ـ إعطاء الصدقة
إنّ الله يريد منّا أن نتحسّس في الصوم معاني التوبة والاستغفار، والتخفّف من كلّ الأوزار، وأن نستحضر معاني يوم القيامة، كما يريدنا سبحانه أن نصوم الصوم الاجتماعي، بأن نتحمّل مسؤولية الفئات الفقيرة والمحرومة في مجتمعنا، كلٌّ بحسب إمكاناته وطاقاته، "وتصدّقوا على فقرائكم ومساكينكم"، بشكل إفرادي أو اجتماعي، حيث جعل الله الصدقة تطيل العمر، وتطرد المرض، وتخفّف البلاء، وقد أراد للإنسان أن يتخفّف في هذا الشهر الشريف من كلّ حقوق الله وحقوق الناس المستحقّة عليه، ولذلك، نجد أنّ الإمام زين العابدين (ع) في شهر رمضان، يدعو الله إلى أن يطهِّر النفوس بإخراج الزكوات، فمن حاول الشيطان أن يسيطر عليه، من خلال وعده له بالفقر إذا أخرج حقوقه الواجبة عليه، فإنّ عليه أن يتمرّد على الشيطان وينفتح على الله، ليطهّر نفسه بإخراج كلّ ما أراد الله له أن يخرجه من خمسٍ أو زكاةٍ أو غير ذلك. (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ...) (البقرة/ 268)، ويقول لك إنّ لك عيالاً وتتحمّل مسؤوليات، وعليك أن تحسب حساب المستقبل، لا تخرج خمسك أو زكاتك، (وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلا) (البقرة/ 268)، فكّر مَن الذي رزقك هذا المال؟ إنّ الذي رزقك هذا المال جعل للفقراء حصةً فيه، فعليك أن لا تبخس حقوق الفقراء فتحبسها عنهم، وعليك أن تثق أنّ الذي رزقك بالأمس سوف يرزقك غداً، (وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) (الذاريات/ 22).
ـ صلة الرحم
"وصلوا أرحامكم"، أن تعملوا على صلة أرحامكم، حتى لو كان أرحامكم من القاطعين لكم، لأنّ الله يريد للإنسان أن يعطي حتى لو لم يأخذ، وقد ورد أيضاً في هذه الخطبة نفسها: "ومَن وصل فيه رحمه، وصله الله برحمته يوم يلقاه، ومن قطع فيه رحمه، قطع الله رحمته عنه يوم يلقاه". نحتاج إلى أن نتمرّد على نفوسنا الأمارة بالسوء، التي تحاول أن تجعلنا نقاطع أرحامنا، أو من أمر الله أن يوصل.
ـ التحنّن على الأيتام
"وتحنّنوا على أيتام الناس يُتحنّن على أيتامكم"، فعلينا أن نشعر بالأيتام الذين هم أمانة الله لدى المسلمين كلّهم، لأنّهم فقدوا مَن يرعاهم ومَن يكفلهم، ولذلك، ورد في الحديث عن رسول الله (ص): "أنا وكافل اليتيم في الجنّة"، بحيث يكون الكافل مع الرسول (ص) في الجنّة.
فعلينا أن نعمل على كفالة الأيتام في بيوتهم، وفي المبرّات التي ترعاهم، لأنّ ذلك يحتاج إلى تكافل اجتماعي وتعاون اجتماعي، حتى يمكن لمؤسسات الأيتام، في أيّ موقع كانت، وإلى أيّ جهة انتمت، أن تعمل على رعايتهم، بما يجعلهم يواجهون الحياة في المستقبل الكبير.
ـ توقير الكبار ورحمة الصغار
"ووقّروا كباركم، وارحموا صغاركم"، إنّ الله يريد للجيل الجديد أن يوقّر الجيل القديم بكلّ وسائل الاحترام، وبكلّ وسائل الرعاية، كما يريد للجيل القديم أن يرحم الجيل الصغير في قيمة تجربته، وفي الكثير من نقاط ضعفه هنا وهناك.
ـ تحسين الخلق
وهكذا، يريدنا الله أن نعيش الصوم الاجتماعي في حسن الأخلاق، "مَن حسّن منكم في هذا الشهر خلقه، كان له جوازٌ على الصراط يوم تزلّ فيه الأقدام". ألا نتطلَّب جوازاً في كلّ سفرٍ يمكن أن نلاقي فيه المشقّة والصعوبات؟! إنّك إذا حسّنت أخلاقك مع أهلك وجيرانك وأرحامك وأصدقائك والناس من حولك، فإنّ حسن الأخلاق يتحوّل إلى جوازٍ تتحرّك فيه على الصراط، فلا تزلّ قدمك هناك. وهكذا، "ومَن خفّف في هذا الشهر عمّا ملكت يمينه ـ عمّن كان تحت سلطته، من العمّال والموظفين ومن أهله ـ خفّف الله عليه حسابه".
ـ كفّ الشرّ
عليك أن تكفّ شرّك عن الناس دائماً، ولكن يتعاظم هذا المعنى الاجتماعي في كفّ شرّك عن الناس في هذا الشهر: "ومَن كفّ فيه شرّه، كفّ الله عنه غضبه يوم يلقاه"، فالله يريدنا في هذا الشهر أن نعيش الصوم الاجتماعي الذي يجعل منّا مؤمنين صالحين نعيش إنسانيتنا في كلّ معانيها، في داخل أنفسنا وفي خارجها، قال الإمام الصادق (ع): "ولا تنازعوا، ولا تحاسدوا"، وقال: "وسمع رسول الله (ص) امرأةً تسبّ جاريةً لها، وهي صائمة، فدعا رسول الله (ص) بطعام، فقال لها: كلي فقالت: إنّي صائمة، قال (ص): كيف تكونين صائمةً وقد سببت جاريتك" ـ إنّ الصوم ليس بالامتناع عن الطعام والشراب، فالإنسان الذي يسبُّ إنساناً آخر وهو صائم، فكأنّه أفطر في صومه، لأنّ هناك إفطاراً على قسمين، فهناك إفطار مادّي، بأن لا يأكل ولا يشرب، وهناك إفطار معنوي، كأن تسبَّ إنساناً آخر أو تؤذيه أو تضربه، فأنت بذلك مفطر روحياً، وإن كنت صائماً مادّياً.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق