1- تعرّف إحسان الله: مقتبس من قوله تعالى: (الْحَمْدُ[1] لِلَّهِ رَبِّ[2] الْعَالَمِينَ[3] * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ[4]).
فجملة (الحمد لله) مفيدة لقصر الحمد عليه سبحانه وتعالى، لأنّ كلَّ ما يستحق أن يقابل بالحمد إنما هو صادر من الله سبحانه، مصدر كلّ نعمة.
وجملة (رب العالمين) تنص على أنّ الجنس البشري أسرة واحدة، وأنّ الله تعالى ربها، وهذه الفكرة الإنسانية التي يقررها القرآن هي الدرع الواقي من طغيان الوطنية والجنسية والألوان.
وتربية الله للناس نوعان: تربية خلقية، وتكون بتنمية أجسامهم وتنمية قواهم العقلية، وتربية دينية تهذيبية، وتكون بما يوحيه إلى أفراد منهم، وهم الأنبياء ليبلغوا للناس ما يصلح به حالهم وتصفو به نفوسهم.
(الرحمن الرحيم) صفتان من أخص صفاته تعالى. فالعلاقة بين الرب والعباد علاقة رحمة ورعاية. ومعنى آخر وهو: أنّ البعض يفهم من معنى الرب الجبروت والقهر، فأراد الله تعالى أن يذكرهم برحمته وإحسانه وأنّ ربوبيته ربوبية رحمة وإحسان ليقبلوا على اكتساب مرضاته مطمئنة قلوبهم. فالإسلام يغرس في نفوس المصلين في كلِّ صلاة بأنّ الله رحمن رحيم.
2- الوعد والوعيد: لما بيّن الله صفة الرحمة: قال لا تغترّوا بذلك فإني (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)[5] أي انّه سبحانه وتعالى يتصرف في أمور يوم القيامة تصرف المالك فيما يملك.
والوعد يشمل ما للأُمّة وما للأفراد فيعم نعيم الدنيا والآخرة، فقد وعد الله المؤمنين العاملين بشريعته بالاستخلاف في الأرض والنعيم في الآخرة.
والوعيد يشمل الشقاء والخزي في الدنيا ونار الجحيم في الآخرة.
3- التوحيد والعبادة: مقتبسان من قوله تعالى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ[6] وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ[7]) أي نعبدك وحدك دون سواك، ونطلب معونتك وحدك على عبادتك وعلى جميع شؤوننا بالعمل بما أعطيتنا من الأسباب والتسليم إليك عند العجز عنها.
وفي ذكر هاتين الصفتين القضاء على الشرك والوثنية التي كانت فاشية في جميع الأُمم وهي اتخاذ أولياء يُعتقد فيهم السلطة الغيبية، ويُدعون من دون الله ويستعان بهم على قضاء الحوائج، فمن يستعن بقبر ناسك أو ضريح عابد لقضاء حاجة له، أو تيسير أمر تعسر عليه، أو شفاء مريض فقد ضل سواء السبيل وأعرض عما شرعه الله وارتكب ضرباً من ضروب الوثنية.
فإذا كان الله وحده هو المعبود وهو المستعان به فق تخلص الضمير من استغلال البشر والأساطير والخرافات والأوهام.
4- الاستقامة والثبات: مقتبستان من قوله تعالى: (اهْدِنَا[8] الصِّرَاطَ[9] الْمُسْتَقِيمَ) أي: دلنا وأوصلنا بتوفيقك ومعونتك إلى طريق الحقّ في العلم والعمل الذي لا عوج فيه. فالمسلم عندما يحدق به البلاء أو يصاب بأزمة نفسانية حادة ويُسدّ باب الفرج في وجهه يهرع إلى الصلاة ويدعو ربه فيها: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) فتطمئن نفسه وتقوى على مواجهة الأهوال.
5- الاقتداء بالمُثل الصالحة: مقتبسة من وقوله تعالى: (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ[10] عَلَيْهِمْ) أي دلنا إلى الطريق الذي سلكه خيار عبادك المفلحين من النبيين والصديقين والصالحين. والمُثُل الصالحة يحتاج إليها الإنسان للاقتداء فهي تضاعف همته، وتوجهه نحو الخير.
6- اجتناب سبل الضلال: مقتبسة من قوله تعالى: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) فالمغضوب عليهم: هم الذين خرجوا عن الحقِّ بعد علمهم به فغضب الله عليهم. والضالون: هم الذين غلوا في معتقداتهم فضلوا.
فوائد أخرى لسورة الفاتحة: ففي قوله تعالى: نعبد، ونستعين، واهدنا، بصيغة الجمع مع انّ المصلي مفرد هو دعوة من الله إلى وحدة شاملة وإلى تعاون وثيق وإلى نصح يفضي إلى خير الجماعة.
فقوله تعالى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) دعوة منه لتوحيد قلوبنا نحو هدف واحد وهو عبادة الله وحده، وجعل صلاتنا مع بعض صلة غايتها رضاء الله لا المصالح الشخصية ولا الشهوات التي تودي بالوحدة الإنسانية.
وفي قوله تعالى: (إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) إرشاد لنا للاستعانة به على أمورنا، ودعوة منه لنا لمعونة بعضنا البعض لأنّ طلب المعونة لا يكون إلّا على عمل بذل فيه المرء طاقته فلم يوفّه حقه، أو يخشى أن لا ينجح فيه فيطلب المعونة على اتمامه.
وفي قوله تعالى: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) طلب الهداية للطريق القويم، ودعوة منه تعالى لإرشاد بعضنا البعض.
هذه هي الفاتحة التي يرددها المسلمون كلّ يوم وليلة في كلّ ركعة من ركعات الصلاة وعددها سبع عشرة ركعة عدا صلاة النافلة، وهي النشيد الرباني الذي يتلوه المسلمون آناء الليل وأطراف النهار يناجون به ربهم، هذا النشيد أسمى وأنبل من سائر أناشيد الأمم التي تحمل في طياتها معنى العصب والاستعلاء والدعوة إلى الإقليمية الضيقة بينما ينشر الإسلام الأخوّة والمحبّة للإنسانية جمعاء والدعوة إلى نصحها.
المصدر: كتاب رُوح الدِّين الإسلامي
[1]- الحمد، هو المدح والثناء على فعل حسن صدر عن فاعله باختياره.
[2]- الرب: السيد المطاع، والمصلح للشيء، والمالك له.
[3] - العالمين: جمع عالم، والعالم الخلق من ذوي العلم وهو الجنس البشري والملائكة والجن.
[4]- الرحمن الرحيم: صفتان مشتقتان من الرحمة، والرحمة في أصل اللّغة: رقة القلب وهذا المعنى لا يليق أن يكون وصفاً لله تعالى ففسرها العلماء بالإحسان، وليست صفتا "الرحمن والرحيم" بمعنى واحد، فالرحمن في اللغة عظيم الرحمة والرحيم بمعنى دائم الرحمة.
[5]- مالك يوم الدين: المالك وصف من الملك بكسر الميم، والدين يطلق في اللّغة على الحساب وعلى المكافأة والجزاء.
[6]- العبادة: الطاعة البالغة في الخضوع والتعظيم والتذلل.
[7]- الاستعانة: طلب المعونة، ولم يذكر الله المستعان عليه من الأعمال ليشمل الطلب كلّ ما يتجه إليه الإنسان من الأعمال الصالحة.
[8]- الهداية: هي الإرشاد والدلالة بلطف على ما يوصل إلى البغية.
[9]- الصراط: هو الطريق السهل المستوي، ومعناه في الآية ما يدعو إليه الأنبياء من العقائد والشرائع والآداب.
[10]- الانعام: إيصال الخير إلى الأحياء العقلاء، والمراد في الآية الانعام الديني فالمنعم عليهم هم من عرفوا الحقّ فتمسكوا به، والخير فعملوا به.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق