الأُم الذكية هي التي تسيطر على نفسها
على الأُم أن تدرك أن عليها حذف بعض العبارات من قاموسها اللغوي، وتتعلم كيف تتحدث إلى طفلها.
كانت ليلى منشغلة في إعداد الطعام في المطبخ وفي ترتيب الأسرة في غرف النوم في الوقت نفسه. أثناء ذلك، قاطعها طفلها مئات المرات طالباً طعاماً، أو ماء، أو الذهاب إلى الحمام، أو الخروج من المنزل، أو اللعب معه، أو طارحاً عليها أسئلة مثل: ما لون السماء، ماذا يأكل العصفور، أين يعيش السمك.. إلخ. لم يعد في إمكان ليلى التي كانت تعاني الآلام في ظهرها، تحمل طلبات طفلها فانفجرت صارخة في وجهه: "كفى إزعاجاً. اخرج من هنا". ارتسمت علامات الحزن على وجه طفلها وانفجر في البكاء. في تلك اللحظة، تمنت ليلى لو أن في إمكانها سحب كلامها.
من الطبيعي أن تغضب الأُم وتفقد أعصابها، ولكن من غير المسموح به أن يصدر عنها كلام جارح في تلك اللحظة، فتؤذي مشاعر طفلها وتثير غضبه وتربكه، وتضطره أحياناً إلى الرد عليها ونعتها بصفات سيئة أثناء محاولته الدفاع عن موقفه. في مثل هذه الحالة، على الأُم أن تسيطر على غضبها وتتجنب استخدام ألفاظ تثير الطفل وتؤذي مشاعره. فالأُم الذكية هي التي تستطيع السيطرة على نفسها حتى لا ينتهي بها الأمر إلى قول شيء تندم عليه. من الحكمة أن تترك الأُم عقلها لا مشاعرها، يتحكم في ردود فعلها، حتى لا تصل الأمور إلى حيث لا يرغب الطرفان.
أخطاء وبدائل:
نورد هنا بعض زلات اللسان والعبارات الخاطئة التي تصدر عن الأُم في لحظة غضب، والتي من الممكن أن تتسبب في مشادة كلامية مع طفلها، ونطرح البديل الأفضل.
1- على الأُم ألا تقول لطفلها "دعني وشأني": كلّ أم تحتاج إلى فترة من الراحة خلال النهار، تستعيد فيها قدرتها على الاستمرار في إدارة شؤون المنزل والاعتناء بأطفالها. أما في حال لم تتمكن من الحصول على الراحة الضرورية، يُحتمل أن تصبح حساسة جدّاً، وقد تثور غاضبة في وجه كل من يطلب منها شيئاً. وبشكل خاص، في وجه طفلها الصغير عندما يلح في طلب اللعب معه مثلاً، فتفقد أعصابها وتقول له بشكل تلقائي: "لا تزعجني. أنا مشغولة. اذهب والعب لوحدك". في هذه الحالة، يعتقد الطفل أن أُمّه لا تحبه أبداً، وأن لا مجال للحديث معها لأنّها ترفضه نهائياً كلما حاول التقرب منها أو الحديث معها. بدلاً من أن تبعد الأُم طفلها بعيداً عنها أو تُسمعه كلاماً غير لائق، يمكنها القول: "أنا في حاجة إلى بضع دقائق لإنهاء عملي. عندما أنتهي منه سألعب معك". إذ يجب عليها أن تكون واقعية وتدرك أنّ الطفل الصغير لا يستطيع الترفيه عن نفسه لوحده لفترة طويلة من الزمن. عليها أن تعلم أنّه إذا اعتمدت أسلوباً مغايراً في التعامل مع طفلها وهو صغير، يُحتمل ألا يعمل على مقاطعتها عندما يكبر. يجب أن يعتاد الطفل منذ سن الطفولة، على رؤية الأُم تمنح نفسها قسطاً من الراحة. وعلى الأُم أن تسعى إلى الحصول على هذه الفترة، إما عن طريق الاستعانة بمربية مؤقتة أو تتبادل رعاية الطفل مع شريك حياتها. أو طلب المساعدة من أمها أو أحد أفراد أسرتها، أو وضع طفلها في عربته أمام نظريها عند استلقائها لنيل قسط من الراحة والعودة إلى عملها أكثر نشاطاً.
2- على الأُم ألا تنعت طفلها بصفات غير لائقة: تُعتبر الصفات والنعوت التي تطلقها الأُم على طفلها من أقصر وأسرع الطرق في التأثير في شخصيته ونفسيته. من هذه الصفات: "وضيع"، "مزعج"، "جبان"، "أخرق"، "لئيم".. إلخ. ولأنّ الطفل يصدق كلّ ما تقول الأُم عند إطلاق صفات محببة عليه، مثل: "خجول"، "هادئ"، "كريم"، "لطيف".. إلخ، يمكن أن يعتبر النعوت السلبية نبوءة يُحتمل أن تصبح حقيقة. مثلاً، إذا أطلقت الأُم على طفلها صفة "خسيس"، قد يعتقد أنّ الخسة من طبعه، الأمر الذي يقوّض ثقته بنفسه.
إنّ أسوأ ما في النعوت، هو أنها تتجذر عميقاً وبشكل خطير، داخل الطفل. إذ من المؤكد أنّ الأُم نفسها لا تزال تتذكر بوضوح وبمرارة عندما نعتتها أمها بصفة "الغباء" أو "الكسل". لذا، بدلاً من أن تصف الأُم شخصية طفلها، عليها أن تركّز حديثها على سلوكه الذي لم يعجبها. مثلاً، إذا فشل طفلها في مادة ما، عليها التركيز على هذه الناحية فقط، لا أن تصفه بـ"الفاشل".
3- على الأُم ألا تقول لطفلها "كف عن البكاء": من غير المجدي أبداً أن تقول الأُم لطفلها: "لا تبكِ" أو "لا تحزن" أو "ليس هناك من سبب للخوف". لأن هناك أسباباً تدعو الطفل إلى البكاء، خاصة إن كان صغيراً لا يستطيع التعبير دائماً عن مشاعره بالكلام. فالطفل يشعر فعلاً بالحزن والخوف. من الطبيعي أن ترغب الأُم في حماية طفلها من مثل هذه المشاعر، لكن القول للطفل دائماً: "لا..."، لا يحسّن من شعوره، إضافة إلى أنّه يبعث برسالة خاطئة إليه، مفادها أن عواطفه غير صحيحة ولا لزوم لها. بمعنى آخر، من غير المقبول أن يحزن أو يخاف. بدلاً من أن تنكر الأُم بأن لدى طفلها مشاعر معينة، عليها أن تعترف بها. مثلاً، أن تقول لطفلها: "لابدّ من أن تشعر بالحزن عندما لا يسمح لك صديقك بمشاركتك اللعب معه". أو "من الطبيعي أن تشعر بالخوف عندما تتحرك الستارة في غرفتك. اذهب واكتشف أنّ الريح هي السبب، وأنّه لا يوجد أحد خلفها. أوعدك بأن أذهب معك وألا أترك يدك".
إذا اعترفت الأُم بمشاعر طفلها وسمتها باسمها، تساعده على التعبير عنها بالكلام، وتُشعره بأنها متعاطفة معه. عندها، بدلاً من أن يعبّر بالبكاء عن رغبته أو مطلبه، يعبر بالكلام.
4- على الأُم أن تتجنب المقارنة: من طبيعة كلّ أم تقريباً، أن تتطلع إلى من هو أفضل من طفلها وتقارنه به بقصد تشجيعه. مثلاً، يمكن أن تقول له: "انظر كيف يستطيع شقيقك أو شقيقتك، ارتداء معطفه لوحده. لماذا لا تكون مثله؟". أو "إنّ حسن أشطر منك. أصبح يقضي حاجته في الحمام وليس في ثيابه". لكن، يجب ألا يغيب عن بال كلّ أم أنّ المقارنات تعطي نتائج عكسية في معظم الحالات تقريباً. يجب أن تحرص الأُم على ألا يسمعها طفلها عندما تتحدث عن طفل آخر أفضل منه في مجال من المجالات. فلكل طفل شخصيته، وكلّ طفل يتطور بوتيرة تختلف عن الأطفال الآخرين، ولكل طفل مزاجه الخاص. ومقارنته بطفل آخر يدل ضمناً على رغبة الأُم لو كان طفلها مختلفاً. كما أنّ المقارنة لا تعمل على تغيير سلوك الطفل. إنّ الضغط على طفل صغير لفعل شيء غير مستعد لفعله، أو غير راغب في فعله، يمكن أن يربكه ويقوض ثقته بنفسه. وقد يؤدي إلى شعوره بالاستياء فيقرر ألا ينفذ طلب الأُم، عندما يستدعي الأمر اختبار الإرادات. بدلاً من المقارنة، على الأُم أن تشجع الطفل وتمدحه على ما استطاع إنجازه. مثلاً، أن تقول له: "برافو، لقد تمكنت من ارتداء سترتك وحدك". أو "شكراً لأنك نبهتني إلى حاجة حفاضك إلى التغيير". أو "برافو، استخدمت الألوان المناسبة في تلوين الصورة".
5- على الأُم ألا تهدد طفلها: كثيراً ما تهدد الأُم طفلها قائلة: "نفذ ما طُلب منك وإلا"، أو "إذا ارتكبت الخطأ نفسه مرة أخرى أصفعك على وجهك". في الغالب، تلجأ الأُم إلى التهديد عندما تكون محبَطة بسبب عدم قدرتها على إقناع طفلها بفعل ما طلبت منه، ولكن نادراً ما يكون التهديد فاعلاً. فالمشكلة هي أنّه عندما تهدد الأُم طفلها، عليها تنفيذ تهديدها عاجلاً أم آجلاً، وإلا فقد التهديد قوته وفقدت هي سيطرتها.
على الأُم أن تدرك أنّ التهديد بالضرب لا يجدي. لأنّه ثبت فعلياً أنّه يقود إلى المزيد من الضرب، وأنّه وسيلة فاشلة لا تؤدي إلى تغيير السلوك. كما تبين أن نسبة احتمال أن يعيد طفل صغير لا يزيد عمره على السنتين، الخطأ نفسه في اليوم نفسه تقارب 80 في المئة، بغض النظر عن الأسلوب المتبع في تربيته. لأنّه كلما كان الطفل صغيراً في السن، تطلّب المزيد من الوقت لفهم واستيعاب الدروس. إن أسلوب الضرب لا يعطي النتائج الفاعلة كلّ مرة حتى مع الأطفال الأكبر سناً. لذلك، بدلاً من استخدام أسلوب التهديد اللفظي والضرب، والذي ثبتت نتائجه السلبية، من الأفضل تطوير أساليب أكثر فاعلية من الضرب، مثل إعادة توجيه الطفل وشرح الأسباب التي دعت الأُم إلى تهديده، أو حرمانه من ألعابه المفضلة لفترة زمنية محددة، أو وضعه في الزاوية لدقائق محدودة عقاباً له، أو منعه من مشاهدة برنامجه التلفزيوني المفضل.. إلخ.
6- على الأُم ألا تثني على طفلها دائماً: يُعتبر الدعم الإيجابي من أكثر الوسائل فاعلية في تربية الطفل. إن مدح الأُم طفلها الصغير والقول له دائماً: "رائع" أو "برافو" أو "أحسنت" على كلّ كبيرة وصغيرة، من شرب الحليب وصولاً إلى تمكنه من رسم صورة، هو مدح بلا قيمة لأنّه غامض وعشوائي. لأن في إمكان الطفل التمييز إن كان عمله يستحق فعلاً ثناء الأُم، كما يستطيع أن يعرف الفرق بين الثناء على عمل روتيني بسيط والثناء على جهد حقيقي.
وحتى تتخلص الأُم من هذه العادة، عليها أن تقوم أوّلاً بمدح الإنجازات لتي تتطلب جهداً حقيقياً. لكن شرب كوب الحليب ورسم صورة لا يعتبران من ضمن هذه الإنجازات، خاصة إذا كان الطفل الصغير يشرب أكثر من كوب حليب أو يرسم أكثر من صورة في اليوم الواحد. على الأُم أن تحدد ما تمدح. مثلاً، بدلاً من أن تقول لطفلها: "عمل رائع"، عليها القول: "إنّ الألوان التي استخدمتها رائعة ومناسبة جدّاً للصورة". أو "عظيم، أرى أنك رسمت صورة شخصية لبطل القصة التي قراتها لك ليلاً". على الأُم أن تمدح سلوك الطفل وليس الطفل نفسه. كأن تقول له مثلاً: "لقد كنت هادئاً اليوم ولعبت وحدك ولم تقاطعني أثناء انشغالي في عملي".
7- على الأُم ألا تقول لطفلها "انتظر حتى يعود والدك": لا تُعتبر هذه العبارة المألوفة شكلاً من أشكال التهديد فقط، بل هي أسلوب تربية ضعيف ومرفوض أيضاً. حتى يكون دور الأُم فاعلاً، عليها معالجة الأمر بنفسها وفوراً. إنّ أسلوب التأجيل لا يمكّن الطفل من ربط العواقب بنتيجة أعماله. وإلى أن يعود الوالد إلى المنزل، يُحتمل أن ينسى الطفل فعلاً الخطأ الذي ارتكبه. وبالتالي، يمكن أن تكون العقوبة المتوقعة أكبر بكثير من الخطأ المرتكب. إنّ إلقاء مسؤولية معاقبة الطفل على عاتق شخص آخر، يقوّض سلطة الأُم ويدفع الطفل إلى التساؤل لماذا يتوجب عليه إطاعة الأُم في حين أنها لا تستطيع اتخاذ قرار معاقبته بنفسها. ومن ناحية أخرى، يجعل الطفل يعيش قلقاً نتيجة عدم معرفته بالعقاب الذي سيناله من والده. وهذا القلق أسوأ من العقاب الذي يستحقه الخطأ الذي ارتكبه الطفل. إضافة إلى ذلك، تضع الأُم شريك حياتها في موقف لا يستحقه، فهي تصوره على أنّه شرطي كريه ينفذ العقوبات.
8- على الأُم ألا تقول لطفلها: "كنت أتمنى لو لم يكن لديّ طفل": بداية، أريد أن أطمئن الأُم بأنها لا تُعتبر أماً سيئة إذا انتابها مثل هذا الشعور في لحظة ما، لأنها بشر، وكل إنسان ينتابه شعور سيئ في لحظة معينة. فبعد يوم صعب ومضنٍ ومشادات كلامية مع الطفل، قد تقول الأُم كلاماً مثل: "أتمنى أحياناً لو لم يكن لديّ أطفال"، لأنها تكون متعَبة، واستنفدت كلّ طاقتها في أعمال مرهقة، بالإضافة إلى شعورها بالضيق. من المهم أن تدرك الأُم أنّ هذا الشعور هو وليد اللحظة وليس فعلاً من طبيعتها.
عندما ينتاب الأُم مثل هذا الشعور، عليها أن تصمت بدلاً من أن تتفوه بكلام تندم عليه، وأن تمنح نفسها قسطاً من الراحة حتى تستعيد طاقتها وتعود إلى المسار الصحيح. إن استخدام الأُم هذه العبارة حتى تُشعر طفلها بالذنب لخطأ ارتكبه، لا يعمل إلا على زيادة العلاقة بطفلها سوءاً، لأنّه إذا فكر الطفل في أنّه لم يعد لديه ما يخسره، بما في ذلك حنان واهتمام أمه، يتصرف في الغالب، بطريقة أسوأ.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق