◄1- عن أبي جعفر الباقر (ع) أنّه قال: يكون في آخر الزمان قومٌ يُتّبع فيهم قومٌ مراؤون يتقرؤون ويتنسّكون، حُدثاء سفهاء، لا يوجبون أمراً بمعروف ولا نهياً عن منكر، إلّا إذا أمنوا الضرر، يطلبون لأنفسهم الرُخَص والمعاذير، يتّبعون زلات العلماء وفساد عملهم، يُقبلون على الصلاة والصيام وما لا يُكلّفهم في نفسٍ ولا مال، ولو أضرّت الصلاة بسائر ما يعملون بأموالهم وأبدانهم لرفضوها كما رفضوا أسمى الفرائض وأشرفها. إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة عظيمة بها تقام الفرائض، هناك يتمّ غضب الله – عزّ وجلّ – عليهم فيعمّهم بعقابه، فيهلك الأبرار في دار الفجّار والصغار في دار الكبار.
إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء ومنهاج الصلحاء، فريضة عظيمة بها تقام الفرائض، وتأمن المذاهب، وتحلّ المكاسب، وتُرَدُّ المظالم، وتعمر الأرض، وينتصف من الأعداء، ويستقيم الأمر، فأنكروا بقلوبكم والفظوا بألسنتكم، وصكّوا بها جباههم، ولا تخافوا في الله لومة لائم، فإنّ اتّعظوا وإلى الحقّ رجعوا فلا سبيل عليهم (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (الشورى/ 42). هنالك فاهدوهم بأبدانكم وابغضوهم بقلوبكم، غير طالبين سلطاناً، ولا باغين مالاً، ولا مريدين بظلم ظفراً، حتى يفيئوا إلى أمر الله، ويمضوا على طاعته.
2- وقال أمير المؤمنين (ع) بعد قوله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (التوبة/ 71)، فبدأ الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة منه لعلمه بأنّها إذا اُدّيت وأُقيمت استقامت الفرائض كلّها هيّنها وصعبها. وذلك أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعاء إلى الإسلام مع ردّ المظالم ومخالفة الظالم، وقسمة الفيء والغنائم، وأخذ الصدقات من مواضعها ووضعها في حقّها".
مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
1- قال النبيّ (ص): "من رآى منكم منكراً فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان".
2- وعن عبدالرحمن بن أبي ليلى الفقيه قال: إنّي سمعت عليّاً (ع) يقول يوم لقينا أهل الشام:" أيّها المؤمنون إنّه مَن رآى عدواناً يعمل به ومنكراً يُدعى إليه فأنكره بقلبه فقد سلم وبريء، ومن أنكره بلسانه فقد أجر وهو أفضل من صاحبه، ومَن أنكره بالسيف لتكون كلمة الله العليا وكلمة الظالمين السفلى فذلك الذي أصاب سبيل الهدى، وقام على الطريق، ونوّر في قلبه اليقين".
3- وقال الإمام عليّ (ع): "فمنهم المنكِرُ للمنكَر بقلبه ولسانه ويده فذلك المستكمل لخصال الخير، ومنهم المنكِرُ بلسانه وقلبه التاركة بيده فذلك متمسّك بخصلتين من خصال الخير ومضيّع خصلة، ومنهم المنكِرُ بقلبه التارك بيده ولسانه فذلك الذي ضيّع أشرف الخصلتين من الثلاث وتمسّك بواحدة، ومنهم تاركٌ لإنكار المنكر بلسانه وقلبه ويده فذلك ميّت الأحياء. وما أعمال البرّ كلّها والجهاد في سبيل الله عند الأمر والنهي عن المنكر إلا كنفثةٍ في بحرٍ لجّيٍّ، وإنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقرّبان من أجلٍ ولا ينقصان من رزق، وأفضل من ذلك كلمة عدلٍ عند إمامٍ جائر.
من يجب عليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
1- عن مسعدة بن صدقة قال: "سمعت أبا عبدالله (ع) وقد سُئل عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أواجبٌ هو على الأُمّة جميعاً؟ فقال: لا، فقيل له، ولم؟ قال: إنّما هو على القوي المطاع، العالم بالمعروف من المنكر، لا على الضعيف الذي لا يهتدي سبيلاً إلى أيٍّ من أيّ، يقول من الحق إلى الباطل، والدليل على ذلك كتاب الله عزّ وجلّ قوله: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (آل عمران/ 104)، فهذا خاصّ غير عامّ كما قال الله عزّ وجلّ: (وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) (الأعراف/ 159)، ولم يقل: على أمّة موسى ولا على كلّ قومه، وهم يومئذٍ أممٌ مختلفة، والأُمة واحدة فصاعداً كما قال الله عزّ وجلّ: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ) (النحل/ 120)، يقول: مطيعاً لله عزّ وجلّ".
2- عن أبي عبدالله الصادق (ع) قال: "إنّما يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر من كانت فيه ثلاث خصال: عالمٌ بما يأمر به، تاركٌ لما ينهى عنه، عادلٌ فيما يأمر، عادلٌ فيها ينهى، رفيق فيما يأمر، ورفيقٌ فيما ينهى".
التعامل مع أهل المعاصي:
1- قال تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) (النساء/ 140).
2- وقال تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (الأنعام/ 68).
3- وقال أمير المؤمنين (ع): "أمرنا رسول الله (ص) أن نلقى أهل المعاصي بوجوهٍ مكفهرّة".
4- عن غياث بن إبراهيم قال: كان أبو عبدالله (ع) إذا مرّ بجماعةٍ يختصمون لم يَجزهم حتى يقول ثلاثاً: اتّقوا الله اتّقوا الله يرفع بها صوته.
5- وقال أبو عبدالله الصادق (ع) لابن المغيرة: "ما يمنعكم إذا بلغكم عن الرجل منكم ما تكرهون ما يدخل علينا به الأذى أن تأتوه فتؤنّبوه وتعذلوه وتقولوا له قولاً بليغاً، فقلت له: جُعلت فداك، إذاً لا يطيقون ولا يقبلون منّا، فقال: اهجروهم واجتنبوا مجالسهم".
6- وقال أمير المؤمنين (ع) في وصيّة له لكميل بن زياد: "يا كميل قل الحقّ على كلّ حال، ووادّ المتّقين، واهجر الفاسقين، يا كميل جانب المنافقين ولا تصاحب الخائنين، إيّاك والتطرّق إلى أبواب الظالمين والإختلاط بهم والإكتساب منهم، وإيّاك أن تطيعهم وأن تشهد مجالسهم بما يُسخط الله، يا كميل إن اضطررت إلى حضورها فداوم ذكر الله تعالى والتوكّل عليه، واستعذ بالله من شرّهم، واطرق عنهم، وأنكر بقلبك فعلهم، واجهر بتعظيم الله عزّ وجلّ، وأسمعهم فإنّهم يهابوك وتُكفى".
الراضي بالمنكر كفاعله:
1- قال رسول الله (ص): "من شهد أمراً فكرهه كان كمن غاب عنه، ومن غاب عن أمر فرضيه كان كمن شهده".
2- وعن أبي عبدالله الصادق (ع) قال: "حسب المؤمن عذراً إذا رآى منكراً أن يعلم الله من نيّته أنّه له كاره".
3- سُئل الإمام الرضا (ع): "لأي علّة أغرق الله عزّ وجلّ الدنيا كلّها في زمن نوح (ع) وفيهم الأطفال ومن لا ذنب له؟ فقال... وسائرهم اُغرقوا برضاهم بتكذيب المكذّبين، ومن غاب عن أمرٍ فرضي به كان كمن شاهده وأتاه".
من يرى المعروف منكراً والمنكر معروفاً:
1- قال النبي (ص): "كيف بكم إذا فسدت نساؤكم وفسق شبابكم، ولم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر، فقيل له: ويكون ذلك يا رسول الله؟ فقال: نعم، وشرٌّ من ذلك، كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف؟ فقيل له: يا رسول الله، ويكون ذلك؟ قال: نعم، وشرٌّ من ذلك، كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً؟"
عقاب التاركين للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
1- روي عن النبي (ص) أنّه قال: "لا يزال الناس بخيرٍ ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البرّ، فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات، وسلّط بعضهم على بعض، ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء".
2- وعن أبي جعفر الباقر (ع) قال: "أوحى الله عزّ وجلّ إلى شعيب النبي (ع) إنّي معذّب من قومك مائة ألف، أربعين ألفاً من شرارهم وستّين ألفاً من خيارهم، فقال (ع): يا ربّ هؤلاء الأشرار، فما بال الأخيار؟ فأوحى الله عزّ وجلّ إليه: داهنوا أهل المعاصي ولم يغضبوا لغضبي".
3- وعن محمّد بن عرفة قال: سمعت أبا الحسن (ع) يقول: "لتأمرنّ بالمعروف ولتنهنّ عن المنكر أو ليستعملن عليكم شراركم فيدعوا خياركم ولا يستجاب لهم".
4- وعن أبي عبدالله (ع) قال: "أيّما ناشىء نشأ في قومه ثمّ لم يُؤدّب على معصية كان الله أوّل ما يعاقبهم به أن يُنقص في أرزاقهم".
5- وقال أمير المؤمنين (ع): "إنّ الله لا يعذّب العامّة بذنب الخاصّة إذا عملت الخاصّة بالمنكر سرّاً من غير أن تعلم العامّة، فإذا عملت الخاصّة بالمنكر جهاراً فلم تغيّر ذلك العامّة استوجب الفريقان العقوبة من الله عزّ وجلّ".
6- وعن أبي عبدالله الصادق (ع) قال: "ما أقرّ قومٌ بالمنكر بين أظهرهم لا يغيّرونه إلا أوشك أن يعمّهم الله بعقابٍ من عنده".
7- وقال رسول الله (ص): "إذا لم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر ولم يتّبعوا الأخيار من أهل بيتي سلّط الله عليهم شرارهم، فيدعوا خيارهم فلا يستجاب لهم".
الأمر والنهي للأهل والأقارب:
1- عن أبي عبدالله الصادق (ع) قال: "لمّا نزلت هذه الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) (التحريم/ 6)، جلس رجل من المسلمين يبكي وقال: أنا عجزت عن نفسي، كُلِّفتُ أهلي؟ فقال رسول الله (ص): حسبك أن تأمرهم بما تأمر به نفسك، وأن تنهاهم عمّا تنهى عنه نفسك".
2- وعن أبي بصير في قول الله عزّ وجلّ: (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) قلت: كيف أقيهم؟ قال: تأمرهم بما أمر الله وتنهاهم عمّا نهاهم الله، فإن أطاعوك كنت قد وقيتهم، وإن عصوك كنت قد قضيت ما عليك.
قال رسول الله (ص):
"لا تزول قدما عبدٍ حتى يُسْألَ عن أربعٍ: عن عُمرهُ فيمَ أفناهُ، وعن جسدهِ فيمَ أبلاهُ، وعن مالِه فيم أنفقهُ ومن أيْنَ اكتسبَهُ، وعن محبّتنا أهل البيت".►
المصدر: مجلة رسالة الثقلين/ العدد الخامس لسنة 1993م
ارسال التعليق