كان اليوم الجمعة.. اتصل بي خطيبي سامي هاتفياً في الصباح.. وقال "أراك مساء.." لم يضايقني اعتذاره عن عدم الحضور صباحاً كما اعتاد أن يفعل منذ تمت خطبتنا.. شعرت في ذلك اليوم بالرغبة في الاختلاء بنفسي.. قالت أمي: لا تنسي أن زفافك الخميس المقبل انفعلت من دون سبب معروف.. جاء سامي مساء.. حاول أن يتلطف معي، كنت عنه مشغولة البال، ذهبنا إلى كافتيريا الفندق الذي اعتدنا عليها.. كنت عنه بعيدة تماماً بأفكاري في حين قال هو: لهذه الكافتيريا ذكرى عزيزة على نفسي.. ففيها تصارحنا للمرة الأولى بالحب. وجدتني أتأمله.. هل هذا هو الرجل الذي سأكون له؟ انتفضت.. لا محال، كيف لم أتنبه إلى ذلك من قبل.. إنه ليس وسيماً.. تباً لخيالاتي التي صورته لي رائعاً.. عيناه غائرتان وأنفه ضخم وقوامه ليس ممشوقاً.. هل جننت حتى أدخل هذا السجن الرهيب طواعية؟ لا وألف لا.. أفقت على صوته يقول: ماذا بك يا حبيبتي؟ رددت بعصبية: أريد العودة إلى البيت.. سأل: هل أنتِ متأكدة أنكِ على ما يرام؟ رددت بفتور: مجرد إرهاق. دهشت أمي لعودتي مبكراً.. قلت: لم نتشاجر لكنني اكتشفت أنني لا أستطيع قضاء عمري كله مع سامي.. أنا لا أحبه.. كنت واهمة.. سمعنا أبي.. قال: أنتِ حرة يا بنتي.. اتخذي قرارك قبل فوات الأوان.. صرخت أُمي: يا رجل هل هذا هو الكلام المتوقع من أب؟ كان الأجدر بك أن تردها إلى عقلها.. انسحبت.. ولكنني لم أعد أطيق المكوث في البيت. كنت بحاجة إلى من يساعدني على تعليل ما انتابني.. قررت الذهاب إلى صديقة عمري.. تخصصها علم النفس.. تمنيت لو تعاونني على فهم سبب نفوري المفاجئ من خطيبي سألتها: هل أحسست قبيل زواجك أنك تريدين العدول عن الزواج؟ أجابت: حدث بالفعل لكن الأمر لم يستغرق طويلاً مني وأعتقد أن أغلبية العرائس يمررن بهذه المرحلة. عدت أسألها: تعنين أنها حالة طبيعية؟ ردت: طبيعية وحاسمة في الوقت نفسه، بمعنى أن الواحدة إذا تغلبت عليها بسرعة بينها وبين نفسها فذلك يعني أنها كانت واقعة تحت تأثير ضغوط عصبية وحسب، أما إذا استبدت بها الرغبة واستمرت معها فلابدّ من وقفة مع النفس.. قلت: أشعر الآن بأنني لا أفهم نفسي، ربما يتكرر الشيء نفسه مع رجل آخر أحبه، وفي آخر لحظة أحس بأنني لا أريده.. هزت كتفيها.. هي الأخرى خذلتني.. نظرت ساعتي.. العقربان على وشك أن يتعانقا.. قلت: تأخرت وأخشى ركوب تاكسي في هذا الوقت بمفردي.. تأملتني بنظرة طويلة ثم قالت: اتصلي بسامي.. وجدتني بسرعة أفعل ذلك.. وبسرعة لبى هو النداء.. في الطريق.. بجانبه في السيارة لم اتمالك نفسي من البكاء.. قال برقة شديدة: حدثيني با حبيبتي بما يثقل على نفسك.. حدثته عن كل الأحاسيس التي انتابتني.. وكان رده: أفهمك.. وأحسست بمعاناتك وتمنيت لو صارحتني حتى أساعدك على الخروج من الدوامة.. سألت: ولم تغضب؟ قال: لأنني أحبك فلابدّ أن استوعب حتى لحظات ضعفك.. عدت أتأمله.. أبداً.. ليس منفراً، بل هو على النقيض وسيم وجذاب.. كيف تشككت حتى في ذلك؟ سمعته يقول: هذه حالة عابرة يعانيها العريس أيضاً، إنها ترجمة للخوف مما هو آت، مع ذلك ثقتي بأنني سأحترم قرارك مهما كان، فسعادتك عندي فوق أي اعتبار. دسست يدي في يده وهمست.. الغشاوة انقشعت.. هذه المرة أنا متأكدة.. غيرك لا أريد.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق