• ٧ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٥ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

في حضرة الشهر الفضيل...

في حضرة الشهر الفضيل...

◄أهلّ علينا شهرٌ عظيمٌ كريمٌ، يجمَع قلوب المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، على عمل واحد وعبادة مشتركة في طاعة الله سبحانه وتعالى ورسوله (ص). ندعو الله سبحانه وتعالى أن يجعله شهراً مباركاً علينا جميعاً.

جاء الشرع الحنيف بفريضة صوم شهر رمضان، وأوجب على كلّ مسلم القيام بها، ومراعاة أركانها وسننها وآدابها، والحكمة التي شُرعت لأجلها، وهي تدريب النفس على مخالفة رغباتها وتهذيبها وتزظيتها، وتصفية القلوب وتنبيه أصحاب الأموال إلى أهمية سد احتياجات الفقراء لتحقيق التقوى المنشودة من الصيام.

إنّ الصوم ركن مهم من أركان الإسلام الخمسة، ومعناه في اللغة: الإمساك عن الشيء. والصوم في الشرع هو: الامتناع عن الطعام والشراب والجماع وغيرها، من مطلع الفجر حتى غروب الشمس طاعة لأمر الله سبحانه وتعالى. وقد فرض الله تعالى صيام شهر رمضان على المسلمين.

ويُعتبر صوم شهر رمضان من أركان الإسلام الخمسة، وهي الأساس في تكوين شخصية المسلم وتثبيت عقيدته الراسخة في العبادات. والصوم واجب في الكتاب والسنّة والإجماع، على كلّ من اكتملت فيه شروط الوجوب، وهي: الإسلام والبلوغ، حيث يجب أن يكون عاقلاً قد بلغ سن الرشد، العقل بمعنى أن يكون عاقلاً مدركاً لكلّ عبادة من العبادات التي يقوم بها، القدرة على الصيام بحيث لا يكون عاجزاً بمرض أو مسن، والطهارة الكاملة للنساء وهي النقاء من الحيض والنفاس. ومن دلائل ذلك قول الله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ...) (البقرة/ 185). وقال رسول الله (ص): "بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأنّ محمّداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم شهر رمضان، وحج البيت".

 

هلال رمضان:

يجب على المسلمين التأكد من أنّ شهر رمضان ثَبُت هلاله ليبدؤوا صيامه، ويَثْبُت ذلك: اكتمال شعبان 30 يوماً. رؤية هلال رمضان من شاهدي عدل.

أمّا الفطر فلابدّ من عَدْلَين. رؤية جماعة مستفيضة يستحيل تواطؤهم على الكذب وإن لم يكونوا عُدولاً. ويثبُت الفطر بتمام رمضان ثلاثين يوماً، ورؤية هلال شوال مِن عَدْلَين أو جماعة مستفيضة كما ذُكر في ثُبوت رمضان.

وهذا لأنّ الشرع أناط الصوم والفطر والحج برؤية الهلال. حيث قال رسول الله (ص): "صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غُمّ عليكم فأكملوا عدّة شعبان ثلاثين".

 

أركان الصوم وآدابه:

الصوم عبادة كاملة متكاملة، فيها النية الخالصة لله سبحانه وتعالى، ينوي فيها المسلم صيام شهر الرحمة والمودّة، ويكون نموذجاً لقوة الإرادة بصيامه ونيّته بأن يكون صومه خالصاً لوجه الله سبحانه وتعالى. وللصوم أركان وآداب، أما الأركان فهي:

أوّلاً: النيّة، وهي شرط أساسي لصحة الصيام، والنيّة مصدرها القلب، كما في الحديث: "إنما الأعمال بالنيات، وإنّما لكُلّ امرئٍ ما نَوَى".

ثانياً: الكَفّ عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غُروب الشمس، لقول الله تعالى: (.. وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ...) (البقرة/ 187). أما مُبطِلات الصوم فهي: الأكل أو الشرب، الجماع نهاراً وقت الصيام، ورفض نيّة الصوم عمداً.

أما آداب الصيام كما أمرنا رسول الله (ص) فهي:

أوّلاً: السحور، قال رسول الله (ص): "تسحّروا فإنّ في السجور بركةً".

ثانياً: تعجيل الإفطار، لقول رسول الله (ص): "لا يزال الناس بخيرٍ ما عجّلوا الفِطْرَ".

ثالثاً: الدعاء عند الفطر، قال رسول الله (ص): "إنّ للصائم عند فطره لدعوةً ما تُرَدّ".

كما أوصى رسول الله (ص) بعدم الإفراط في الطعام، حيث قال: "ما ملأ آدمي وعاءً شرّاً من بطن، بحسب ابن آدم أُكُلاتٌ يُقِمنَ صُلبَهُ، فإن كانَ لا محالة: فثُلُثٌ لطعامِهِ، وثُلُثٌ لشرابه، وثُلُثٌ لنفسه".

ومن هنا يبيِّن لنا رسولنا (ص)، أنّ الصوم رياضة روحية ونفسية وصحية، تهذّب الروح والنفس، وتورث العافية، وتجلب الصحة، وتقوّي البدن، وتبعث في نفس صاحبها الصبر والإيمان، وتضبط الجوارح عن الغيبة والنميمة والكذب والرّياء والشهوات بكلّ أنواعها.

لهذا، يجب على المسلم أن يأخذ الحذر ولا يُفرّط في صيامه مهما كانت الأسباب، وأن يصبر حتى ينال الأجر العظيم، ولا ينسى أنّه يصوم للواحد الأحد الصّمد. لذا، يجب عليه أن يخجل من الله تعالى، وأن يراقب نفسه، ويُحسن العمل لكي يكون صيامه وقيامه مقبولين، وأن يحفظ صيامه ويحرص على تأديته كما أمرنا رسول الله (ص).

 

من فضائل شهر رمضان:

إنّ شهر رمضان له من الفضائل ما لا يُحصى ولا يُعَدّ. لذلك، كان رسول الله (ص) حريصاً على تعريف أمّته، أنّ شهر رمضان هو شهر مُتميّز لِما فيه من العطايا لمن أحسَن صيامه وقيامه والعمل فيه، فهو الشهر الذي ليلة القدر، التي شرّفها الله تعالى على سائر الليالي، بنزول القرآن الكريم فيها جُملةً واحدة من اللّوح المحفوظ إلى بيت العزّة. وهو الشهر الذي أكرمنا الله تعالى فيه بإغلاق أبواب الشياطين حتى يُعطي فرصة لكلّ مذنب أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى. وهو الشهر الذي يصومه المسلم طاعةً لله سبحانه وتعالى، رجاء الحصول على الأجر العظيم، الذي جعله الله سبحانه وتعالى للصائمين. قال رسول الله (ص): "إنّ في الجنّة باباً يُقال له الريّان، يدخُلُ منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم. يقال أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخل منه أحدٌ غيرهم فإذا دخلوا أُغلِق فلم يدخل منه أحدٌ".

هذا عَدَا أنّ للصيام فوائد أخرى عديدة وجليلة، نفسية وصحية واجتماعية. فالصوم يُعلّم الإنسان الصبر وقوة الإرادة، كما أنّه يُذكّرنا بنعم الله تعالى بالتضامن مع الفقراء، عندما نختبر حالة الجوع التي يعيشها كثير من البشر.

ومن الناحية الصحية، فإنّ العلم الحديث أثبت فائدة الصوم على صحة الإنسان، بشرط أن يلتزم بهدي النبيّ (ص) فلا يُسرِف في الطعام والشراب.►

ارسال التعليق

Top