• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

هدي القرآن وشهر رمضان

عمار كاظم

هدي القرآن وشهر رمضان

نلتقي في شهر رمضان بالقرآن، النور الذي يشرق في عقولنا وقلوبنا وحياتنا، ويهدينا إلى سُبُل السلام، لنتّبع رضوان الله من خلال عطاءات هذا الكتاب الكريم وبركاته وفيوضاته. إنّ تدبّر القرآن الكريم وقراءته، والسعي إلى فهم معانيه، واستلهام ما فيه من توجيهاتٍ ومواعظ تهذِّب الناس وتربّيهم على كلّ معنى وقيمة ترفع من شأنهم، من الأُمور الهامّة والضرورية التي من المفترض أن نجعلها نصب أعيُننا، فعلى مدار السنة، ربّما لا يكلِّف البعض نفسه العناء لتناول كتاب الله ومحاولة قراءته وتدبّره وفهمه، إذ يبقيه أسير الرفوف، ولا يكاد يستمع إليه إلّا في المناسبات، ويمرّ عليه مرور الكرام. وفي هذا الشهر الفضيل، هناك فرصة كي ننتبه ونلتفت إلى كتاب الله تعالى، ونحيي نفوسنا به، عبر تدبُّره والالتفات إلى تعاليمه، ومعايشتها فهماً وقولاً وعملاً، لنستحقّ أن نكون من حملته والساعين إلى أن نحيا به، فنسقي قلوبنا الظمأى من معينه، ونستعبر من ذكره، ونتعظ من مواعظه، ونقف عند دعوته، فنتفكّر فيها، ونأخذ منها ما يعيننا على قضاء حوائجنا وإصلاح أوضاعنا بما ينفعنا في دنيانا وآخرتنا.

ولعلّ اختصاص هذا الشهر بنزول القرآن يدلّنا على ارتباط العبادة المشروعة فيه، وهي الصوم، بعبادة أُخرى هي الاحتفاء بكتاب الله بتلاوته ومدارسته، والأخذ من علمه وعلومه حتى يفيض الله على الصائمين من بركاته ومن نفحاته العلم والحكمة، والبصر بأُمور الدِّين والدُّنيا فتزكو النفس، وتخضع لذكر الله وتبتعد عن الآثام. «إنّ لربّكم في أيّام دهركم لنفحات ألا فتعرّضوا لها». وإذا كان القرآن قد أُنزل في رمضان، فقد أُنزل كذلك في ليلة مباركة (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ) (الدخان/ 3)، هذه الليلة هي التي جاءت في قوله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (القدر/ 1)، وهكذا كان من نِعَم الله على المسلمين أن جمع لهم كلّ هذه الفضائل في هذا الشهر المبارك، الذي يتحرّر فيه الإنسان من ربقة الشيطان، ويلوذ بالعبودية لله الواحد الديان، ففي ظلها ومن خلالها يحسّ المخلصون بلذة العبودية لله.

إنّ القرآن يريد أن يبني حياة إنسانية سعيدة يُفاض عليها الخير والبركة من كلّ جانب.. لقد جرَّب الإنسان كلَّ النظريات والقوانين وفلسفات الاجتماع والسياسة والاقتصاد فلم يزدد إلّا محنة وعذاباً وشقاءً في هذه الحياة. لذا يجب على الجميع استخدام أفكارهم، وتسخير عقولهم نحو هذا الكتاب العظيم حتى نتمكّن من الاستفادة منه بمقدار استعدادنا وكما هو عليه. من المهم الإصغاء والانصات عند سماع تلاوة القرآن الكريم لأنّه موجب للرحمة الإلهيّة، قال تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَاَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الأعراف/ 204). وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «يدفع عن قارئ القرآن بلاء الدُّنيا ويدفع عن مستمع القرآن بلاء الآخرة». ومن المهم أيضاً الخشوع في القراءة بتؤدة وترتيل، لقوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (الأنفال/ 2). وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «لا خيرَ في عبادة لا فقه فيها، ولا في قراءة لا تدبّر فيها».

إنّ الصوم الذي يبني نفوسنا وروحنا وأخلاقنا، ويسمو بنا إلى مدارج القُرب من الله، وإلى تعلّم القرآن بشكلٍ ينفعنا ويهذّبنا ويربّينا ويفتح مداركنا، من أفضل ما يمكن لنا أن نتمسّك به ونحافظ عليه، كي نكون ممَّن يستحقّون الشفاعة يوم لا ظلّ إلّا ظلّ الله تعالى. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «تعلَّموا القرآن، فإنّه شافعٌ لأصحابه يوم‏ القيامة». وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً: «الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم ‏القيامة، يقول الصيام: أي ربّ، منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعّني فيه. ويقول ‏القرآن: منعته النوم بالليل فشفعّني فيه، قال فيشفعان».

ارسال التعليق

Top