أ. د. عبدالكريم بكّار
◄لا نستطيع أن نقوّم واقع التعليم الجامعي في عالمنا الإسلامي ما لم نعرف شبكة الجامعات التي لديه، وندرس نقاط القوة والضعف فيها، وهذا ليس متيسراً لنا، ولا لغيرنا. والأرقام التي تحت أيدينا – على قلتها غشيها الكثير من التشويه كما أنّ التبدلات النوعية التي تحدث في بعض الجامعات هنا وهناك كثيراً ما تجعل أحكامنا قاصرة. وهذا يفرض علينا أن نصوغ ما لدينا من ملاحظات بعبارات مرنة، تمنح تشخيصات أولية، وانطباعات عامة دون أن يعول عليها على نحو مفصل ودقيق.
مما لا يغيب عن البال أنّ الجامعات تعكس على نحو لا مهرب منه كل التغيرات الفكرية والاجتماعية والحضارية التي تحدث داخل مجتمعاتها، ولذا فإنّ أصول التغيير الذي يطرأ على جامعة من الجامعات، إنما يقع أغلبها خارج حدودها. ومن وجه آخر فإنّ الجامعات لا تستطيع أن تجعل من نفسها الترياق الذي يعالج كل ما خرّبته القوى النافذة في المجتمع، ولا أن تتلافى كل الذي حدث من قبل الأسر أو وسائل الإعلام، أو مراحل التعليم السابقة.
هل جامعاتنا في أزمة؟
يبدو أنّ الشكوى من سوء الأحوال شيء ملازم للطبيعة البشرية، أو هي مما اخترعته للتحريض على التقدم. ثمّ إنّ ما ندعوه بالأزمات والمشكلات، يأخذ دائماً طابع النسبية، ومدلوله شديد المرونة؛ لكن يبدو أنّ الذي منح الإحساس بوجود أزمة هو بطالة كثير من المتعلمين وخريجي الجامعات، إلى جانب الوعي الذي تولد من خلال مقارنة أوضاع جامعاتنا بأوضاع الجامعات في الدول الصناعية على نحو خاص.
وسنحاول رسم أهم ملامح الأزمة قبل أن نتحدث عن تفاصيلها، وبعض الحلول الممكنة لها، وذلك من خلال المفردات التالية:
1- يعاني التعليم في العالم الإسلامي من أزمة (هُويَّة)، وهذه الأزمة تتعرض لها كل الأُمم التي تعاني من انطفاء جذوة الإبداع وركود إنتاجها الثقافي الرفيع. وقد عانت أمة الإسلام من ذلك قروناً عدة قبل أن يأتي الاستعمار، ويستغلّ الفراغ الفكري والثقافي الموجود لدينا في بسط فلسفته وثقافته ومفاهيمه، باعتبار ذلك ضمانة طويلة الأجل لاستمرار الهيمنة الشاملة.
عند النظر في أحوال جامعاتنا نجد أن منها ما تسري فيه روح علمانية، ومنها ما تسري فيه روح قومية أو وطنية، وقليل منها تلك التي تتخذ من الإسلام – عقيدة وشريعة – إطاراً مرجعياً لما تقدمه إلى طلابها من علوم!
إنّ الهوية حتى تكون حاضرة في الأذهان، وفي المناهج والنظم، تحتاج إلى إنتاج فكري مبدع، مختوم بخاتم ذاتيتنا الثقافية وفلسفتنا في الحياة؛ إذ لا هوية بلا فكر، ولا فكر من غير إنتاج فكري، ولا إنتاج فكرياً من غير مؤسسات، تحرض عليه، وتحتضنه، وتساعده.
إنّ كثيراً من التشوش والغبش في هذه المسألة، نابع من أنّ كثيرين منا، لا يحسنون سوى الحديث عن الماضي والأمجاد الغابرة، ونقل فلان عن علان، لكنك لا تسمع منهم شيئاً عما يقولونه هم. وفي المقابل فإننا لا نشكو من قلة الذين يتحدثون عن (الغرب) وفلسفته وإنجازاته مع أنّ الذي يهمنا من الماضي ومن الغرب هو المغزى والأفكار الرئيسية التي تساعد على النهوض بأمتنا!
إنّ مناهجنا ونظمنا التعليمية مشوشة ومرقعة على مستوى الفلسفة والتوجه، وعلى مستوى المعارف والأنشطة؛ ولا أعتقد أننا بحاجة إلى براهين على هذا.
2- يشكو السواد الأعظم من الجامعات في العالم الإسلامي من (الفيضان) الطلابي؛ فالمتقدمون لها في تزايد مستمر،ولا يتمكن إلا القليل منها من مواكبة الزيادة في منسوبيها؛ فعجزها متصاعد في المباني، وفي أعضاء هيئة التدريس، وفي التجهيزات والوسائل المساعدة، الفصول مكتظة، وكثير من الأساتذة مثقلون بالمحاضرات، والمكتبات فقيرة، وأقسام التزويد فيها ضعيفة، وهكذا فهناك اختناقات شديدة، وأداء ضعيف؛ والاستثناء من ذلك قليل.
3- كانت نتائج ذلك هي تدهور مستوى كثير من الجامعات في العالم الإسلامي، فتكلفة التعليم الجيِّد، ترتفع على نحو مستمر. وبما أن تلبية حاجات أكثر الجامعات غير متيسرة، فقد أصبحت المستويات المعرفية التي تقدمها غير ملائمة لمتطلبات العصر الذي نعيشه. وقد قام أحد الباحثين تقدمها غير ملائمة لمتطلبات العصر الذي نعيشه. وقد قام أحد الباحثين بدراسة مسحية لعدد من الجامعات الإسلامية بغية التعرف على أحوالها، وقد كشفت تلك الدراسة عن أشكال مذهلة من العجز والقصور في كثير من تلك الجامعات. وعلى سبيل المثال لا الحصر فإنّ الحاصلين على درجة (الدكتوراه) من أساتذة (جامعة المسلمين) الأندنوسية، يشكلون نسبة 5% أما الحاصلون على درجة (الماجستير) فيشكلون 10% فقط.
مركز الملك فيصل في الفلبين يمنح الماجستير في الشريعة واللغة العربية، على حين أنّه ليس فيه شخص واحد، يحمل (الدكتوراه)! وفي جامعة الفلبين معهد آخر للدراسات الإسلامية، يمنح الدكتوراه، وأساتذته الذين يدرسون فيه، لا يزيدون على خمسة، وبعضهم يسعى لأخذ شهادة (الدكتوراه) منه. ولو ذهبنا نعمق النظر في كثير مما يسمى (جامعات) في دول عديدة مثل الباكستان وبنغلادش ودول أفريقية كثيرة لوجدنا أنها لا تعدو أن تكون عبارة عن كليات ضعيفة في كل شيء!
تردي البحث العلمي:
كنا ذكرنا من قبل أنّ من مهمات الجامعة الرئيسة تطوير المعرفة من خلال البحوث العلمية الرصينة التي يقوم بها أساتذتها وطلابها. وعند النظر في واقع البحث العلمي في معظم الجامعات في العالم الإسلامي، نجد أنه واقع مؤلم؛ والدليل على ذلك أن كثيراً من الجامعات في البلاد الإسلامية، ليس لديه أيّة أموال مرصودة للإنفاق على أيّة بحوث. والبحوث التي يقوم بها بعض الأساتذة في تلك الجامعات، تتم بمبادرات فردية منهم، دون أن يتلقوا أيّة مساعدات من جامعاتهم. أضف إلى هذا أنّ براءات الاختراع التي تسجلها الجامعات في عالمنا الإسلامي، لا تساوي ما تسجله الجامعات في بلد أوربي واحد! ولا يخفى أننا لا نستطيع أن نقوّم ما نقدّمه من معرفة، وما نقوم به من بحوث، بمعزل عما يقدمه العالم من حولنا، على نحو ما أشرنا إليه من قبل. وحتى نعرف شيئاً عن الهوة التي تفصل جامعاتنا عن الجامعات الأخرى سنلقي الضوء على بعض أحوال التعليم العالي في فلسطين المحتلة في مجال البحث العلمي. في البداية فإنّ الحكومة اليهودية في فلسطين تخصص 3% من الناتج القومي للإنفاق على البحث العلمي، وهذه النسبة من أعلى النسب في العالم، ولديها عدد من الجامعات والمعاهد المصنفة مع أرقى المعاهد العلمية والتقنية في العالم. وعلى سبيل المثال فإنّ معهد (وايزمان) يركز على أبحاث الكيمياء وعلوم الأحياء الدقيقة والنظائر المشعة واللإلكترونيات والفيزياء النووية...وهو يجري سنوياً ما بين 400 و500 برنامج بحثي أساسي وتطبيقي، ويعمل فيه ما يزيد على 500 عالم، ويستضيف سنوياً قرابة 100 عالم من أنحاء العالم، ويدرس في هذا المعهد نحو من 750 طالباً في مرحلتي (الماجستير) و(الدكتوراه). ولا نريد أن نقلب المواجع ونزيد في الإحباط، لكن من المهم أن نعلم أنّ نسبة أعداد الأساتذة والمشتغلين بالبحث العلمي إلى نسبة أعداد الطلاب في الجامعات اليهودية هي (1) إلى (4.7) وهذه نسبة قليلة الوجود في الجامعات العالمية!.
4- يمكن القول: إنّ هناك نوعاً من سوء (التوافق) بين حاجات سوق العمل من الموظفين وبين الإعداد الذي تقدمه جامعاتنا لطلابها؛ مما جعل خريجي الجامعات هم الشريحة العظمى بين العاطلين عن العمل، وبين الذين يعملون في غير تخصصاتهم، ولهذا نتائجه الوخيمة على الخريجين وعلى الجامعات وعلى سوق العمل. وسبب هذه الوضعية هو عجز الجامعات عن فهم متطلبات الحياة الحديثة، وبسبب افتقارها للمرونة، وعجزها عن تطوير نفسها بما يجعلها مؤهلة لتلبية ما فهمته واستوعبته.
الأستاذ الجامعي:
تختلف مهمة الأستاذ الجامعي عن مهمة المعلم في المراحل التعليمية الأخرى، حيث يكون واجب الأخير – على نحو أساسي – تقديم المعارف الأساسية لطلابه التي غالباً ما تكون موضع إجماع. أما الأستاذ الجامعي، فإنّ مهمته مزدوجة؛ حيث إنّ عليه أن ينقل إلى طلابه المعارف والعلوم التي أنتجها من سبقه، كما أنّ عليه أن ينتج معرفة جديدة، تمنح ذلك المنقول نوعاً من التجديد والتلوين. وقد يصل الأمر إلى حد نقض الكثير من الأفكار والمقولات السابقة وهدمها؛ حيث إنّ من طبيعة الفكر أن يهزم الفكر؛ والمعرفة التي لا تنمو تتأسَّن، وتفقد مصداقيتها وفعاليتها. والمشكلة أنّ بعض الأساتذة الجامعيين لا يرون سوى جانب واحد من مهمتهم، وهو تبليغ المعرفة للطلاب؛ وذلك من ذيول ركود الاجتهاد في عالمنا الإسلامي، ومن نتائج ذبول الروح العلمية في كثير من جامعاتنا. وهذا في الحقيقة يمثل مشكلة كبرى، حيث إنّ الجامعات هي المعاقل الرئيسة لإنتاج المعارف وتطويرها، فإذا لم تفعل ذلك، فمن الذي سيفعله؟!
وقد دلت دراسة مسحية أجريت في السبعينات على تدني إنتاجية الأستاذ الجامعي العربي، إذا ما قورنت بإنتاجية الأستاذ الجامعي في العالم المتقدم، حيث لم تزد على 10% منها، وقد كان من المفترض أن ينتج علماء الوطن العربي سنوياً ما بين (8) آلاف إلى (14) ألف بحث إذا ما استخدمت المقاييس العالمية، ولكنهم لم ينتجوا إلا 847 بحثاً فقط.
ما السبيل؟
يجب أن نفرق بين النمو الطبيعي للأستاذ الجامعي وبين التنمية المقصودة له؛ إذ إنّ من شأن كل الوظائف والمهن أن تولد نوعاً من ارتقاء الخبرة لدى من يباشرها، لكن هذا النمو الطبيعي لم يعد كافياً لمواكبة التطورات السريعة التي تتطلب دائماً المزيد من الكفاءة والتألق. إنّ التعليم الجامعي يواجه مشكلات متشابهة، وإنّ هناك الكثير من الأساليب والوسائل التي اتبعتها دول عديدة لتحسين عطاء الأستاذ الجامعي، وعلينا أن نستفيد منها، كما أنّ علينا أن نبدع من ذلك ما يناسب حاجاتنا الخاصة. ولعلنا نذكر هنا بعض الخبرات والمقترحات التي نظن أنها تساعد على ذلك:
1- هناك أعداد كبيرة من الطلاب الجامعيين الذين يتطلعون إلى الانخراط في سلك التدريس الجامعي، وهذا يمنح الجامعات فرصة كبيرة لاختيار المعيدين الذين سيتم إعدادهم لممارسة المهنة. والحال الآن هو أنّ كثيراً من الجامعات يختار المعيدين على أساس الدرجات التي ينالها الطالب في دراسته الجامعية، إلى جانب مقابلة شخصية سريعة، ثمّ يجري دفع من يتم اختياره إلى الدراسة المنهجية.
إنّ البداية الصحيحة تتمثل في رفع مستوى شروط القبول لـ(الإعادة) وفي جعلها واضحة، من خلال شرحها للطلاب أثناء سنوات الدراسة الجامعية على نحو يزيل أي لبس. ولعل من أهم تلك الشروط إتقان لغة أجنبية، ومعرفة جيِّدة باستخدام (الحاسوب)، إلى جانب معرفة جيِّدة باستخدام الأسلوب الإحصائي في البحث العلمي، كالخبرة في تصميم الاستبانات وتحليلها. ويفوق كل ذلك في الأهمية أن يثبت الطالب نوعاً من الاهتمام المميز بالتخصص والقسم الذي يرغب في الانتساب إليه والعمل فيه؛ وذلك كأن يكون أجرى فيه بعض البحوث، أو حضر فيه بعض البرامج والدورات... وهذا طبعاً بالإضافة إلى الشروط الخلقية والسلوكية. ويتم خلال مدة الإعادة تدريبه على مهارات البحث والتدريس والتقويم... إنّ وضوح شروط الإعادة، وارتقاءها، سيكون حافزاً للطلاب المتميزين على الاستعداد لها.
في اليابان تعد جامعة (طوكيو) أرقى الجامعات اليابنية، ويعتقد من يدرس فيها أنّ مستقبلاً زاهراً ينتظره. ونظراً لصعوبة القبول فيها، فإنّ ذوي الطموحات الكبيرة من الطلاب، يبدؤون وهم في الصف الأوّل المتوسط بدراسة اختبارات القبول السابقة فيها، والاستعداد الذهني والمعرفي للاختبار عندما يحصلون على الثانوية!!
2- إنّ الضعف الشديد في أطر تنمية الأساتذة والمدرسين في كثير من جامعاتنا، يعود إلى اعتقاد تقليدي بعدم حاجة أساتذة الجامعة للتدريب على التدريس وشؤون البحث العلمي، لكن المشكلات المتمثلة في ضعف مستويات الخريجين، وتعثر الكثير من الطلاب، بدأت توجد قناعات جديدة بضرورة تغيير تلك النظرة والقيام بشيء ما.
أعتقد أنّ كل جامعة من الجامعات بحاجة إلى إيجاد مركز يعنى على نحو أساسي بتقديم المهارات والمعلومات والخبرات ذات الصلة بمهنة التدريس لكل من ينتسب إلى الهيئات التدريسية، والمساعدين لهم خلال السنوات الخمس الأولى – على الأقل – من انتساب الواحد منهم. كما يعني بإصدار نشرة دورية تتضمن الجديد في هذا المجال.
وسيكون من الملائم أن تنشئ وزارة التعليم العالي في كل قطر مركزاً يشرف على أداء المراكز الموجودة في الجامعات، ويقوم بالتنسيق بينها، وإيجاد معابر لانتقال الخبرة من جامعة إلى أخرى، بالإضافة إلى إيجاد معايير موحدة في اختيار المعيدين وتدريبهم، وترقية الاساتذة... تلتزم المراكز بمراعاتها.
إنّ أداء الجامعات الجيد في الدول المتقدمة لم يأت من فراغ، وإنما من جهود تطويرية دائمة ومضنية. في دراسة مسحية في بريطانيا تبين أنّ 39 جامعة في بريطانيا من جامعاتها الخمس والأربعين كانت تقدم منذ عام 1971 البرامج التدريبية لأساتذتها بشكل أو بآخر.
3- من الأسباب المهمة لتدني عطاء الكثير من الكليات والأقسام عدم وجود معايير للجودة، وعدم وجود روح علمية وبحثية جيِّدة، وذلك يعود على نحو أساسي إلى العزلة القاتلة الموجودة بين الجامعات، حيث إنّ هناك استقلالية مبالغ فيها، مما جعل لكل قسم معاييره الخاصة وأسلوبه الخاص في تقديم المعرفة والتدريب لطلابه، وهو لن يجد – بالطبع – أي مشكلة في إيجاد المسوغات الضرورية لإقناع نفسه بالرضا عن المستوى الذي هو عليه!
لذا فإن مما ينبغي عمله إعادة هيكلة الكليات، ليتم تظيمها على أساس الأقسام، فيكون لكل قسم شخصيته المستقلة، وميزانيته الخاصة، وينبغي إيجاد جهة حكومية، تتولى وضع معايير وضوابط دقيقة لتصنيف الأقسام المتناظرة على مستوى القطر – كما هو الحال في الولايات المتحدة مثلاً – حتى يعرف كل قسم موقعه بين الأقسام المماثلة، وحجم العطاء الذي يقدمه، وحتى يمكن إيجاد نوع من التنافس بينها.
يضاف إلى هذا تنشيط تبادل الأساتذة الزائرين بين الجامعات من أجل انتقال الخبرات بينها، ومن أجل اكتشاف كل زائر ما لدى قسمه وما لدى الأقسام التي يزورها من ميزات، ومن نقاط ضعف، هذا لن يتم ما لم تستهدف الزيارة عقد ندوات وإجراء حوارات ولقاءات عمل مع أساتذة الكلية المستضيفة.
4- تقويم الطلاب لأداء أساتذتهم من الوسائل المهمة اليوم في تحسين الأداء التعليمي في الجامعات. والمشكل أنّ كثيراً من أدبيات التعليم والتعلم لدينا، يحث الطالب على الصمت بين يدي أساتذته، فكيف يتاح له أن يقوّم طريقة تدريسهم؟!
وأظن أنّ كل المجتمعات التعليمية قد قاومت في البداية هذه الطريقة في تحسين التعليم، إلا أنّ ذلك قد تغير في كثير من الجامعات. والمسوغ لذلك هو أنّ التعليم خدمة تقدم للطالب، ومن حقه أن يبدي رأيه فيما يقدم إليه؛ كما هو الشأن في جميع الخدمات. وكما يقول (براون): "إذا ما أردت أن تعرف ما إذا كان المطعم جيِّداً، فإنّ عليك أن تسأل عملاءه، وليس الطاهي ولا المالك".
ومن وجه آخر فإنّ السوية والنوعية المطلوبتين في الأستاذ الجامعي، قد اختلفتا عما كان في الماضي، كما أنّ الأهداف المرتجاة من التعليم الجامعي، قد تطورت أيضاً، وهذا كله يفرض علينا أن نتأكد على نحو مباشر من أنّ الأموال والأوقات والجهود التي تستهلكها المؤسسات التعليمية، تؤتي نحواً من الثمار التي تؤتيها نظيراتها في البلدان الأخرى.
إنّ تقويم الأستاذ الجامعي يمنح الجامعة مصداقية اجتماعية، ويساعدها على تطوير برامجها ووسائل التعليم فيها، كما أنّه حافز كبير للأستاذ كي يطور قدراته ومهاراته. ومع أنّ لذلك بعض السلبيات، إلا أنّه من خلال التوعية والمتابعة، إلى جانب تقنين وسائل التقويم وأساليبه – سيمكن التخلص من كثير منها. إنّ ما يمكن أن نفعله حيال تحسين التعليم الجامعي كثير جدّاً، إلا أنّ الملاحظ أنّ الجامعات كثيراً ما تبدي على نحو غير سائغ الحيرة والارتباك – وأحياناً عدم الاكتراث – تجاه تحسين خدماتها!►
إضاءة:
إذا سمح المرء لنفسه بآمال كبيرة، فإنّه يخطب ودَّ خيبة الأمل.
المصدر: كتاب حول التربية والتعليم
ارسال التعليق