الإحساس بالعالم المحيط به، والشعور باللذة والألم، وإدراك العقل للموجودات..
فنحن نأكل ونشرب ونلبس ونلهو ونلعب وتستمتع بالجمال والطيِّبات. ►
المصدر: مجلة الطاهرة/ العدد (136) لسنة 2005م
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق