علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب، الهاشمي القرشي، كان والده أبو طالب من أبرز الشخصيات القرشية والمعروف بسخائه وعدله ومنزلته السامية عند القبائل العربية. وهو عمّ النبي (ص) وألطف أعمامه به، ولما أظهرت قريش عداوته حدب عليه ونصره ومنعه. أمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف. أخوته: من الذكور طالب، عقيل، جعفر، ومن الإناث هند المعروفة بأم هاني، جمانة، ريطة المكنات بأم طالب وأسماء. كنيته (ع): أبو الحسن، أبو الحسين، أبو السبطين، أبو الريحانتين، أبو تراب، وأبو الأئمة. إضافة إلى شرف مصاهرة النبي الأكرم (ص) على ابنته فاطمة (س) وأنه والد الحسنين (ع) سبطي رسول الله والفادي له عندما تآمرت عليه قريش ليلة الهجرة حين مبيته في فراشه للتمويه عليهم وإفشال خطّتهم، الأمر الذي وفّر للنبي الأكرم (ص) هجرة ميسرة ميمونة بعيداً عن أعين الأعداء. وحينما آخى (ص) بين المهاجرين والأنصار آخى بينه وبين علي (ع) فروي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: «علي مع الحقّ والحقّ مع علي». حيث كانت وفاته (ع) ليلة الجمعة ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة بعد أن ضربه ابن ملجم المرادي في مسجد الكوفة ليلة تسع عشرة من نفس الشهر ودفن في الغريّ من نجف الكوفة. ومما يشهد له التأريخ أيضاً أنه مع قوّتة الجسدية الخارقة وشجاعته التي لا نظير لها تراه يتصف بأرفع درجات التواضع والعفو والصبر والحلم، ومع انفتاحه على الناس ومخالطته لهم يتسم بالهيبة والوقار الشديدين. وأولى أمير المؤمنين (ع) لحقّ الراعي والرعية أهمية كبرى على المستويين النظري والعملي وهذا ما تجده جلياً في كلماته، كما في قوله: «لا يجري (الحقّ) لأَحدٍ إِلا جرى عليه ولا يجري عليه إِلا جرى لهُ ولو كان لأَحدٍ أَنْ يجري لهُ ولا يجري عليه لكان ذلك خالصاً لِلَّهِ سُبحانهُ دُونَ خلقه لقدرتهِ على عباده ولعدله في كُلِّ ما جرتْ عليه صُرُوفُ قضائه ولكنَّهُ سُبحانهُ جعل حقَّهُ على العباد أَن يطيعوهُ وجعل جزاءهُمْ عليه مضاعفةَ الثواب تفضُّلا منهُ وتوسُّعاً بما هو من المزيد أَهله». ومن وصاياه لعماله على الزكاة: «وَلا تُرَوِّعَنَّ مسلما ولا تجتازن عليه كارها، ولا تأخذن منه أكثر من حق الله في ماله، فإذا قدمت على الحي فانزل بمائهم من غير أن تُخَالِط أبياتهم، ثم امض إليهم بالسكينة والوقار حتى تقوم بينهم فتسلم عليهم، ولا تُخْدِج بالتحية لهم، ثم تقول: عباد الله أرسلني إليكم ولي الله وخليفته؛ لآخذ منكم حقّ الله في أموالكم فهل لله في أموالكم من حقّ فتؤدوه إلى وليه؟ فإن قال قائل: لا. فلا تراجعه، وإن أنعم لك منعم فانطلق معه من غير أن تخيفه أو توعده أو تعسفه أو ترهقه». ومن وصاياه التي أوصى به أبناءه وصيته أنه قال للحسن (ع) والحسين (ع) حين ضربه ابن ملجم: «أوصيكما بتقوى الله، وألا تبغيا الدنيا وإن بغتكما، ولا تأسفا على شي ء منها زوي عنكما، وقولا بالحقّ، واعملا للأجر، وكونا للظالم خصماً وللمظلوم عونا. أوصيكم، وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي، بتقوى الله، ونظم أمركم، وصلاح ذات بينكم، فإني سمعت جدّكما (ص) يقول: صلاح ذات البين أفضل من عامّة الصلاة والصيام. الله الله في الأيتام، فلا تغبوا أفواههم، ولا يضيعوا بحضرتكم. الله الله في جيرانكم، فإنهم وصية نبيكم، ما زال يوصي بهم، حتى ظننا أنه سيورثهم. الله الله في القرآن، لا يسبقكم بالعمل به غيركم. الله الله في الصلاة، فإنها عمود دينكم. الله الله في بيت ربكم، لا تخلوه ما بقيتم، فإنه إن ترك لم تناظروا. الله الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم في سبيل الله. وعليكم بالتواصل والتباذل، وإياكم والتدابر والتقاطع، لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولى عليكم شراركم، ثم تدعون فلا يستجاب لكم. ثم قال: يا بني عبد المطلب! لا ألفيتكم تخوضون دماء المسلمين خوضاً، تقولون: (قتل أمير المؤمنين)، ألا لا تقتلن بي إلا قاتلي. انظروا إذا أنا متّ من ضربته هذه، فاضربوه ضربة بضربة، ولا تمثلوا بالرجل، فإني سمعت رسول الله (ص) يقول:«إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور». فأما السخاء والجود فحاله فيه ظاهرة، وكان يصوم ويطوي ويؤثر بزاده، وروي أنه لم يكن يملك إلا أربعة دراهم، فتصدق بدرهم ليلاً، وبدرهم نهاراً، وبدرهم سراً، وبدرهم علانية، فأنزل فيه: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً) (البقرة/274). كما كان أحلم الناس عن ذنب، وأصفحهم عن مسيئ. وأما سجاحة الأخلاق، وبشر الوجه، وطلاقة المحيا، والتبسم: فهو المضروب به المثل فيه حتى عابه. من حيث شجاعته فإنه أنسى الناس فيها ذكر من كان قبله، ومحا اسم من يأتي بعده، ومقاماته في الحرب مشهورة يضرب بها الأمثال إلى يوم القيامة، وهو الشجاع الذي ما فر قط، ولا إرتاع من كتيبة، ولا بارز أحداً إلا قتله، ولا ضرب ضربة قط فاحتاجت الأولى إلى ثانية، وفي الحديث «كانت ضرباته وتراً». كان أعبد الناس وأكثرهم صلاة وصوماً، ومنه تعلم الناس صلاة الليل، وملازمة الأوراد وقيام النافلة، وما ظنك برجل يبلغ من محافظته على ورده أن يبسط له نطع بين الصفين ليلة الهرير، فيصلي عليه ورده، والسهام تقع بين يديه وتمر على صماخيه يميناً وشمالاً، فلا يرتاع لذلك، ولا يقوم حتى يفرغ من وظيفته! وما ظنك برجل كانت جبهته كثفنة البعير لطول سجوده. وأنت إذا تأمّلت دعواته ومناجاته، ووقفت على ما فيها من تعظيم الله سبحانه وإجلاله، وما يتضمنه من الخضوع لهيبته، والخشوع لعزته والاستخذاء له، عرفت ما ينطوي عليه من الإخلاص، وفهمت من أيّ قلب خرجت، وعلى أيّ لسان جرت!. وأما الزهد في الدنيا فهو سيد الزهاد، وبدل الأبدال، وإليه تشدّ الرحال، وعنده تنفض الأحلاس، ما شبع من طعام قط.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق