• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

توفير الوقت والمال للقراءة

محمّد عدنان سالم

توفير الوقت والمال للقراءة

◄هذه علة معظم الناس العازفين عن القراءة، والذين لا يعيرونها أي اهتمام، والذين لا يخطر في بالهم، مهما طال وقت فراغهم، أن يتناولوا كتاباً يملؤون به وقت فراغهم.

مهلاً، يا أخي، لو أردت لوجدت الوقت الكافي، إنّك تضيّع أوقاتاً كثيرة فيما هو دون القراءة.

كم من الأوقات تقضي في الانتظار؟ انتظارٍ في عيادة طبيب.. انتظار لمكالمة هاتفية.. انتظار في مرآب أو مطار لسيارة أو طيارة تأخرت عن موعد انطلاقها.. انتظار في السيارة أو في الطيارة في الطريق إلى بلد المقصد.. انتظار لموعد في مكتب مدير.. انتظار لتعيين في وظيفة.

أفلا تتغلب بالقراءة على ملل الانتظار؟!

كم من الساعات تقضي في تناول الطعام؛ طعام الجسد؟!

أفنبخل على عقولنا بشيء من الوقت نقضيه في ميادين القراءة: غذاء الفكر؟!

إنّنا نقضي مع أصحابنا أوقاتاً كثيرة للسمر، أفلا تكون لقاءاتنا أكثر جدوى ومتعة، لو أديرت على نحو مفيد؟! لنأخذ كتاباً أو موضوعاً ليكون محوراً لنقاشنا وسمرنا بدلاً من الثرثرة الفارغة حول أمور الطقس، وأحوال الجوّ، وشؤون الساعة، وأنواع الطعام، وآخر النكات الهابطة. أفلا نشعر بالسمو والسعادة، حين نخرج من سمرنا بأفكارٍ نمت بالحوار، وصُقِلت بالمناقشة؟!

إنّكِ يا سيدتي تقضين ساعات طويلة في زيارة الأهل والجيران، وفي المحال التجارية تتنقلين من محل إلى محل لتمشطي سوقاً بأكمله، من أجل شراء سلعة عادية، أو لمجرد تزجية الوقت، كم يكون من المفيد، وأنتِ مضطلعة بأشرف مهمةٍ، مهمة تربية الجيل الصاعد، لو أنّك أحسنت تنظيم وقتك، ووفرت من أوقات الطهو والتسوق، وقتاً للقراءة، ولو وظفتِ لقاءاتك وزياراتك لطرح ما حصلته من قراءاتك من أفكار؟!

يقرأ القارئ العادي 300 كلمة في الدقيقة، أي ما يعادل خمس عشرة صفحة في عشر دقائق، فلو عوّدت نفسك أن تقرأ عشر دقائق كلّ يوم أن تقرأ كتاباً صغيراً كلّ أسبوع، أو كتاباً كبيراً في كلّ شهر، أي أنّك ستقرأ حوالي عشرين كتاباً في كلّ عام، من أحجام مختلفة. فهل يتعذر على أحد أن يوفّر هذه الدقائق العشر من وقته كلّ يوم للقراءة؟!

لقد وضع طبيب لنفسه قانوناً صارماً أن يقرأ كلّ ليلة ربع ساعة، مهما تأخر في عمله، وقبل أن يأوي إلى فراشه، فإذا هو يجد نفسه بين المشتغلين في الأدب بجانب تخصصه المهني، وإذا به يشعر بسعادة غامرة، ساعدته على التفوق والنجاح في تخصصه نفسه.

وأعرف ناشراً عربياً ألزم نفسه بساعة قبل نومه يقضيها في القراءة في كتب الطبقات، وفهارس كتب التراث، وباقي فروع المعرفة، فإذا به موسوعة ناطقة، إذا جلست إليه شعرت أنّك في مجلس عالمٍ مطّلع.

 

كيف نوفر المال لاقتناء الكتب؟

لقد ارتفعت أثمان الكتب، ولم يعد اقتناؤها ضمن طاقة أصحاب الدخل المحدود، فهل من طريقة لتوفير المال اللازم لشرائها؟

إنّ شعورنا بالعجز عن شراء الكتاب يعكس نظرتنا الدونية له. ذلك أنّنا ندفع أحياناً في أمور كمالية وفي سلع غير ضرورية ما يمكننا من شراء عشرات الكتب.

إنّ بإمكاننا أن نوفر من التدخين وحده ما يكفل لنا مكتبة قيّمة على مرّ الأعوام.

أما ما نوفره من استغنائنا عن بعض السلع الاستهلاكية، ومن تأجيل شرائنا الخضر والفواكه إلى مواسمها حتى لا تدفع فيها أثماناً أعلى، فشيء كثير.

ويجب أن نُعلّم أطفالنا أن يوفروا من مصروفاتهم لشراء كتاب، ولسوف يشعرون بسعادة غامرة إذا ضحوا بشيء من رفاهيتهم، ومن أجور مواصلاتهم، ومن ثمن ألعابهم لصالح كتاب. وترتفع قيمة الكتاب في نظرهم فوق الكماليات، وفوق بعض الحاجات.

واقتناء الكتب المستعملة، لم يعد شيئاً غريباً، وربما يحل لنا مشكلة ضعف قوتنا الشرائية، ففي معظم البلدان أماكن لعرضها بأرخص الأثمان، فعلى أسوار نهر السين في باريس، وعلى سور حديقة الأزبكية في القاهرة، وعلى الأرصفة في معظم المدن تعرض آلاف الكتب بأرخص الأثمان.

فإذا استحكم عجزنا عن الشراء، فما على الحكومات إلّا أن توفر لنا فرصة المطالعة وإشباع رغبتنا في القراءة بواسطة المكتبات العامة، التي ينبغي أن تكون قريبة منا في أماكن السكن، وفي مراكز العمل. ►

 

المصدر: كتاب القراءة أوّلاً...

ارسال التعليق

Top