الله سبحانه وتعالى لم يكتف أن يهيِّئ للإنسان كلّ ما يحتاج إليه من أمور دينه ودنياه، وتوفير كلّ السّبل له إلى ذلك، بل فتح له الباب واسعاً للتَّواصل معه عند الحاجة، ولبثّ همومه وشكاواه عندما تواجهه الأزمات والأمراض، وهو سهّل له ذلك، فلم يجعل هناك وسيطاً بينه وبينه، ولا جعل هناك قواعد وأصولاً للتّواصل.
الإنسان يمكنه أن يتحدَّث إلى الله سبحانه عمّا يريده من دون مقدّمات، وهذا ما أشار إليه الإمام عليّ (ع) في وصيّته للإمام الحسن (ع): «أعلم أنّ الذي بيده خزائن ملكوت الدّنيا والآخرة قد أذن لدعائك، وتكفّل لإجابتك، وأمرك أن تسأله فيعطيك، وتسترحمه ليرحمك، ولم يجعل بينك وبينه من يحجبك عنه، ولم يلجئك إلى من يشفع لك إليه، ثم جعل في يدك مفاتيح خزائنه بما أذن فيه من مسألته، فمتى شئت استفتحت بالدّعاء...».
فالدعاء هو منحة الله لعباده فتحه لهم، وهو من رغّبهم به عندما قال: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي)، وقال: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)...
والله سبحانه لا يمكن أن يخذل عبده إن توجَّه إليه بقلبه وعقله وكلّ كيانه.
وقد أشارت الأحاديث الكثيرة إلى أهميَّة الدّعاء، ومدى تأثيره في مواجهة الابتلاءات التي يتعرّض لها الإنسان، فقد ورد: «عليكم بالدّعاء، فإنّ الدعاء لله، والطلب إلى الله يردّ البلاء وقد قدّر وقضي ولم يبق إلا إمضاؤه، فإذا دعي الله عزّ وجلّ وسئل، صرف البلاء صرفة».
وفي حديث آخر: «الدّعاء يدفع البلاء النّازل وما لم ينزل».
وفي الحديث: «ادفعوا أمواج البلاء عنكم بالدّعاء قبل ورود البلاء».
وقد ورد في الحديث: «من قرع باب الله سبحانه فتح له».
وفي الحديث: «ما فتح الله عزَّوجلّ على أحدٍ باب مسألة فخزن عنه باب الإجابة».
ولتأكيد هذه الحقيقة، أشار الله سبحانه إلى أممٍ وأفرادٍ ردَّ الله عنهم البلاء، عندما تضرّعوا إليه وتذلّلوا له، فهو حدّثنا عن قوم يونس (ع)، أنّه بعدما تركهم نبيّهم ليأسه من هداهم، وتوعّدهم بأنّ العقاب سيصيبهم كما أصاب أقواماً سابقين، عادوا إلى رشدهم، فخرجوا إلى الله سبحانه يتضرّعون إليه كباراً وصغاراً، حتى يردّ عنهم العذاب، فلمّا رأى الله منهم صدق النيّة بالدّعاء والتوجّه إليه، منع عنهم العذاب ومتّعهم إلى حين، وفي ذلك نزلت الآية: (فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آَمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آَمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ).
وأشار الله سبحانه عن شفائه لأيوب (ع)، بعدما ابتلي بالمرض العضال، لما دعاه: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ).
وقد تحدَّث عن إنجاء يونس (ع) من بطن الحوت، عندما دعاه: (فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ).
وهو ما حصل مع أصحاب رسول الله (ص) الذين لجأوا إلى الله، لما جاءهم الخبر أنَّ أبا سفيان قد أعدَّ عدّته لغزو المدينة، مستغلّاً النّكسة التي حصلت للمسلمين في معركة أُحد، والجراح التي كانوا أصيبوا بها، فجاءهم التّأييد الإلهي: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ).
وهكذا جاء الإمداد الإلهيّ في معركة بدر: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ).
لذلك فلنتوجَّه إلى الله سبحانه بقلوبنا وعقولنا، لنواجه ابتلاءات الحياة ومصاعبها وحوادثها وما يجري فيها، ولنستخدم هذا السّلاح الفعّال المجرّب، والذي هو سلاح الأنبياء، وهو سلاح كلّ مؤمن. فقد ورد في الحديث الشَّريف: «الدّعاء سلاح المؤمن»، «الدّعاء ترس المؤمن»، و«لا يهلك مع الدّعاء أحد».
ولكن يبقى علينا مسؤوليّة، أن نحقّق شروط الدعاء في أنفسنا؛ بأن ندعو الله ونحن على ثقة به، وأنّه القادر على تغيير حالنا.
ومن شروط استجابة الدّعاء أن نعرف الله بصفاته، فقد سئل الإمام الصَّادق (ع): لماذا ندعو ولا يستجاب لنا؟ قال: «لأنَّكم تدعون مَن لا تعرفونه».. أن تدعوه بلسان غير بذيء وبقلب نقيّ، فلا يقبل دعاء من كان لسانه بذيئاً وسليطاً، ولا من كان قلبه غير صاف، وأن ندعو الله ونضع الأمور عنده، فهو أعلم بالمصلحة.
وكلّ هذا بعد أن نقوم بمسؤوليّتنا ولا نقصّر فيها، فالله لا يقبل دعاء البطّالين الكسولين المقصّرين، الذي يريدون من الله أن يحقّق لهم ما يريدون من دون أن يقوموا بواجبهم.
ولذا ورد في الحديث: «أربعة لا يستجاب لهم دعاء: رجل جالس في بيته يقول: يا ربّ ارزقني، فيقول الله له: ألم آمرك بالطلب؟! ورجل كانت له امرأة فدعا عليها فيقول: ألم أجعل أمرها بيدك؟! ورجل كان له مال فأفسده فيقول: يا ربّ ارزقني، فيقول له: ألم آمرك بالاقتصاد؟! ألم آمرك بالإصلاح؟!... ورجل كان له مال فأدانه بغير بيّنة، فيقول: ألم آمرك بالشّهادة؟!».
إنّنا نعيش في مرحلة هي من أصعب المراحل المطلوب فيها أن لا نيأس، فالمؤمن لا يمكن أن ييأس بعد أن فتح له الله باباً واسعاً إليه، علينا أن نطرقه بكلّ ثقة وإيمان، هو بأيدينا، فلنتوجّه إليه، ولندع من كلّ قلوبنا بعدما نقوم بدورنا، والله عند ظنّ عبده به.
ولنقل: اللَّهمّ ألبسنا عافيتك، وجلّلنا عافيتك، وحصّنّا بعافيتك، وتصدَّق علينا بعافيتك، واحرسنا عافيتك، ولا تفرّق بيننا وبين عافيتك في الدّنيا والآخرة.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق