• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الإخلاص.. سلوك إنساني

ماجد أحمد الوشلي

الإخلاص.. سلوك إنساني
  ◄هو العمل الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلّا الله سبحانه وتعالى، في جميع الأعمال والعبادات.

الطريق إلى الإخلاص: وهو قطع الطمع عن الدنيا، والتوجّه إلى الآخرة بالقلب والمشاعر، ولابدّ للإنسان من خالص النية في كلّ حركة وسكون.

يقول الله سبحانه: (وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (البينة/ 5).

فحقيقة العبادة لله سبحانه وتعالى تكون في الإخلاص الكامل لله في جميع العبادات والمعاملات في حياة الإنسان، وفي مجتمعه الذي يعيش فيه.

يقول الرسول الأكرم (ص): "إنّ الله لا ينظر إلى صوركم وأعمالكم، وإنما ينظر إلى قلوبكم ونيّاتكم".

وعن أمير المؤمنين عليّ (ع) قال: "طوبى لمن أخلص لله العبادة والدعاء، ولم يشغل قلبه بما ترى عيناه، ولم ينسَ ذكر الله بما تسمع أذناه، ولم يحزن صدره بما أعطي غيره".

وأمير المؤمنين يُخبرنا عن عبادة الأحرار الذين يعبدون الله سبحانه وتعالى شكراً لله لا رغبةً ولا رهبةً وإنما شكراً له سبحانه وتعالى.

بقوله (ع): "إنّ قوماً عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجّار وإنّ قوماً عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، وإنّ قوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرار".

وعنه (ع) أيضاً أنّه قال: "إلهي ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك ولكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك".

وعنه (ع) أيضاً أنّه قال: "الإخلاص سر من أسراري استودعته قلب مَن أحببت من عبادي".

إذن مرتبة الإخلاص عالية عند الله سبحانه فبها تُقبَل الأعمالُ والعبادات، وتنور للإنسان طريق الخير، والنجاح في حياته.

 

قبول الأعمال بالإخلاص لله سبحانه:

إنّ أي عمل يُريد الإنسان المؤمن أن يُحققه لابدّ له أن يُخلص لله في المسألة، فإنّ بيد الله العطاء والحرمان، فقبول الأعمال مرتبط عند الله بالإخلاص الكامل له، لذلك علينا أن نعرف سِر صلاح هذه الأعمال، وقبولها حتى تكون في مرضاة الله سبحانه.

فعن النبيّ (ص) أنّه قال: "إذا عملت عملاً فاعمل لله خالصاً لأنّه لا يقبل من عباده الأعمال، إلّا ما كان خالصاً".

وعن عليّ (ع) أنّه قال: "ضاع مَن كان له مقصد غير الله".

 

المخلص لله لا يُحب أن يمدحه الناس:

إنّ مَن عرف حقيقة الإخلاص الكامل لله سبحانه وعرف نتائج وثمار الإخلاص في جميع أمور حياته، لا يُحب أن يمدحُه الآخرون، لأنّه لا يريد الأجر والثواب إلّا من الله سبحانه، وهذه مرتبة راقية من درجات الإخلاص التي يكون أجرها وثوابها عند الله، ولذلك علينا أن نُروّض أنفسنا لكي تتعود على هذه المرتبة العالية، التي فضلها وأجرها كبير عند الله سبحانه.

 

ما هو سبب الإخلاص؟

عندما يعرف المؤمن الرغبة الكبيرة عند الله، وما لها من منزلة في الجنة، يتبيّن له سر هذا الإخلاص، في أن يزهد عمّا في أيدي الناس، ويتوجّه بكلّ رغبة – زهداً لله – لينال تلك الدرجة الرفيعة، والراقية التي أعدها الله للمخلصين من عباده المؤمنين.

قال أمير المؤمنين عليّ (ع): "مَن رغب فيما عند الله أُخلص عمله". وقال أيضاً: "أصل الإخلاص اليأس مما في أيدي الناس".

 

ما يسبب عدم الإخلاص:

إنّ أهم سبب في عدم إخلاص الإنسان المُسلم هو إتباع الهوى، وطول الأمل، والدخول في مستنقع الشهوات والشبهات، التي تجعل أمام الإنسان حاجزاً ومانعاً في الوصول إلى الإخلاص الكامل لله سبحانه وتعالى.

ولذلك يُحذِّرنا أمير المؤمنين وسيد الوصيين عليّ (ع) في نهج البلاغة أنّه قال: "إنّ أخوف ما أخافه عليكم اثنان: إتباع الهوى، وطول الأمل، فأما إتباع الهوى فيصُد عن الحقّ، وأما طول الأمل فيُنسي الآخرة".

وقال (ع) أيضاً: "كيف يستطيع الإخلاص من يغلبه هواه".

فالسعي إلى ما في أيدي الناس، والسعي للشهرة والتعلق بالدنيا ومرافقة الفاسدين، وعدم المحافظة على العبادة والدعاء، وعدم حضور مجالس الوعظ والإرشاد، تؤدي إلى نسيان ذكر الله عزّ وجلّ وعدم الإخلاص.

وحُكي عن بعضهم أنّه قال: "قضيت صلاة ثلاثين سنة كنت صليتها في المسجد جماعة في الصف الأوّل، وذات يوم تأخّرت وصليت في الصف الثاني، فعرفت أنّ نظر الناس إليّ في الصف الأوّل كان يسرُّني، وكان سبب استراحة قلبي من ذلك من حيث لا أشعر".

 

من أهم آثار الإخلاص:

- تجري ينابيع الحكمة في قلب المؤمن وعلى لسانه.

عن النبيّ (ص) أنّه قال: "ما أخلص لله عزّ وجلّ أربعين صباحاً إلّا جرت ينابيع الحكمة في قلبه وعلى لسانه".

- المُخلص لله سبحانه يخيف الله منه كلّ شيء حتى هوام الأرض وسباع البر وطيور السماء.

عن الإمام الحسين (ع) أنّه قال: "إذا كان مخلصاً لله أخاف الله منه كلّ شيء حتى هوام الأرض وسباعها، وطير السماء، وحيتان البحر".

- تستنير بصيرة المؤمن في حياته: عن الإمام عليّ (ع) أنّه قال: "عند تحقيق الإخلاص تستنير البصائر".

- نجاح الأمور: عن الإمام عليّ (ع) أنّه قال: "في إخلاص النيّات نجاح الأمور".

- الوصول إلى الآمال والغايات: عن الإمام عليّ (ع) أنّه قال: "من أخلص بلغ الآمال".►

 

المصدر: كتاب طريق الإرادة إلى مستقبل السعادة

ارسال التعليق

Top