◄عرّف العلماء الشكر لله بأنّه: ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده ثناء واعترافاً، وعلى قلبه شهوداً ومحبة، وعلى جوارحه انقياداً وطاعة.
فالشاكر من يكون لسانه مشتغلاً بالثناء على ربه معترفاً له بنعمه، ويكون قلبه مملوءاً محبة لله على هذه النعم، وشهوداً بأنها منه فضل وإحسان، وتكون جوارحه مشتغلة بطاعة الله استسلاماً له وانقياداً.
لهذا كان الشكر من مظاهر العبادة التي التي دعا إليها القرآن، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (البقرة/ 172).
"وكلمة الشكر من الكلم الجوامع التي تنتظم كلّ خير وتشمل كل ما يصلح به قلب الإنسان ولسانه وجوارحه. فالذي لا يحب الله ولا يشهد قلبه بأنّ ما فيه من النعم إنما هو من الله فضلاً وإحساناً ليس بشاكر. والذي لا يثني على ربه ولا يحمده بلسانه ويخوض في الباطل ويشتغل لسانه بلغو القول ولهو الحديث ليس بشاكر، والذي يعطيه الله من العلم شيئاً ولا يعمل به ولا يعلّمه الناس ليس بشاكر، والذي يعطيه من المال ما يستعين به على طاعته بصرفه في وجوه الخير والبر ويبخل به أو يصرفه في معاصي الله ليس بشاكر".
لهذا دعا الله إلى التخلق بالشكر في كثير من الآيات مثل قوله:
(بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (الزّمر/ 66).
ومدح الله نبيه إبراهيم لقيامه بواجب الشكر: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لأنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) (النحل/ 120-122).
كما تفضّل الله بعدم عذاب الشاكرين: (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ) (النساء/ 147).
ووعد الله الشاكرين بأن يزيد لهم النعم في الدنيا ويحفظها لهم: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) (إبراهيم/ 7).
الشكر على نعم الله: وشكر الخالق واجب على الإنسان فإن لم يفعل كان بذلك مقترفاً أشنع أنواع الجحود والنكران. ألا ترى انّنا ننكر على الشخص الذي لا يُسدي الشكر لمن أحسن إليه من البشر فما بالك بمن لا يسدي الشكر لخالقه مصدر كلّ النعم، ولا يمكن أن نكون مقربين إلى الله من غير شكره، وهذا ما أمر به الله في آيات متعددة قال تعالى: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (النحل/ 78).
(وَآيَةٌ لَهُمُ الأرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ) (يس/ 33-35).
(اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (الجاثية/ 12).
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ * وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (القصص/ 71-73).
ولكن الناس أمام هذه النعم وغيرها قليلاً ما يشكرون، قال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ) (يونس/ 60).
ومنفعة الشكر لا تعود على الله فإنّه لا ينتفع بشكر الشاكرين، ولا يتضرر بكفر الكافرين، وانّما منفعة الشكر تعود على الشاكر، فهو يطهّر النفوس، ويقربها من الله، ويوجه إرادتها إلى الوجهة الصالحة في إنفاق النعم في وجوهها المشروعة، ولهذا يقول سبحانه:
(وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) (لقمان/ 12).
أمّا كفران النعم فيعرّضها للزوال لأنها تجعل المرء غير مبال بها، ويبددها بدون منفعة، ويتلف ما أنعم الله به عليه من نعم الصحة والعافية، ويسير على غير المنهج الذي رسمه له الخالق فيؤدي به إلى غضب الله والبعد عن رحمته.
والقرآن يخبر بأنّ خراب الأُمم كان سببه كفران النعم وعدم الشكر لله، قال سبحانه: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) (النحل/ 112).
وذكر القرآن قصة قوم سبأ وما حلّ بهم لكفرهم نِعَم ربهم:
(لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلا الْكَفُورَ) (سبأ/ 15-17).
فالشكر من دعائم سعادة الأُمم، والتنكب عنه لا يجلب غير الدمار والخراب. حبذا لو فهمت الشعوب الشكر وعملت به لتحصل على السعادة التي تنشدها وهي عنه غافلة. ►
المصدر: كتاب رُوح الدّين الإسلامي
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق