إذا قام طفلك بعمل شيءٍ ما مثل ترتيب سريره، أو تنظيف الحديقة وترك بعض الأشياء، أي لم يكمل عمله تماماً، يمكن إرجاع ذلك إلى عدم خبرته، أو عدم درايته بكفية القيام بهذا العمل، وتأكدي أنّه سوف يتحسن يوماً بعد يوم، وفي كلّ مرة يقوم فيها بهذا العمل سيشعر بالفخر أنّه إزداد نضجاً يوماً بعد يوم.
إنّ طفلك إن لم يتم تشجيعه على أي مجهود يقوم به والتركيز على سلبيات ما قام به سيشعر بالسلبية والإحباط.
إذا أردت أن ينشأ طفلك على الثقة بالنفس وتقدير الذات، فعليك أن تشجعيه على أعماله وتركزي على كلّ ما هو إيجابي حتى لا يسقط في دائرة الإحباط التي تجعل منه شخصية انهزامية لا يثق بنفسه.
مثال: إذا دخلت عليك طفلتك وأخبرتك أنّها نظفت غرفتها وتريد منك رؤيتها، وحينها تدخلين الغرفة ترين أنّها قامت بالفعل بشكل جيد. ولكن هناك ملحوظة واحدة يبدو منها أنّها تركت معطفها على الكرسي بدلاً من تعليقه في خزانة الملابس فماذا تقولين؟ ربما تقولين:
حسناً حبيبتي لقد قمت بعمل رائع، لكنك نسيت وضع المعطف في الخزانة. ستجدين أنّ ابتسامة طفلتك قد اختفت، وستقول لك:
أعرف يا ماما أنّها لن تعجبك، وتردين قائلة:
إنّ عملك جيد يا صغيرتي وكلّ ما هناك أنّك نسيت تعليق المعطف.
في هذه المرحلة ليست هناك ما يمكن إصلاحه، لأنّ طفلتك شعرت بالألم والرفض ولن يؤدي أي شيء تفعلينه أو تقولينه إلى جعلها تشعر بشعور أفضل، إنّها تقول في نفسها لا فائدة من المحاولة فأنا لا يمكنني فعل أي شيء يرضي والدتي.
ولكن هل هذا معناه أن تقوم طفلتك بترك معطفها في أي مكان تريده؟ بالطبع لا، لكن في هذه الحالة نقول إنّ هناك وقتاً لتجاهل كلّ ما هو سلبي والتركيز على كلّ ما هو إيجابي.
صدقي أو لا تصدقي، جميع الأطفال يريدون إرضاء أُمّهاتهم وآبائهم، بل هم يريدون أن تكوني أنت وشريكك فخورين بهم. ولا شيء يؤذي الطفل مثل قيامه بعمل يشعر هو تجاهه بالفخر، بينما لا يلقى القبول منك.
أنت بهذا تصنعين من طفلك شخصاً مهزوماً وسوف يسعى دائماً للوصول إلى المثالية التي لا يمكنه تحقيقها، لأنّه في النهاية بشر يصيب ويخطئ، ركزي على إيجابيات طفلك في تعاملك معه دوماً.
إنّ فكرة ترك طفلك يعتمد على نفسه تتعلق بما هو أكثر من مجرد تنظيف غرفته، وإعداد فراشه. ففي دراسة أمريكية أجريت على عدد من رجال ونساء لسؤالهم عن سبب تأخرهم في تحقيق أهدافهم، قالوا إنّ سبب فشلهم وتأخرهم هو الحماية المفرطة من قبل الوالدين. وتمثل هذا المشكلة سبب عدم سماح الأُمّهات لأطفالهم بالتصرف من تلقاء أنفسهم.
فالحماية المفرطة لا تعتبر حبّاً ولا عوناً، بل إنّ طفلك الذي تقومين بفعل كلّ شيء له سيظن أنّه غير قادر على فعل أي شيء بنفسه، وسوف يعتمد عليك تماماً في كلّ شيء.
إنّك تتصرفين من منطلق إراحة الطفل، ولكن الرسالة التي تصل إليه "إنّ أمي وأبي عليهما أن يقدما لي كلّ شيء لأنّني لا استطيع القيام بهذا بمفردي".
إن كنت تريدين لطفلك أن يكون قوياً في حياته فعليك أن تدعيه يسقط على وجهه من حين إلى آخر ويضطر إلى معالجة الموقف وإيجاد الطرق الأفضل للنجاح والوقوف مرة أخرى. إنّ إعطاء طفلك فرصة للفشل يمثل طريقة أخرى لتشجيعه.
ومن أهم الأشياء التي يتم نقدها والتركيز عليها في شخصية الطفل هي مظهره، ومن المؤسف أنّ المجتمع يضع كلّ اهتمامه على مظهر الإنسان وشكله.
مثل: إذا كنت تملكين توأمين أحدهما جميل وذو شعر ناعم ويشبه ممثلي السينما، بينما الآخر له شكل عادي ولا يلفت النظر فمن الطبيعي أن تجدي الأعين كلّها تنظر إلى الطفل الوسيم الجميل، وتترك الطفل الآخر، هنا سيكون عليك دور مهم في جعل طفلك يفهم أنّه مهم كأخيه. وكلما وجدت نظر أهلك وأصدقائك يتجه إلى الطفل الأجمل سارعي بتقديم الطفل الآخر واحرصي على أن يشارك في الحوار وأن تلفتي النظر إليه.
قد تعرقل نظرة الناس طفلك في مسيرته في الحياة، من نواحٍ عديدة مثل الوظيفة والارتباط والعلاقات، لأنّه يُعتقد أنّ الناس يرونه غير جذاب، وسيشعر بالإحباط ويسأل نفسه مراراً: من هي المرأة التي يمكن أن تحب واحداً مثلي فأنا لست وسيماً كأخي؟ وربما يسأل نفسه أيضاً: ما المؤسسة التي سوف تقبله للعمل فيها وهو غير جذاب وليس له تأثير في الآخرين.
إنّ الأطفال الذين لا يتمتعون بجمال يحتاجون بشكل خاص للتشجيع والحب، وألا تتم معايرتهم بخصوص شكلهم.
فمثلاً غير مقبول أن تطلقي عليه أنّه غبي أو فاشل أو ذو العيون الأربع لمن يرتدي نظارة سميكة على عينيه، أو ما هذا الشعر الذي يشبه الليفة؟ إلى غير ذلك من الأوصاف التي تحفر في نفس الطفل كثيراً من الأذى والألم والإحباط وتعوق تحركه ونجاحه.
أمّا الأطفال ذوو الحاجات الخاصة فإنّهم أكثر عرضة للألم، إنّهم يواجهون أسئلة يومياً مثل "لماذا يجلس هذا على كرسي متحرك، ما أصابه أو إذا كان به احتراق في وجهه أو يديه سيسأله كلّ من يقابله عن قصة هذا الحرق".
إذا كنتِ أُمّاً لطفل من ذوي الاحتياجات الخاصة، فإنّ الأمر صعب عليك بشكل خاص، إنّه يحتاج منك إلى مساعدة خاصة من جميع النواحي، ولكن عليك ألا تكوني مفرطة في تقديم المساعدة، ينبغي أن يكون هدفك هو أن يقوم طفلك بكلّ ما يمكنه عمله على الرغم من إعاقته، عليك ألا تقعي في شرك الإفراط أو التفريط.
اجعلي ردك حاسماً لهؤلاء الفضوليين الذين يسألون عن سبب الإعاقة، فعندما يسألك أحدهم عن طفلك الذي يجلس على كرسي متحرك ما هي مشكلة طفلك؟ عليك أن تجيبي: "لماذا لا تسأله، يمكنه إخبارك إن أردت".
إنّ في إجابتك هذه إظهار الاهتمام بطفلك أوّلاً، ثمّ تأكيداً لقيمته كشخص موجود لابدّ من محاورته، قد تكون في هذه الإجابة وقاحة، ولكنها ليست أكثر وقاحة من السؤال نفسه ومن سأله.
كيف تخففين عن طفلك النقد المستمر؟
هناك العديد من الخطوات التي تجعل انتقادك خفيفاً على طفلك، بل وتجعله يتقبل إخفاقاته والعمل على إصلاحها من دون أن يمرّ بشعور الإحباط والانهزام عند نضجه وأهمها:
1- الإنصات: استمعي لما يقوله طفلكِ وخاصة مشاعره وأحاسيسه.
2- الاستجابة لمشاعره: دعيه يعرف أنّك تسمعينه، أجيبيه بقولك: إنّني أتفهم مدى ما تشعر به من سوء بسبب إضاعتك كرتك أو أي شيء آخر، أخبريه أنّك يوماً ما مررت بالتجربة نفسها، سيعرف من خلال ذلك أنّه ليس الشخص الوحيد في العالم الذي يمرّ بهذا الشعور.
3- اللمس: لا تمتنعي عن ضم طفلك مهما كان عمره واحتضانه أو التربيت على كتفيه، فاللمس طريقة مهمة لتوصيل حبك واهتمامك له.
يقول د. روس كابل، أخصائي نفسي أمريكي: "إنّ اللمس وخصوصاً النوع الأكثر عاطفية (الاحتضان والتقبيل) مهم بالنسبة إلى الأطفال أثناء السنوات الأولى من العمر، وكلما كان صغيراً كان احتياجه أكثر للحضن والتقبيل. أما بالنسبة إلى الفتاة فتزيد أهمية اللمس بتقدمها في العمر ووصولها إلى الحادية عشرة، وليس هناك ما يثير القلب أكثر من طفلة لا تتلقى الاهتمام العاطفي الكافي من ذويها".
4- ابحثي عن البدائل: تخيلي أنّك تخططين لرحلة ولكن يحدث أمر ما يتم معه إلغاء الرحلة، إنّ قولك لطفلك حسناً هذه الأشياء تحدث وهي جزء من الحياة لن يجدي نفعاً على الإطلاق، كما أنّه ليس جيداً أن تغضبي منه لأنّه لا يستطيع أن يتغلب على شعوره بالإحباط والخيبة.
اسألي طفلك عما إذا كان هناك شيء آخر يريد أن يقوم به، اجعليه يقترح ماذا يفعل، وضعي خطة بديلة تجعله يشعر بالسعادة.
لا تنظري إلى أخطاء طفلك كهزائم أو إحباطات، بل كحجر أساس سيتعلم من أخطائه، وستكون له دروس مستفادة وخطوات للتحسن والتعلم حتى يمكنه أن يكون أفضل مستقبلاً.
ساعديه وشجّعيه على الإصرار على تحقيق هدفه وإصلاح ما أفسده من خلال جهوده هو.
5- اجعليه مستعداً لتقييم المشكلة: إذا وضع طفلك حلاً لمشكلته وبدا متخبطاً أو مضطرباً، تدخلي وناقشي طرقاً أخرى للتعامل مع الأمور، عليك اقتراح طرق وخطط بديلة ولا تتصرفي كبطلة تحل جميع المشاكل أو كأُم حزينة تنوح وتندب حظ طفلها بعد حدوث المشكلة، بل كوني مشجعة داعمة.
طفلك لا ينتظر من أحد أن يأتي بعد حدوث المشكلة ويقول له بطريقة انتقادية (كان يجب أن تفعل هذا وذاك، أو أن تقولي له لقد أخطأ خطأً فادحاً). إنّ هذا النوع من البكاء على اللبن المسكوب لا يؤدي إلى نتائج مفيدة، إنّ تكدير عيش طفلك يزرع في نفسه الكراهية وعدم الثقة.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق