• ٢٧ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٨ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

فوائد الإيمان وآثاره

عمار كاظم

فوائد الإيمان وآثاره

قال تعالى في محكم كتابه: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) (فصّلت/ 8). للإيمان آثار عديدة من ناحية بثّ السرور والانبساط، ومن ناحية تحسين الروابط الاجتماعية، ومن ناحية رفع أو تقليل الآلام التي هي من لوازم هذا الكون.

ولمّا كان الإيمان يمنح انطباع الإنسان عن الكون شكلاً خاصاً فيعتبر الخلقة هادفة، والهدف منها هو الخير والسعادة والتكامل، فمن الطبيعي أنّ نظرة الإنسان ستكون متفائلة بالنسبة إلى النظام الكلي للوجود والقوانين المسيطرة عليه. يقول تولستوي الكاتب والمفكِّر الروسي: «الإيمان هو ذلك الشيء الذي يحيا به الناس». أجل فالإيمان هو الذي يمنح حياتنا الداخلية السعة ويحول دون ضغط العوامل الروحية.

والأثر الثاني للإيمان من ناحية السرور والانبساط هو «الإشراق القلبي». لما كان الإنسان بحكم إيمانه ينظر إلى الكون مشرقاً بنور الحقّ والحقيقة فإنّ هذه الرؤية المشعّة هي التي تضيء آفاق روحه وتصبح مشعلاً ينير أعماقه. والأثر الثالث للإيمان من حيث بثّ السرور والانبساط هو «الأمل» في النتيجة الطيِّبة للمحاولات الشريفة.

فمن وجهة نظر المنطق المادّي يكون الكون محايداً بالنسبة إلى الناس الذين يتحرّكون في طريق الحقّ أو طريق الباطل، في طريق العدالة أو طريق الظلم، في طريق الاستقامة أو طريق الانحراف. ونتيجة أعمالهم تتوقف على شيء واحد فقط وهو «مقدار المحاولة». أمّا في منطق الإنسان ذي الإيمان فإنّ الكون ليس محايداً في نزاع هاتين الفئتين، ورد فعل الكون إزاء هاتين المحاولتين ليس واحداً وإنّما المخلوقات كلّها تعضد الأفراد الذين يسيرون في طريق الحقّ والاستقامة والعدالة وحبّ الخير: (إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ) (محمّد/ 7). ومعنى أن تنصروا الله هو إن سرتم في طريق الحقّ. و(إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (التوبة/ 120).

والأثر الرابع للإيمان في بثّ السعادة والانبساط هو «هدوء البال». فالإنسان بفطرته باحث عن سعادة نفسه، بحيث يغرقه في الفرح نفس تصوّره للظفر بالسعادة، وتغمره بالاضطراب والحزن فكرة المستقبل النحس المقرون بالحرمان.

والإيمان يمنح الإنسان – الذي هو الطرف الأوّل – الاعتماد والاطمئنان بالكون – الذي هو الطرف الثاني في القضية – وحينئذ يزول خوف واضطراب الإنسان من كيفية مسير الكون، ويحلّ محلّه هدوء البال. وهذا هو معنى قولنا: إنّ أحد آثار الإيمان هو «هدوء البال». وهناك أثر آخر للإيمان من ناحية بثّ السعادة، وهو التمتع بأكبر نسبة من سلسلة اللذات التي يطلق عليها: «اللذات المعنوية»، فللإنسان لونان من اللذات:

أحدهما: تلك اللذات التي تتعلق بإحدى حواس الإنسان والتي تحصل نتيجة لارتباط خاص بين عضو من أعضائه ومادّة خارجية. مثل اللذة الحاصلة للعين بالرؤية وللأذن بالسماع وللفم بالتذوق ولحواس اللمس بالمباشرة. ثانيهما: تلك اللذات التي ترتبط بالوجدان وعمق الروح الإنساني ولا علاقة لها بأي عضو معيّن. وهذه اللذات لا تحصل نتيجة لعلاقة خاصّة مع مادّة خارجية. مثل اللذات الحاصلة للإنسان عند الخدمة أو الإحسان أو الحبّ والاحترام أو نجاحه أو نجاح أولاده. فهذه لا تتعلق بعضو خاص ولا تتمّ بتأثير عامل مادّي خارجي بصورة مباشرة. واللذات المعنوية أقوى من اللذات المادّية وأكثر دواماً. ولذة العبادة لله عند المؤمنين العارفين والمحبّين للحقّ من هذا اللون من اللذات. والعابدون العارفون الذين يؤدِّون عبادتهم بأكمل وجه من الخضوع والحضور والاستغراق، هؤلاء يلتذّون بعبادتهم تلك بأرفع ألوان اللذة. وقد أطلق الدِّين على ذلك أسماء خاصّة من قبيل «طعم الإيمان» و«حلاوة الإيمان» فللإيمان حلاوة تفوق كلّ الحلاوات، وتتضاعف اللذّة المعنوية عندما تصبح الأعمال من قبيل الكسب والعلم والإحسان والخدمة والنجاح والانتصار ناشئة من الحسّ الديني وتُنجَز من أجل الله وتدخل ضمن «العبادة».

ارسال التعليق

Top