• ٢٤ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٢ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الحياة الزوجية.. فن وذوق

الحياة الزوجية.. فن وذوق
لاشكّ انّ الله عزّ وجلّ جعل المرأة عماداً مهماً وركيزة أساسية تستند عليها الحياة بشكل عام، والحياة الزوجية بشكل خاص. وفي هذه المؤسسة الصغيرة القى الشرع على عاتق الرجل العبء الثقيل بمقتضى القوامة من حيث الرعاية والقيادة والانفاق والجهاد والتجنيد.. وفي خضم هذا كله يأتي دور المرأة العظيم هباه الباري تعالى لتكون سنداً قوياً في القيام بالتكاليف العامة والفروض والواجبات.. والرسول الأعظم (ص) قد جعل حسن تبعل المرأة لزوجها عند الله ثواب الجهاد وغيره من التكاليف العامة كصلاة الجمعة والجماعة.. لما سألت أسماء الرسول (ص) فقالت: يا رسول الله.. انّ الرجال تفضلوا علينا بالجمعة والجماعات وحضور المشاهد والجهاد في سبيل الله فمالنا نحن النساء؟ فقال الرسول الكريم (ص): "ارجعي إلى من وراءك من النساء فاخبريهن ان حسن تبعل احداكن لزوجها يعدل ذلك كله". فذهبت الصحابية أسماء تكبر فرحاً. فهذا هو الفهم الصحيح السليم لهذا الدين الكريم، وحسن التبعل، هو معاملة سياسية لزوجها واصلاح شأنه والاهتمام به في البيت حتى تصبح سكناً له ليرتاح من متاعب العمل ومشاكله وهمومه وهو حسن الرعاية والأخذ بكل ما من شأنه من أسباب لإيجاد الراحة والاستقرار وأن تحسن المرأة عشرة زوجها وتطيعه وهي عبادة عظيمة يغفل عنها الكثير فحسن المعاشرة ذوق وفن وتربية اجتماعية عالية واهتمام المرأة بزوجها واهتمامها بزينتها وزينة بيتها وأولادها.. (فاعظم الناس حقا على المرأة زوجها فيجب على المرأة أن تتعامل بإيجابية مع زوجها حتى يتحول البيت إلى سكن هدوء نفسي واطمئنان، فالمرأة المؤمنة الكيسة تغير المعاملة مع زوجها بأنماط مختلفة حسب ما تقتضيه المواقف من أسلوب الجد والهزل فتحال أن تنزل الأمور منازلها.. انّ الرجل الذي يخوض معترك الحياة لابدّ ان يكون له ملاذ آمن يأوى إليه ويستشعر فيه الطمأنينة والراحة والسكينة وليس ثمة ملاذ أكثر أمناً من الأسرة، وهذا الملاب بداية لاستراحة الرجل ومنطلقاً لجهاد المرأة. إنّ القرآن الكريم يضع أسس الحياة العاطفية الهادئة الهانئة (وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) (الأعراف/ 189)، فالزوجة ملاذ الزوج يأوى إليها بعد جهاده اليومي في سبيل تحصيل لقمة العيش ويركن إلى مؤانستها بعد كده وسعيه وجهده. ويلقي في نهاية مطافه بمتاعبه إلى هذا الملاذ زوجته التي ينبغي أن تتلقاه مرحة مستبشرة طلقة الوجه ضاحكة الأسارير يجد منها اذناً صاغية وقلب حانياً. فالطاعة للزوج عبادة وقربة إلى الله سبحانه وتعالى.. استقبال الزوج عند قدومه وتزيين المرأة لنفسها، تزيين المائدة.. تهيئة الأطعمة التي يحبها.. مشاركته همومه وأحزانه، إزالة التعب عن طريق الكلمات الرقيقة الطيبة، مشاركته في التفكير لحل بعض المشكلات، التنوع في طريق الزينة، والزينة مهمة وهي من أوثق الطريق للاحتفاظ بالزوج.. ان سعادة الأسرة تتوقف على المرأة والطاعة للزوج خاصة الرجل الملتزم الشهم الذي يرغب بهكذا امرأة مطيعة يكون هو القوام عليها لأنّه سبحانه وتعالى بالفطرة اعطى ذلك للرجل ورفض المرأة المسترجلة.. فالحياة السعيدة موجودة في متناولنا ويجب أن نبحث بأسر الطرق وكيفية تطبيقها.. لأنّ المرأة الحكيمة ترغب في حياة هانئة لا تتخللها المشاكل والمنغصات ولكن ليست هناك حياة مثالية خالية من المشاكل فالمشاكل تصقل الإنسان وتعطيه التجارب من مسيرة العشرة والحياة الأسرية. فالمرأة تجعل نصب عينها أول واخر من يهمها رضا زوجها لأنّ المرأة عندما تشعر بأنها مصانة وكرامتها غير مهانة وعزتها محفوظة بغير اصدار.. حقوقها مراعة عند الزوج بالذات عندها ستحيا ما تمليه عليها فطرتها دون تكلف. ويختم الحديث ما استفاد المؤمن من بعد شهادة لا إله إلا الله الا من امرأة صالحة إذا نظر إليها سرته.. "الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة". فحسن التبعل وحسن الرعاية بحيث لا تقع عين الرجل في بيته الا على طيب.. فيجد في زوجته أطيب الريح.. وأحسن المظهر.. وأطيب الطعام.. ويجد فيها الأُم الحنون والعطوفة في تربية أبنائه.. فقد يتوهم البعض من مفهوم التبعل هو حالة الرضا والطمأنينة والمتعة المقصودة من الزوجين بالفراش.. هذا بالحقيقة مفهوم قاصر ومجرد الاقتصار عليه هو افراغ الحياة الزوجية من محتواها.. فالحياة الزوجية لا تعني هذا.. وانما هي حياة صحبة ورفقة فيها الرعاية والمودة والرحمة والسكينة والاطمئنان.. الحياة الزوجية هي الأسرة بما فيها من منزل وأبناء وواجبات تعلقت بحسن الرعاية.. وعلى المرأة أن لا تخرج عن طورها الهادئ وأن لا يرتفع صوتها ليعلو صوت الرجال ليجعلها خشونة حيث يعتبره البعض استرجالا.. فهي تظهر أنوثتها في صنعتها ليس التذلل والاستكانة إنما هو شعار الزوج بضعف الزوجة المحتاجة إلى حنان ورأفة وحماية فهو ضعف مدلل بغير استكانة.. ولعل على المرأة أن تبتدع من الأساليب ما توحي للرجل بذلك.. فإن شعور الرجل بأنوثة المرأة ونفسها وضعها الأنثوي يولد فيه مشاعر الرقة ويبتعد عن مشاعر التسلط والقسوة. وان ما نشاهد من القهر والقسوة هو اهمال كل من الزوجين لمكانة الآخر.. (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا) (الروم/ 21)، فالباري تعالى خلق الزوجة ليسكن إليها.. فالسكن أمر نفساني وسر وجداني يجد فيه الرجل السعادة وهذه من الضروريات المعنوية التي لا يجدها الرجل الزوج إلا في ظل المرأة.   - موقع التربية الأسرية للفتاة في هذا المجال.. طبعا الأسرة لها دور كبير في تهيئة الفتاة لتحمل أعباء المسؤولية الزوجية وحسن معاشرة الزوج فالعبء يقع على الوالدين والدور الأكبر هو للأم في تعليم هذه الفتاة ومنحها الثقافة المعتدلة لحسن التبعل.. فالفتيات يأخذن انطباعاً معيّناً ويرسمون صورة لحياتهم المستقبلية بناءاً على ما رأوا وشاهدوا في أسرهم، والثقافات الأسرية التي أخذوها من الأُم لتكتسب بناتنا المهارات الاجتماعية التي تساهم في تسيير أمور حياتهم والتعرف على كيفية حسن التعامل مع زوج المستقبل. والفتاة تحتاج إلى اعداد وتهيئة نفسية قبل زواجها وأن تهتم الأم باعدادها اجتماعياً ومنزلياً وثقافياً لتكون على حصانة كاملة من المشاكل التي تواجهها خاصة في السنة الأولى من الزواج.. طبيعي أنّ الفتاة قد اعتادت على حياة معيّنة بعيدة عن المسؤولية والاهتمام واللامبالاة.. فعندما تدخل حياتها الجدية يحب أن تكون على بصيرة من أمرها وأن تكتسب خبرات نظرية عن طبيعة المسؤولية ونظام الأسرة من وقت للأكل والراحة وترتيب البيت ووقت النوم وما شابه ذلك. كل هذا يحتاج إلى ثقافة خاصة للفتاة بما لديها من إمكانات وقدرات وطاقات حباها الباري تعالى لتتحمل هذه المسؤولية وتسخرها من أجل سعادتها في حياتها الجديدة فعندها تشعر بالراحة والأمان والاطمئنان النفسي الكبير لأنها تحب أن تنجز عملاً ضخماً في دائرة الأسرة لتخرج منه بنجاح. ولا ننسى دور المجتمع الكبير في غرس الصفات والفضائل.. لذلك نرى تفاوت الأخلاق حسب المجتمع الذي تعيش فيه المرأة لما له الدور الكبير.. فالمجتمع المثقف الواعي والذي يحمل الصفات الإيجابية لابدّ أن ينعكس على المرأة. فعندما تصاحب من الصديقات في خارج البيت أو إذا كانت عاملة أو من خلال الجمعيات والمنظمات لابدّ أن تلاقح الأفكار والثقافات عند النساء.. فالمرأة تأخذ ما هو إيجابي وجميل وفيه تتحول من جاهلة إلى مثقفة تستفيد من عقلها وفكرها، ومداراتها لزوجها أو للناس نصف العقل فالمجتمع الهادف يسعى لرفع المرأة في مكانتها الاجتماعية.. فيجب أن تشيع ثقافة حسن المعاشرة بين الزوجات وذلك للحفاظ على كرامة المرأة والأسرة وبالتالي حفظ المجتمع من غزاة الفكر والأخلاق و"المجتمع المثقف حتما تكون المرأة المثقفة فيه لأن كافة المؤسسات والمنظمات تكون على وعي وثقافة معنية يؤثر ذلك على الفتاة، من مدرسة وجامعة وما شابه ذلك تأخذ من الفتاة الثقافة الاجتماعية وما نلاحظه في القرى والأرياف وبعض الدول الإسلامية من تخلف هو في الحقيقة ناجم عن تخلف المجتمع". أمّا بالنسبة لطباع الزوجين.. لابدّ أن يكونا مختلفين لأنّ المرأة عاشت في أسرة وبيئة تختلف عن زوجها فلذلك يحدث سوءاً في التفاهم وخاصة في السنة الأولى.. فيمكن للمرأة أن تتغلب على طباعها القديمة والتطبع بالاخلاق الجيدة الجديدة نتيجة المعاشرة الحسنة فليست كل طباعها وأخلاقها إيجابية وتناسب زوجها.. فلربما هناك أطباعاً سلبية تكتشفها من خلال المعاشرة حتى بالنسبة للرجل ولكن هذه الخطوة تحتاج إلى ذكاء المرأة وكياستها بأن تستخدم الوسائل التي تؤدي إلى المحبة والمودة مع زوجها من أجل حماية أسرتها. فهي تجعل في نصف أعينها أول وآخر من يهمها رضا زوجها.. تبذل كل ما في وسعها من أجل اسعاده فإذا ارتاح الزوج وشعر بأن زوجته هي الملاذ سيبادلها نفس الشعور ويسعى أيضاً إلى سعادتها.. وفي نفس الوقت يستطيع الزوج في اعانة زوجته على انجاز هذا الجهاد الكبير كأن يناديها بأحب الأسماء إليها أو تصغير اسمها مثلاً وان يظهر محبتها ومودتها بالقول والفعل وان يعفو عنها ويصفح ويتجاوز عن الأخطاء في حياتهما الزوجية وغض النظر عنها خاصة إذا كانت الأخطاء في الأمور الدنيوية "كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون" وكذلك يسعى إلى مراعاة شعورها ونفسيتها ويتعاون معها في البيت في إدارة شؤون وتربية أولاده ويحذر من اهانتها وكذلك بالنسبة للمرأة عليها أن تراعي حال زوجها النفسي وأن لا تغضب في وجهه وهو في حالة سرور وانبساط ولا تضحك في وجهه وهو في حالة حزن وكدر.. والمهم هو أن تراعي المرأة وضع زوجها المادي ولا تثقل كاهله بما هو فوق طاقته، خاصة في الكماليات التي لا تنتهي.. القناعة هي الرضا بما قسمه الله من الرزق وتحمل أخلاق الزوج هو سر الحب واظهار المحبة والمودة والوئام ثمّ الجلوس مع الزوج للتحدث إليه والتشاور معه في شؤون الأسرة وحل مشكلاتها وحل مشكلات التربية لإنشاء جيل صالح للمجتمع.. والشيء المهم الذي يجب أن لا تنساه المرأة هو حفظ الزوج في البيت وخارجه وعدم افشاء أسراره وأسرار الأسرة حتى لا قرب الناس هو دليل حب الزوجة لبيتها وسعيها لاسعاد أسرتها. الواجب على المرأة أن تؤدي دورها بما تمليه عليها مسؤولياتها في الأسرة ومادامت هي شريكة حياته حتى ولو كان متخلقاً بأخلاق غير صالحة، هذا لا ينفي أن تؤدي دورها على الوجه الصحيح كزوجة وأم.. وإذا وجد زوجها بأنها نعم المرأة المجاهدة والصابرة من أجل اسعاد الأسرة لابدّ أن يتغير الزوج فيما بعد.. لأنّ المجتمع بحاجة إلى نساء صابرات راضيات مجاهدات والجهاد حسن التبعل والصبر على الأخلاق واطاعة الزوج بما يرضي المولى.. في هذا الوقت تثبت المرأة للمجتمع بقوة شخصيتها وثقتها الكبيرة بنفسها ولا تعتبره من باب الذلة أو بمنظر المنكسر المغلوب على أمره.. فإن مؤسسة الزواج هي مؤسسة الرحمة والتعاون.. والتضحية في سبيل الأبناء لتشكل مساحة واسعة مع زوجها من أجل بناء قواعد رصينة تعتمد عليها الأسرة ويتخرج منها أبناء صالحون فهي الوحيدة التي لا تفكر في نفسها.. وتبحث عن أنجح الوسائل للحد من كل الضغوطات التي تواجه أسرتها لتخلق جواً مريحاً هادئاً بعيداً عن القلق والاضطراب الذي يعيق حياة الأسرة.. فهي تكسب الرجل دائماً وتسعى لتحويل قسوته إلى حب دائم للأسرة ولا تركض وراء الشعارات المزيفة التي تنادي بحقوق المرأة التي ارهقتها وضيعتها وهدمت أسوار بيتها.. فهي تسعى أن تبقى دائماً في الإطار الذي رسمه الله لها.. وتتذكر دائماً أن حسن التبعل هو الطريق إلى رضاه تعالى.. وأيسر الطرق إلى الجنة..

ارسال التعليق

Top