1- حقيقة الإسلام:
قال تعالى في خطابه لأبي الأنبياء (ع): (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (البقرة/ 131-132).
- التطبيق الحياتي: ملّة إبراهيم (ع) هي ملّة التوحيد، والانقياد، والإخلاص لله، وملّة الإسلام قديمة دعا إليها الأنبياء جميعاً، فالإسلام – لغةً – الخضوع والانقياد للمُسلَّم إليه (الله)، وليس كلّ إسلام إيمان، لكن كلّ إيمان إسلام.
قال تعالى: (قَالَتِ الأعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا) (الحجرات/ 14)، فالإسلام ظاهر، والإيمان باطن، والإسلام شهادة والإيمان عمل.
والإسلام هو الدِّين، قال تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ...) (آل عمران/ 19).
ووصيّة إبراهيم (ع) دائميّة، نحن مشمولون بها، ومدعوّون للالتزام بالإسلام والمداومة عليه حتّى الموت؛ لأنّه دين الحقّ الذي اصطفاهُ لنا ربّنا.
قال عزّوجلّ: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران/ 85).
فالإسلام لله دين إنساني لا تحلّ المشكلة الاجتماعية العالمية إلّا به، السبب واضح ومهم، وهو أنّه ليس أطروحة حلّ وبشرية، بل هو أطروحة حلّ ربانية.
قال جلّ وعلا: (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا) (النساء/ 125).
وقال سبحانه: (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأمُورِ) (لقمان/ 22).
إسلام الوجه: الخضوع التام والاستسلام الكلِّي بحيث يترك المسلم وجهه لله تعالى أن يحدِّد له وجهته.
قال تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) (البينة/ 5).
2- حقيقة الإيمان:
قال تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (البقرة/ 177).
- التطبيق الحياتي: الإيمان هو أن يتحوّل الإنسان المسلم إلى شخصية إسلامية: بفكرٍ إسلامي، وعاطفة إسلامية، وسلوك إسلامي، وعلاقات إسلامية، ومواقف منسجمة مع الدِّين الذي هو عماد هذه الشخصية.
البرُّ هنا يرتبط بالجانب العملي للحياة، والبرّ العملي (وهو التوسّع في فعل الخير)، برٌّ فكري وعقيدي، فالعقيدة الإسلامية هي التي تعطي العمل دوافعه، فلا يكتفي المؤمن بالإيمان دون العمل. والإسلام ينظر إلى الخير من خلال نموذجه المجسّد له، والمؤمن الذي يعيش الجفاء والجفاف والسلبية هو في غفلة من إيمانه.
الإيمان كلُّ يتجزّأ، والشخصية الإسلامية تُمثِّل منظومة قيمية: إيمان بالله ورسالاته ورسله، والانفتاح على حاجات الناس، والصِّلة بالله من خلال (الصلاة)، لتتفجّر معاني الخير والشعور بالمسؤولية، والعطاء العملي (الزكاة)، و(الوفاء بالعهد)، تعبيراً عن الصِّدق الداخلي، ومراعاةً لسلامة المجتمع في علاقاته، و(الصِّدق) في المواقف العملية كونه يُجسِّد الحقيقة، و(التقوى) التي غايتها رضا الله دائماً.
تلك هي الأسس التي ننطلق منها نحو حياة خيِّرة.
وقال عزّوجلّ: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) (العنكبوت/ 2-3).
- التطبيق الحياتي: الإيمان عملٌ كلّه، وفكرٌ يتحرّك في العقل والقلب والحياة، فلابدّ من دليل يدلّ عليه، فهل يكفي أن يقول شخص عن نفسه إنّه بَطَل ونُصدِّقُ ادِّعاءه، أم أنّنا نطالبه بإثبات حقيقة بطولته؟!
- التجربة الحيّة تُظهر الجانب الخفيّ من شخصية الإنسان، وعند الامتحان يُكرَم المرءُ أو يُهان، وكلّ امتحان تقوية للإيمان، وإبراز لأفضل ما هو موجود من خصال داخل الإنسان المؤمن. إنّ النار تُنَقِّي الذهب ليكون خالصاً من الشوائب، فيغدو معدناً نفيساً، والماس أصله فحم، ولكنّه من شدّة الضغط والحرارة يتحوّل إلى ألماس غالي الثمن، وكذلك المؤمن المُبتلى.
إنّ الابتلاءات والامتحانات التي نتعرّض لها، تُبَيِّنُ (الإيمان الشكلي) من (الإيمان الحقيقي) والسباحة ضدّ التيّار شأن الأقوياء، وأمّا الضعفاء فيسبحونَ في المياه الهادئة، ومع مجرى التيار.
معنى الآية التي تريد أن تقولها، هي: إنّ الدخول في الإسلام ليس نزهة، وليس استرخاءً وليس هروباً من مواقع تزدحم فيها مشامل الحياة، بل هو حركةٌ في داخل المعاناة، ورحلة إلى الله في الدّروب الشائكة، وبالتالي فلا يتساقط من الغربال (المنخل) سوى الناعم من الحبوب.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق