• ٧ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٥ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الشاي في ثقافة الصحراء المغربية

الشاي في ثقافة الصحراء المغربية
◄من العناصر الأساسية، التي تدخل ضمنها مكونات ثقافية وشعبية محددة، تأتي ثقافة شرب الشاي. والملاحظ في هذا الإطار أنّ الشاي هو المشروب الشعبي، الذي له حضور أكبر مقارنة مع غيره من المشروبات في حياة القبيلة، إذ يحرص أهل الصحراء على احترام تقاليد إعداده. يُعتبر مشروب الشاي في المجتمع عادة تقام في مجالس ومناسبات خاصة، له دلالات رمزية تارة، وأسطورية تارة أخرى، يحملها حرف – الجيم – تبعاً للدورات الثلاث التي يتم فيها تحضير كؤوس الشاي الثلاث وفق طقوسها المعتادة. وهذه الجيمات، هي: ·       الجماعة: أي الدردشة ·       الجر: بمعنى قضاء أكبر وقت ممكن في الجلسة ·       الجمر: أي ضرورة توافر الجمر الكافي لتحضير الشاي. وتتصل طقوس تهيئته، إلى جانب ذلك بثلاث تيمات أو موضوعات تحيل على معانٍ معينة، "فالكأس الأولى تكون أكثر الكؤوس الثلاث مرارة، ولذلك فهي ترمز للموت، والثانية تكون حلوة وترمز للحب، والثالثة تكون خفيفة وترمز للحياة". إنّ أهمية الشاي بالنسبة لهذا المجتمع وفي عموم الصحراء المغربية، لا تكمن في قيمته كمشروب، بالقدر الذي تتصل برموزه الثقافية، حيث يمثل علامة بارزة للبرهنة على الكرم وحسن الحفاوة، كما أنّه من أوْلى ما يستحسن أن يستقبل به المدعو كقرى عند استضافته، ولهذا يقلَ أن تجد بيتاً صحراياً لا يتوفر على كمية كبيرة من مادة هذا المشروب الغالي ذي المكانة الكبيرة في نمط تفكير الناس وأسلوب عيشهم، ثمّ نجد بالإضافة إلى ذلك، مما هو متواضع عليه من تقاليد مرتبطة بهذا المشروب الشعبي، أن زمن الالتفاف حول صينية "الآتاي" تكون في الغالب أثناء الليل، باعتباره اللحظة المحببة للنفوس والساعة التي يحلو فيها السهر والمسامرة، إذ يستحيل أن تقام جلسة في الليل من دونها؛ أي الصينية أو "الطبلة" كما هو معروف، لكونها مركز الاجتماع والاستمتاع بأطيب الأقاويل في الشعر والحكمة، وفي تبادل الأحاديث والنقاشات في الامور التي تهم الحياة بشكل عام.. وكلما كان عدد الأفراد الحاضرين في الجماعة كثيراً، ازدادت فرصة الاستئناس باللحظة أكثر وتقوت حظوظ تبادل الإفادات في الجلسة. أما طقوس إدارة الصينية، فتبدأ قبل مراقبة طريقة مُعد الشاي، استناداً إلى إجراءات صارمة تتحكم في حسن اختيار هذا الأخير، بحيث لا يمنح شرف تولي مهمة تحضيره، إلا لمن استوفى شروط ذلك، ومنها أن يحمل نسباً عريقاً، وأن يكون ذا سيرة حسنة، مرفوقة بضرورة اتسامه باللباقة، وخلوقاً يجيد إلى جانب ذلك فن الحديث والاستماع، واحترام عادات التحضير المتعارف عليها بمهارة، وذلك بمراعاة الجيمات الثلاث وفقاً لكل دورة شاي، مع جرأته وقدرته على أخذ زمام المبادرة في النقاش، والأخذ بعين الاعتبار كل ما يستوجبه ذلك من جودة وإتقان ومهارة تلازمه من البداية حتى نهاية السمر.. وغيرها من الشروط المصاحبة لهذه العملية، وهي على كثرتها، ينبغي ألا تفهم كتكليف يلقى على عاتق من يسيرها، بل يجب أن تفهم بالعكس من ذلك، على أنها شارة تشريف وحظوة لا ينالهما من الجالسين، إلا من هو أهل لهما، ممن ابتسم له الحظ ونال هبة القبول، وله فوق كل هذا موقع اعتباري في قلوبهم. وبالإضافة إلى ذلك، يحمل هذا الطقس وتلك الطريقة في الاختيار، دلالة عميقة لإظهار الهالة التي يتم إضفاؤها على الجلسة، والمرتبة التي يحوزها الشاي في حياة القبيلة كمشروب شعبي، والمستمدة منه غالباً في ما تتصل به عملية تشحيره من معان ودلالات ثقافية عديدة منغرسة في عادات وتقاليد أصيلة وثابتة، تختلف كثيراً عن طرق إعداده في شتى مناطق المغرب وروافده المختلفة. من جهة أخرى، يبدو أنّ الشاي ليس هو المكون الثقافي الوحيد، الذي ترتبط به بعض المعاني العميقة التي تكسبه علامات، تتجاوز تفسيرها البسيط، إلى تأويلات ذات بعد أسطوري، بل هناك بموازاة ذلك مكونات أخرى لها دلالات رمزية، ومعان ثقافية خفيفة لها عمق ديني وأسطوري، وتمثل الأرقام غير الثنائية أنموذجاً لذلك، خاصة منها: ثلاثة وخمسة وسبعة. وفي هذا الصدد يشير المؤلف قائلاً: "فالرقم 5 في ثقافة هذه الجماعة البشرية، يشير إلى أركان الإسلام الخمسة وعدد الصلوات، ويعبر عن أفضل طريقة لاتقاء عيون الحاسدين". وجرياً على عادة عدد كثير من قبائل الصحراء، فإن مجرد أمور بسيطة في الحياة اليومية، تكتسب إلى جانب الأرقام تفسيرات ميتافيزيقية خاصة. فالحذاء المقلوب مثلاً: "قد يعني قدوم الخراب، ووجود حذاء فوق آخر قد يشير إلى سفر صاحبه (...) وندرة المطر في الموسم الفلاحي، تدل على قلة البركة في من نحر ناقته".►   المصدر: مجلة البيت العربي/ العدد (21) لسنة 2013م

ارسال التعليق

Top