يُجمع علماء التربية وأطباء النفس على ضرورة الإصغاء إلى الطفل، وأخذ رأيه في الأمور المتعلقة به، ومشاركته في صنع القرار لضمان حصوله على فرصة متكافئة ومشاركة فعّالة.
في معظم الحالات، تشكل العواطف والآراء، التي يُعبّر عنها الطفل أثناء اللعب، دليلاً على ما يحب وما لا يحب والأنشطة التي يُفضّل. وهذا يساعد على التخطيط بدقة للأنشطة وأساليب التعليم المتنوعة الأهمية وتحقيقها. مثلاً، إذا سألت الأُم طفلها عن النشاط الذي يحب ممارسته ثمّ أدرجته على الجدول في الأسبوع نفسه، يشعر بأنّ لرأيه أهمية، وينمو لديه حس الانتماء إلى محيطه ويُدرك أنّه مُقدَّر ومحترم. وبالنتيجة، يمكن أن ينعكس موقف الأُم من طفلها على تصرفه نحو الآخرين.
إنّ تأكيد تقدير الطفل والإصغاء إلى آرائه باهتمام يُساعد على احترام ذاته وازدياد ثقته بنفسه، ويشجعه على بذل الجهد، وتحقيق النجاح في تأدية الأنشطة التي يُكلَّف بها، والأعمال الروتينية أيضاً، مثل الواجب المدرسي، الالتزام بمواعيد اللعب وتناول الطعام والاستحمام والنوم.. إلخ. كما يساعده على أن يُصبح منفتحاً وقادراً على التعبير عن نفسه بشكل مُتزايد. وهذا يُسهّل على الأُم فهم رغباته واحتياجاته وتحقيقها بنجاح. يجب أن تتناسب الأنشطة التي تُعطى للطفل، مع سنّه واهتماماته وقُدراته، حتى يشعر بالفخر والاعتزاز عند تحقيقها، خاصةً عند إدراكه أنّ وجهة نظره وآراءه لعبت دوراً كبيراً في إنجاحها.
تحدّيات:
من التحديات التي تواجه الإصغاء الفعلي إلى الطفل:
· التوصّل إلى جمع آراء الطفل بطرق عملية، طُرق يستمتع بها وتكون ذات معنى أو هدف له وللأُم.
· إدراك أنّ الإصغاء لا يقتصر على السمع فقط، بل يشمل جميع الحواس والعواطف، كما يشمل الأطفال الرضّع والصغار، سواء أكانوا يستطيعون التواصل بالكلمات أم لا يستطيعون.
· إصغاء الأُم باهتمام إلى ما يقول الطفل، وتقدير رأيه، واعتباره جزءاً من معلومة تُفيدها في التعرف إلى رغباته ومشاعره.
الاحترام:
كلّ أم تُدرك أهمية أخذ رأي طفلها، وما إذا كان، على سبيل المثال، يحب شرب الحليب أو العصير مع الوجبة الخفيفة، أو عن الألعاب التي يُفضّل اللعب بها. إنّ الإصغاء إلى الطفل الصغير، يعني احترام وجهات نظره وآرائه حول القضايا العديدة التي تؤثر فيه، سواء أكانت بسيطة أم مُعقَّدة. من غير الضروري أن تُنفّذ الأُم رغبات طفلها بحذافيرها، لكن، يكفي أن تأخذ أفكاره ومشاعره بعين الاعتبار، أي أن تستمع لرأيه.
التواصل:
ومن أهم عناصر التربية أيضاً، التواصل مع الطفل. فالتواصل المتبادل الإيجابي ضروري لبناء الثقة عند الطفل، والتعرف إلى أفكاره ومشاعره ووجهات نظره. من المعروف أنّ كلمات المديح والتشجيع، تجعل الطفل يشعر بالاعتزاز والثقة. ولكن، الإصغاء له يُعزز هذه الثقة ويُمكّنه من الشعور بأنّه محبوب وكفؤ، وجدير بالاحترام. فإذا كانت الأُم تتواصل مع طفلها بإيجابية في السنوات الأولى من عمره، فهذا يعني أنها درّبته وأعدّته جيداً للمستقبل.
مفهوم الذات:
التواصُل الإيجابي مع الأطفال الصغار. إنّ قدرة الطفل على التعامُل مع القلق والشعور بالثقة، وتحفيز الذات في وقت لاحق من الحياة، يعتمد إلى حد بعيد على تجاربه، والخبرات التي يكتسبها في مراحل الطفولة الأولى. إنّ "مفهوم الذات" يعني حس الطفل بذاته، حُسن فهمه وتقديره ذاته، وشعوره بمكانته في العائلة والمحيط. ويبدأ هذا الإحساس في النمو في عمر ما بين السنتين والسنوات الست. تُسهم العلاقات الإيجابية بين الأهل والأطفال في بناء الطفل لمفهوم ذاتي إيجابي. وهذا الفهم يساعده على إدراك أهمية الإدلاء بآرائه من دون خوف أو تردّد. أما الطفل الذي يشعر بأنّه مَحطّ لوم وانتقاد ومحاكمة باستمرار، فيمكن أن يكوّن صورة سلبية عن ذاته عندما يصبح بالغاً. لذا، يجب ألا يغيب عن بال كل أم أنّ التواصل، وخاصةً الإيجابي، هو الوسيلة الوحيدة التي تُمكّنها من التعرف إلى آراء وأفكار ومشاعر ورغبات طفلها.
الإصغاء للطفل:
إذا أرادت الأُم أن يكون طفلها مستمعاً جيداً، فعليها الحرص على أن تكون القُدوة الجيدة له، وعليها أن تعطي طفلها الوقت الكافي والإصغاء إليه باهتمام. تميل الأُم المشغولة، والملتهيّة دائماً بأعمال المنزل، إلى عدم الإصغاء إلى طفلها أثناء حديثه معها. وبالتالي، لا تُولي ما يقول اهتماماً. قد يتفّهم الطفل موقفها هذا ويتقبّله أحياناً. ولكن، لا يمكن أن يفهم تجاهلها المستمر، إلا أنّه رسالة تريد القول من خلالها، إن من غير المهم الإصغاء إليه، وإن ما يقوله ليس مهمّاً في نظرها. وفي ما يلي بعض الاقتراحات في هذا الشأن:
- اهتمام الأُم لما يقول طفلها كلما كان ذلك ممكناً.
- حرص الأُم على تخصيص بعض الوقت يومياً للجلوس إلى طفلها والإصغاء إلى رأيه وأخذه بعين الاعتبار، مهما كان جدول أعمالها مزدحماً.
- تشجيع الأُم أفكار وآراء طفلها. التواصل الإيجابي طريق ذو اتجاهين، حيث يتبادل الطرفان الأدوار في الحديث والإصغاء.
- مقاومة الأُم الرغبة في تصحيح أخطاء طفلها اللغوية، أو التدخل لإنهاء جملة. بدلاً من ذلك، عليها التركيز لتفهم ما يحاول أن يقول.
- السماح للطفل بمناقشة القضايا المهمة والصعبة، من دون أن يشعر بالخوف من إفراط الأُم في ردّ فعلها، أو من لومه أو انتقاده.
الطفل الرضيع:
إنّ دماغ الطفل الرضيع معدّ لالتقاط أصوات البشر، وإتقانه لغة يعتمد على إصغائه إلى كلام الأُم. وقبل وقت طويل من تمكّنه من قول كلام مفهوم، يكون الطفل الرضيع قادراً على التفاعل مع الأصوات وتعبيرات الوجه ولغة الجسد.
في إمكان الأُم الإصغاء إلى طفلها وتشجيعه على تطوير لغته بطرق عديدة، منها:
· تقبُّل بُكاء طفلها، على اعتبار أنّه أسلوب التواصُل الرئيسي.
· تلبية احتياجاته بأسرع ما يُمكن بعد سماع صوت بكائه، فهذا يجعل الطفل يعرف أن مقصده فُهِم.
· تمضية بعض الوقت في الإصغاء باهتمام إلى مُناغاة الطفل، وإلى الأصوات التي يصدرها، من خلال النظر في عينيه مباشرةً، وتشجيعه عبر التحدث إليه والابتسام في وجهه.
· التحدث بشكل دائم إلى الطفل عن أي شيء وكّل شيء، في الإمكان أيضاً القراءة له من كتاب أو صحيفة يومية.
أكثر من ثلاث سنوات:
التواصل مع طفل يزيد عمره على ثلاث سنوات. في هذا العمر، يمكن أن يكون الطفل قد تعلم ما يُقارب المئتي كلمة، ويمكن أن يبدأ في جمعها معاً لتأليف جملة مُفيدة. ولكن، من الصعب عليه إتقان قواعد اللغة، وتركيب جُعل صحيحة خالية من الأخطاء.
في الإمكان تشجيع الطفل على تطوير لغته بطُرق عديدة، منها:
- الإصغاء إلى الطفل باهتمام بدلاً من تصحيح أخطائه اللغوية.
- منح الطفل وقتاً كافياً لإنهاء ما يحاول قوله.
- عدم تعبير الأُم عن فقدانها الصبر عن طريق لغة الجسد، من مثل التنهُّد أو النقر (الضرب ضرباً خفيفاً) على الأرض بقدمها.
- الرَّد على أسئلة الطفل بلغة مبسَّطة.
- قضاء بعض الوقت يومياً في فعل لا شيء سوى الإصغاء إلى الطفل.
- يُمكن أن تعود أسباب مقاطعة الطفل الأُم باستمرار، لشعوره بالحرمان من الاهتمام. لذا، على الأُم أن تهتم بما يقول الطفل مهما كان تافهاً في نظرها.
عشر سنوات وما فوق:
عندما يصبح الطفل في السنوات الأخيرة من المرحلة الابتدائية، أي عندما يزيد عمره على عشر سنوات، تكون لغته وقدرته على التعبير عن أفكاره قد تحسنتا كثيراً. بل يصبح في مقدوره أيضاً أن يُغيّر من كلامه، ليتلاءم مع الوضع الذي يجد نفسه فيه. إذ إنّه قد يستخدم لغة عند الحديث مع المدرس أو المدرسة، تختلف عن اللغة التي يتحدث بها مع الأهل أو الأصدقاء. في إمكان الأُم أن تُظهر لطفلها في هذا العمر، أنّها تصغي إليه باهتمام بطرق عديدة، منها:
- تخصيص وقت للإصغاء إلى الطفل من دون الالتهاء بأمور أخرى، أو صرف الانتباه بعمل آخر.
- إذا كان الطفل يميل إلى إعطاء ردود تقتصر على كلمة "نعم" أو "لا"، فعلى الأُم أن تطرح عليه أسئلة مفتوحة، أي تتطلب إجاباتها أكثر من "نعم" أو "لا". من مثل، "ماذا فعلت في المدرسة اليوم؟" بدلاً من سؤاله: "هل لعبت في المدرسة اليوم؟".
- السماح للطفل بطرح أكثر من رأي واحترام وجهة نظره.
- محاولة الأُم ألا تقاطع طفلها أثناء الحديث، أو تلقي محاضرة على مسمعيه أو تنتقده.
ثقة وسعادة:
تعزيز احترام الذات في نفس الطفل. يساعد الكلام الإيجابي والمشجع الطفل على الشعور بالثقة والسعادة والاحترام لذاته. هذه بعض الاقتراحات التي تُعزز مثل هذا الشعور.
· على الأُم أن تمتدح طفلها عندما يتصرف بطريقة جيدة، أو يؤدي العمل الذي أوكل إليه على أكمل وجه. مثلاً، أن تمتدحه عندما يُرتّب غرفته، أو عندما يتبادل الأدوار في اللعب، أو عندما يشارك شقيقه أو شقيقته اللعب بألعابه.. إلخ. فالمديح يُعزز السلوك الحسن.
· شكر الطفل عند مساعدة الأُم في بعض الأعمال المنزلية، من مثل جمع ألعابه أو كتبه ووضعها في مكانها، تحضير المائدة، الانتباه لشقيقه أو شقيقته أثناء انشغالها بأعمال أخرى.
· تأكيد الأُم للطفل باستمرار أنها تثق بقدراته، إنّ الطلب من الطفل دائماً أن يكون حذراً حتى لا يلحق الأذى بنفسه، يُفقده الثقة بقدراته نهائياً.
· منح الطفل العديد من الفرص لفعل أشياء يستمتع بها ويوفّق في إنجازها، إنّ الشعور بالكفاءة والمقدرة يُعزز الثقة بالنفس.
· مدح جهود الطفل، لا النتائج فقط. فالطفل في حاجة إلى أن يعرف ألّا ضرر مع الفشل.
· محاولة تجنُّب تصحيح أخطاء الطفل دائماً، إذ تلعب نظرية التجربة والخطأ دوراً كبيراً ومهماً في حياة كل طفل. فالطفل يشعر بالعجز واليأس إذا نُعتت كل جهوده أو انتقدت.
· فصل الطفل عن تصرفه، يجب رفض واستنكار النشاط لا الطفل. للحفاظ على مشاعر الطفل الإيجابية، يفضَّل القول له: "إنّ الرسم على جدران المنزل عمل سيئ"، بدلاً من "أنت طفل سيئ أو شرّير.. لقد تسببت في اتساخ الجدران". فالطفل في حاجة إلى أن يعرف أن حُب الأُم له غير مشروط.
· على الأُم ألا تفترض أن طفلها يعرف أنها تحبه كثيراً، عليها أن تُعبّر عن حبها له دائماً.
· عليها أن تسأل طفلها ماذا يحب أن يفعل بدلاً من ماذا يحب ألا يفعل، من السهل استبدال الكلام السلبي بكلام إيجابي في معظم الأحيان. مثلاً، بدلاً من أن تقول الأُم لطفلها: "لا تمشِ وسط الشارع"، يمكنها القول: "امشِ إلى جانبي على الرصيف".
لغة الجسد:
للأفعال صدَى أقوى من الكلمات. يجب ألا يغيب عن ذهن الأُم أنّ طريقة الكلام مهمة. وفي ما يلي نقدم بعض الاقتراحات بهذا الخصوص:
· عند الحديث مع الطفل، على الأُم أن تركع حتى تُصبح في مستواه نفسه، وتقع عيناها في عينيه، بدلاً من أن تبقى واقفة، فتبدو وكأنها تحدّثه من برج عالٍ.
· عليها أن تبتسم، فالطفل يتجاوب مع الابتسامة بطريقة أفضل من تجاوبه مع العبوس.
· عليها أن تتجنب الحديث مع طفلها، وظهرها له أو وهي تسير بعيداً عنه.
· التحدث إلى الطفل بصوت هادئ رقيق، خاصة عندما تبدأ الأُم في فقدان صبرها وأعصابها.. فالصراخ لا يُولّد إلا المزيد من الغضب.
· على الأُم أن تحتضن طفلها في كلّ الأوقات وتُعانقه، بغض النظر عن عمره.
· عليها تجنب لغة الجسد التي تُشير إلى غضبها، من مثل التكشير بشراسة، التنهيد بصوت عالٍ، نقر الأرض بقدمها بتكرار. مثل هذه اللغة تجعل الطفل يتراجع عن التعبير عن آرائه وأفكاره ومشاعره.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق