د. ياسر عبدالكريم بكار
يرسم غولمان مؤلف كتاب (الذكاء العاطفي) مشهداً لشخص اعترض طريقك بشكل متهور، بينما كنت تقود سيارتك في الطريق السريع. وإذا كنت ممن تنفلت أعصابهم بسرعة فستصرخ: "هذا الولد ابن الـ.." ويبدأ هنا مسلسل من الانفعالات الغضب.. إذ تتزايد الأفكار واحدة تلو الأخرى: "هذا المتهور.. كان من الممكن أن يصدمني".. أو "لن أتركه ينجو بفعلته" ثمّ تهتز مفاصلك وأنت تضغط على (دوّاسة) السرعة، بدلاً من الضغط على رقبته لتخنقه..!! وتحتشد أعضاء جسمك كلها لخوض المعركة، حتى تتركك ترتعش منهك القوى، تتصبب عرقاً، ويدق قلبك دقات سريعة، وينشف حلقك. ومن المحتمل أن تكون خلفك سيارة ينبهك سائقها بالمنبه المزعج! وهكذا ستشعر أنك على وشك الانفجار الدامي غضباً.
يقر علماء النفس أنّ الغضب هو أكثر الحالات تصلباً وعناداً من بين كل الحالات المزاجية التي نود السيطرة عليها. وللأسف فالغضب هو أكثر العواطف غواية وحضاً على القيام بما لا يحمد عقباه عبر ما يملأ به الشيطان عقل الغاضب بالذرائع المقنعة ليصب جام غضبه.
تنتشر بين الناس أفكار عديدة حول السبيل لدرء الغضب، ومنها أنّه يجب التنفيس عنه ولا ينبغي كظمه. كما يجب العمل على الحيلولة دون حدوثه من البداية. والواقع أنّ هذه الوسائل تفتقد للأدلة العلمية التي تنصرها. في النقاط القليلة القادمة سوف أقترح بعض الوسائل التي ستعينك على التحكم بالغضب:
الأولى: لابدّ أن نسلم بالحقيقة الهامة: أنّ الحياة ليست مثالية. ولن تكون يوماً من الأيام كذلك. وأن كل ما يجري سوف لن يكون مثالياً وعلى أفضل ما نتوقع أو نرجو.
الثانية: الوعي والتعرف على مشاعر الغضب أثناء حدوثها.. إنّها كمشاهدة من الخارج لما يموج في عالمنا الداخلي.. والفرق كبير بين أن تغضب من شخص ما حتى تشعر وكأنك تريد أن تقتله (هذه هي مشاعرك المباشرة) وبين الوعي بها وملاحظتها. فتقول لنفسك أثناء الغضب: (هذه مشاعر الغضب.. إني غاضب من هذا الشخص).
الوعي بالذات يمنحك بصيرة مدهشة بتبعات ما تمر به من مشاعر.. (أنا غاضب ولذا فإن أي قرار أصدره قد لا يكون حكيماً. وهكذا ستجد أنك تبسط قوة إضافية على مشاعرك مهما اشتدت حدتها، وبالتالي ستقلل من تأثيرها عليك.
الثالثة: إعادة وضع الموقف في إطار إيجابي.. أي استبدال سيل الأفكار المشحونة بالغضب بتفسيرات أخرى ممكنة وأكثر سلاماً مثل: "من يدري ربما لم يرى سيارتي.. أو ربما لديه سبب يجعله يقود سيارته بهذه العجلة.. ربما والده في العناية المركزة في المستشفى.. أوه الله يعينه". وهكذا لم تكظم غيظك ولم تنفس عنه بل قطعت غضبك بأفكار منطقية وممكنة.
يقول رسول الله (ص):
"ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد من يملك نفسه عند الغضب".
يروي ستيفن كوفي في كتابه المميّز (العادات السبع للناس الأكثر فعالية) أن رجلا صعد إلى القطار ومعه خمسة من الأولاد والذين انتشروا في القطار يلعبون ويصدرون الفوضى والإزعاج بينما هو جالس بكل هدوء دون أن يمنعهم من إزعاج الآخرين. ضاق الناس بالأولاد ذرعاً فحادثه الرجل الجالس بجانبه وهو غاضب يحثه على منع أولاده من مضايقة الآخرين. فقال أبو الأولاد: (لقد ماتت أمهم منذ قليل ولا أعرف ماذا سأقول لهم..!!). عندها دهش الرجل الغاضب: (أوه أنا آسف. هل يمكن إن أفعل لك شيئاً). لقد نسي تماماً ما يسببه الأولاد من إزعاج وتغير غضبه إلى مساندة. صدقني أنّه في كل حدث يمكن أن تجد تفسيراً بديلاً لما يدور في رأسك لو حاولت البحث عنه مما سيخفف من حنقك وغيظك. أليست هذه وسيلة فعالة للسيطرة على الغضب الذي يسببه الآخرين لنا.
الوسيلة الرابعة: إلهاء أنفسنا بعيداً عن ما يثير الغضب.. وقد حدثنا الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري – رضي الله عنه – في الحديث الشريف:
أن رسول الله (ص) قال لنا إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع.
حيث تغيير وضعية الغاضب أو خروجه للسير لفترة وجيزة والقيام ببعض الرياضة كل ذلك سيساعد على تلطيف الغضب. لكن تذكر أنّ فترة التهدئة هذه لا قيمة لها إذا استنفدت في الانشغال بالأفكار التي استنفرت الغضب في المرة الأولى.
الوسيلة الخامسة: سلِّم بماهية الأشياء: إحدى الأفكار الجميلة والتي ستساعدنا على تجاوز الكثير من الأحداث المزعجة أن نعلم أنّ الحياة في تغير مستمر. كل شيء له بداية وله نهاية. قدّر أن كل شيء سيعود إلى أصله.. فكل آلة وأداة تُصنع سوف تَبلى وتتفتت يوماً ما. المسألة كلها مسألة وقت. فما تتوقع أنّه سينكسر، سوف لن تُفاجأ أو تصاب بالغضب عندما ينكسر فهذا قدره. وبدلاً من أن تستاء، فإنك تشعر بالامتنان من أجل المدة التي استخدمت هذا الشيء فيها. خذ مثالاً مبسطاً على ذلك فعندما ينكسر كوب الزجاج المفضل لديك سوف لن تنزعج لأنك تعلم أن هذا قدره. وأن كل شيء سيبلى يوماً ما ويعود إلى أصله. وعلى هذا يمكنك أن تقيس موقفك من أمور أكثر أهمية.
ختاماً: التحكم بالغضب مهارة راقية تمنح من يتقنها السيطرة على مشاعره، وتمنع عنه آثار الغضب المدمرة على الروح والجسد.
المصدر: كتاب القرار في يديك
ارسال التعليق