• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الأمر بالمعروف.. تثبيت للعقيدة

عبد الرزاق كمونه الحسيني

الأمر بالمعروف.. تثبيت للعقيدة

◄الأمر بالمعروف هو تثبيت العقيدة ودفع الشبهات وتمتين الإسلام في نفوس أبنائه وتبليغ رسالة الرسول (ص) من كرم أخلاق وطيب أعراق ودماثة طباع وكلّ ما يمثل الفضيلة وروح الإيمان والإسلام والإنسانية ودفع الشبهات التي يلقيها الأعداء على الإسلام وإرشاد النشىء وتثبيت العقيدة فيه ومكافحة الإلحاد والفوضى الأخلاقية وتمتين الإسلام في نفوس أبنائه على أساس العقيدة النبيلة ومضاعفة الجهود لعرض حقائق الإسلام وصحائفه الناصعة في أسرار التشريع ولوامع التاريخ، ونشره في أُسلوب بديع بتوضيح ملائم لكي يستطاع أن يرسخ في أذهان النشىء في مدة وجيزة ويعالج بها الأمراض الاجتماعية والدينية على وجه التشريح المنطقي البرهاني والحسن الإنساني بصورة بديعة وبسرعة فائقة لتنظيم العمل الاجتماعي والوحدة الروحية، ورفع كيان المسلمين إلى المستوى الأعلى في حياتهم الاجتماعية وتوحيد كلمتهم والحيلولة بينه وبين الافتتان بما يملك خصوم الإسلام من القوى المادّية والمدنية الباهرة، وجمع كلمة المسلمين للحصول على روح الاتحاد في العمل لحفظ العقائد الإسلامية، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم التعاليم الإسلامية الموجبة لبقاء الإسلام خالداً إلى الأبد، قالت الصدّيقة فاطمة الزهراء (ع) في خطبتها في مسجد أبيها "والأمر بالمعروف مصلحة العامّة" لأنّه وسيلة للخير لقوله تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (آل عمران/ 104-107). فوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجوباً كفائياً على جميع المسلمين يسقط بعد قيام مَن فيهم الكفاية، فوجوبهما ليس حُكماً عاماً ولا مطلقاً لأنّهما لا يجبان إلّا على ما كان مستجمعاً للشروط الشرعية المقررة في الإسلام والمؤدية إلى الخير المطلوب للشارع، ولهذا أوجبهما الله تعالى في الآية الشريفة على أُمّة من المسلمين وذلك حينما يكونان وسيلة للخير وهذا هو الواجب الأهم الذي كنا به خير أُمّة أُخرجت للناس، ولكن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مشروط بشرائط منها معرفة المعروف شرعاً ومعرفة المنكر، ومنها الأمن من الضرر على الآمر والناهي أو غيرهما من المسلمين بما لا يتحمل عادة وغيرهما من أمور استقصاها الفقه الإسلامي وهي شروط يصير بها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسيلة للخير الذي أراده الله تعالى، وإنّه لحب الخير لشديد، وبما أنّ الأوامر والنواهي الشرعية قادرة على نهج القضايا الحقيقية فتتعلق على الموضوعات النفس الآمرية، وذكر في نهج البلاغة من كلام أمير المؤمنين (ع) فإنّ الله سبحانه لم يلعن القرن الماضي بين يديكم إلّا لتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلعن الله السفهاء لركوب المعاصي والحكماء لترك المناهي، وقال رسول الله (ص): "لا تزال الأُمّة بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وإن لم يفعلوا نزعت عنهم البركات وسلّط بعضهم على بعض ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء".

فيا عجباً من رعاة الدين ودعاة الحقّ رفع الله قدرهم وشرح في هذا السبيل صدرهم ما حركت الشمال النخل الدقيق وأحد الفرقدين للآخر رفيق كيف تريهم يتعرضون لمسائل سفسطائية لم يبتلِ بها أحد على مرّ الدهور ويتركوا أمراً هاماً وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الوارد في السنة ومتواتر الأخبار الذي لا يدع كبيرة ولا صغيرة من الفرائض إلّا أحياها ولا من الفحشاء والمنكر إلّا أمحاها وهدّمها، الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر هم العارفون في موارده ومناهجه وهم علماء الدين وأقمار العلم وشموس أعلام الفضيلة وحملة مشعل التوحيد وأنصار الحقّ وأعلام النهضة ومبلغي رسالة الأخوّة والوحدة، وهم دعامة عرش الدين واللسان الناطق عن الشرع المبين والمرجع الأعلى للمسلمين، بمؤازرتهم تتقدم الأعمال وتتقوّم الآمال وتشاد صروح الإيمان ومجد الأوطان بجهودهم الجبارة وجهادهم المتواصل في سبيل إعلاء كلمة الدين، لأنّ الإصلاح الديني لا يتوقع حدوثه إلّا من الذين لهم الإحاطة بأسرار التشريع الإسلامي العظيم، وهذا الإصلاح المنشود إنّما يجب أن يكون وليد الحقيقة والوضع القائم وصنيع المؤثرات الاجتماعية والفكرية ومقتضيات الأحوال والنزعات بتعاليم الإسلام، وهذا الواجب لا يقوم به إلّا الراسخون في العلم وهم الذين لهم المعرفة الشاملة القائمة على مقررات العقل السليم والبحث العلمي والتفكير الحر، وهم يعرفون الواجب الملقى على عاتقهم لأنّهم يعلمون أنّ العلماء ورثة الأنبياء، وهل وظيفة الأنبياء غير الإرشاد وإنقاذ البشرية من الضلال والسير بها إلى طريق الهدى والصلاح فلتكن الدعوة إلى الدين في دعة وإقناع بالحجة الساطعة وبالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، قال تعالى: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمّد/ 7)، وقال (ص): "الخلق كلّهم عيال الله فأحبهم إلى الله تعالى أنفقهم لعياله"، وعلى المصلحين الاحتراز عن الخطأ كيلا يترتب عليهم آثار سيئة عظيمة لعلو مقامهم ومركزهم، قال أمير المؤمنين (ع): "فإياكم والتلون في دين الله فإنّ جماعة فيما تكرهون من الحقّ خير من فرقة فيما تحبون"، فلو قام العلماء بواجبهم الديني لتوحدت المقاصد واجتمعت الكلمة واتسعت الأفكار وزكت النفوس ونجحت الأعمال وتحققت الآمال، لأنّ العلماء ينصحون بنصح الله ويتكلمون بلسان رسوله، وفي الحديث "الدين نصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامّتهم"، وهذا الحديث يقضي على العلماء أن يتدخلوا في كلّ شأن من شؤون العقائد وأن يدفعوا كلّ فرية يفتريها الخصوم على أهل التوحيد وأن ينصحوا في كلّ وقت وحين ويفيدون الأُمّة الإسلامية في دينها ودنياها بعلم صحيح وإرشاد مفيد وإصلاح متين، قال (ص): "إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه وإلّا فعليه لعنة الله وملائكته ورسله والناس أجمعين"، وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ * إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (البقرة/ 159-160)، وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (البقرة/ 174).►

 

المصدر: كتاب العدل الاجتماعي في الإسلام

ارسال التعليق

Top