د. أ مباركة أبو القاسم
◄يتفق معظم علماء الاجتماع على الأنواع الثلاثة التالية من التغير الاجتماعي:
أوّلاً: التغير الخطي المستقيم:
ويكون الاتجاه خطياً مستقيماً في المجتمع، ويرى أصحاب هذا الرأي وعلى رأسهم كوندورسيه، وسان سيمون، وجيزو، أنّه التغير الخطي المستقيم يتخذ صورتين:
1- تغير تراجعي مرت فيه المجتمعات البشرية في مرحلتين: الأولى سميت بالعصر الذهبي، وعاش فيها الإنسان بكل مظاهر السعادة والرخاء، ثمّ بدأ عصر جديد تخلف فيه المجتمع، وأصابه التأخر والانحلال، وقد اعتمد أصحاب هذا الرأي على الديانة اليهودية، وما ورد في التوراة عن أصل الخليقة، ويرى فريق من الإغريق أنّ المجتمع يتغير، ولكنه في تغيره يخرج من العصر الذهبي إلى العصر الحديدي، ويزداد عدد المعتنقين لفكرة التغير التراجعي حينما تحدث الأزمات السياسية والاقتصادية، والاضطرابات الداخلية وتقوم الانقلابات والثورات الرجعية وفي رأيي أنّ التفاسير السابقة للتغير إنما تعتمد بصورة كبيرة على الأيديولوجيات الخاصة بهم، فلو نظرنا إلى الإغريق فهم يعتزون بحضارتهم السابقة ويمجدونها وتعتبر عندهم كالمؤسس الذي أمد الخليقة بالعلم والفلسفة أعطاه التصور عن الحياة والوجود والإنسان، وكذلك النظرة الأولى والتي ترجع الفترة الأولى التي عاشها الإنسان برخاء وسعادة فلا ريب أنها تعتمد على الفكر اليهودي كما ذكرنا سابقاً. (الرشدان، 1999: 43).
2- تغير تقدمي ارتقائي: يربط أصحابه بين التقدم والتغير، وأساس نظرتهم أنّ المجتمعات تبدأ بسيطة ثمّ تأخذ في النمو إلى أن تستكمل جميع عناصرها ومقوماتها كما هو الحال في التغيرات التي تحدث في تطور العلوم والتكنولوجيا والمخترعات.
ثانياً: التغير الدائري:
ويرى أصحاب هذا الرأي أنّ المجتمع الإنساني يمر في تطوره، بالمراحل نفسها التي يمر بها الإنسان في نموه من الميلاد إلى الطفولة، إلى البلوغ، إلى النضج والاكتمال، إلى الشيخوخة فالموت، ويعود المجتمع من حيث بدأ وكل مرحلة من هذه المراحل تقع في أربعين سنة. (ثابت، 1993: 89).
كما أنّ المجتمع في هذه المرحلة إذا انتهى منها، فإنّه يعود من حيث بدأ ويؤيدون نظرهم بما حدث للإمبراطوريات الكبرى في التاريخ، مثل (المصرية، واليونانية، والرومانية)، ومن أبرز علماء هذا الاتجاه ابن خلدون، وفيكو (جيوفياني، 1744: 78).
ثالثاً: التغير المختلط أو المتذبذب:
وهذا النوع من التغير يأخذ شكل حركات ومظاهر صاعدة وهابطة، وبمعنى آخر هو اتجاه دوري وخطي من حيث النتيجة التي تستهدفها تلك العملية نفسها. وهذا ما يحدث في المجال الاقتصادي وحركات السكان، والأزياء، ومن أبرز زعماء هذا الاتجاه الفيلسوف هيجل. (هيجل، 1831: 65).
وللتغير الاجتماعي عدة أنواع أيضاً منها ما يلي:
1- التغير في القيم الاجتماعية:
عند الانتقال من النمط الإقطاعي إلى النمط التجاري الصناعي – مثلاً – كان الفرسان ورجال الدين يمثلون قمة المجتمع، وكانت القيم السائدة حينذاك مرتبطة بأخلاق هاتين الطبقتين وهي قيم الشجاعة والأرستقراطية بالنسبة للفرسان، وقيم الزهد كان يثبتها رجال الدين في نفوس عامة الشعب. (رشوان، 2003: 15). ولم تكن الوظائف الاقتصادية ذات أهمية، فقد كان الإنتاج الاقتصادي يمثل المقام الأوّل والاشتغال به أمر يفاخر به المرء، كما كان القادة في هذا الميدان يحصلون على مراكز عالية.
2- التغير في النظم الاجتماعي:
ويعني ذلك التغير في البناءات الاجتماعية، كالتغير من نظام تعدد الزوجات إلى نظام وحدانية الزوج والزوجة، ومن النظام الملكي إلى النظام الجمهوري، ومن الرأسمالية إلى الاشتراكية.
3- التغير في مراكز الأشخاص:
من الملاحظ أنّه قد لا يكون في تعاقب الأشخاص في مراكز اجتماعية عالية تغير بنائي في حد ذاته، ولكنه قد يؤدي في ظروف معينة إلى تغير بنائي.
ويقسم بعض العلماء أنواع التغير من زاوية أخرى إلى ما يلي:
1- رأي يقول بأنّ التغير يكون تراجعياً أو نكوصاً، أي تدهور وانحطاطاً وتأخراً من حالة الكمال إلى أدنى منها، وقد ساد هذا الرأي في التفكير الصيني في القرن السادس قبل الميلاد، وفي التفكير الهندي القديم، يرى بعض دعاة هذا الرأي أنّ المجتمعات الإنسانية مرت بمرحلتين:
المرحلة الأولى: أطلقوا عليها (العصر الذهبي" وهو العصر الذي تمتع فيه الناس بكل مظاهر السعادة والرخاء، ثم انتهت هذه المرحلة بما تحمله من سعادة، وبدأ عصر جديد يختلف فيه المجتمع ويصيبه التأخر والتفكك والانحلال والنكوص وقد اعتمد دعاة هذا الرأي على ما جاء في الديانة اليهودية. (حسن وآخرون، 1976: 49).
إذ ورد في التورات عن أصل الخليقة أنّ الإنسان الأوّل كان صالحاً، ولكنه تجاوز حدود الله بإغراء من الشيطان، فزالت عنه سعادته واضطرب تفكيره وضعفت إرادته، وابتلى بالمرض والموت، كذلك استمد هذا الرأي أصوله من تعاليم الدين المسيحي على أساس أنّ الصورة الدينية الشائعة عن آدم أنّه خلق في الجنة، ويأخذون على ذلك رمزاً أنّه كان يمارس الزراعة من مبدأ الأهواء، وبما أنّ الزراعة كانت وسيلة للعيش أكثر ربحاً وتقدماً من كثير من الحرف والمهن الأخرى، فإنّ التفسير الوحيد لذلك هو أنّ الثقافة الإنسانية التي بدأت راقية تدهورت نتيجة لتلك العوامل والظروف غير الملائمة وقد ضم هذا المذهب عدد من رجال الدين واللاهوت في القرن السابع عشر. (أبو زيد، 1966: 238: 239).
2- الرأي الثاني يقول أنّ التغير يكون ارتقائياً تقدمياً، قد ظهر هذا الاتجاه في القرن التاسع عشر.
ويربط أصحاب هذا الاتجاه بين التغير والتقدم، فالتغير غالباً ما يكون تغير تقدمي، وتقوم نظريتهم على أساس أنّ المجتمعات تبدأ بسيطة ثمّ تأخذ في النمو، وذهب أنصار هذا الاتجاه إلى أن تطور المجتمعات إنما يتم في مراحل ثلاث هي: مرحلة التوحش ومرحلة البربرية ومرحلة المدنية، وقد ظهرت عدة نظريات في هذا المجال، منها نظرية أوجست كومت عن الحالات الثلاث اللاهوتية والميتافيزيقية، والوضعية.
أيضاً تناول هربرت سبنسر فكرة التقدم، وما حل بين المجتمع والكائن العضوي، وقال إنّ التطور الاجتماعي شبه التطور العضوي كلاهما قادر على النمو كلما زاد التخصص في نشط أعضائها. (الساعاتي، 2003: 52).
3- أما الرأي الثالث فيقول: إنّ التغير يسير في اتجاه دائري والمجتمع بذلك يمر في نفس المراحل التي يمر بها الإنسان من الميلاد إلى الطفولة إلى البلوغ إلى النضج والاكتمال ثم، الشيخوخة، ثمّ ينتهي إلى الموت.
4- والرأي الأخير يقول بأنّ التغير يسير في اتجاه تذبذبي أي بتقدم المجتمع ثمّ ينعكس ثمّ يعود فيتقدم في غير نظام. (الساعاتي، 2003: 55).►
المصدر: كتاب مبادئ التغير الاجتماعي
ارسال التعليق