إنّ الإمام الحسين (عليه السلام) إنما نهض للإصلاح وإعادة أمور الدين إلى نصابها. القضية ليست موقفاً شخصياً ذاتياً وإنما هي قضية إنسانية تتعلق بالحفاظ على مصلحة الأُمّة. مسؤولية كلّ فرد من أفراد الأُمّة الإسلامية جمعاء، حراسة مصالح الآخرين. من أهم الخصائص المميزة لنهضة الحسين، هي النظرة الفاحصة والثاقبة التي امتاز بها. لقد علَّمنا الحسين أنّ الثورة من أجل الأمور الكبيرة تحتاج إلى نفوس كبيرة لقيادتها. إذا كان الأبطال يموتون واقفين، لذا دعونا نتأمل ما في هذه الذكرى العظيمة من مواقف وأسباب وأهداف وغايات، ما زالت الأُمّة الإسلامية بحاجة إليها، بل هي أحوج ما تكون إليها في وضعها الحالي المؤلم، فنهضة الحسين كانت ملحمةً حماسيةً إنسانية، ومظهراً من مظاهر العظمة والصفاء والنبل والتضحية والفداء، تستحق التأمل والتفكير العميق. حيث تتمحور ثورة الإمام الحسين من حيث الظاهر حول أمور هامة، أوّلها وربما محركها هو طلب البيعة من الإمام الحسين (عليه السلام) تحت الإكراه والتهديد، وهو يرى أنّ تلبيتها تنطوي على مفسدتين خطيرتين: إحداهما إضفاء المشروعية على الخلافة الوراثية، التي تنفي دور الأُمّة بانتخاب من ترى فيه القدرة والكفاءة على قيادتها إلى ما فيه صلاح أمرها في الدنيا والآخرة. ثانيها فهي أنّ الشخص المطلوب مبايعته كان يبرهن بسلوكه السيء، وفقدانه للأهلية القيادة، على صحة ما يتمخض عنه المنهج الوراثي، من ضياع مصالح الأُمّة في دينها ودنياها، وذلك لعدم التزامه بثوابت الشرع والمجاهرة بمخالفة مبادئه، وفي ذلك هدم لدين الأُمّة ودنياها. كما أنّ الشخص المرشح لوراثة الخلافة يفتقد الحنكة السياسية. ولهذا كان الحسين (عليه السلام) يبين سبب رفضه للبيعة بقوله: «وعلى الإسلام السلام إذا بُليت الأُمّة براع مثل يزيد». فالقضية ليست موقفاً شخصياً ذاتياً وإنما هي قضية إنسانية تتعلق بالحفاظ على مصلحة الأُمّة في وحدتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية. ولأن مجرد وجود شخص غير مناسب في سدة الخلافة، هو تقويض لدعائم الدولة الإسلامية، والحسين قدوة للأُمّة، وعمله جدير بأن يتابعه الناس عليه، فيكون قبوله ترسيخاً للخطأ الذي يهدم قواعد الأُمّة من أساسها، ولذلك كان يقول (عليه السلام): «مثلي لا يبايع مثله أبداً»، فهو يعتبر ذلك تضليلاً للأُمّة وعودة بها إلى حكم الجاهلية. وبهذا نتبين أنّ عامل رفض البيعة لم يكن شخصياً وإنما هو القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يتعلق به صلاح الأُمة. فقد كان الإمام الحسين يقسم بالله ويقول «إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، إنما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدّي، أريد أن أمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب». ولقد كان الواجب المتعلق بالمصلحة العامة وحفظ الدين لا يقبل المهادنة والحلول الوسط، لأن ذلك خيانة للأُمّة وهدر لمقومات مصيرها، والمقصود من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هو الاستفادة من كل الوسائل المشروعة في سبيل الوصول إلى الأهداف السامية وتدعيمها وترسيخها، تطبيقاً لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»، فلا ركون للمنكر، والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «من رأى منكم منكراً فليغيِّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، وإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان». فمسؤولية كل فرد من أفراد الأُمّة الإسلامية، جمعاء، حراسة مصالح الآخرين، وهم مسؤولون عن بعضهم البعض، فكيف إذا تعدى الأمر القضايا الفردية والجزئية، إلى تهديد المصالح العامة وانتشار الظلم وشيوعه». لقد أراد الحسين فتح العيون المغلقة على الحقيقة، وتبصرة من رانت عليهم الغفلة، ومن أصابهم داء التحريف والانحراف، فوقعوا في مهاوي العتمة وغياهب الظلمة، فأبرز لهم الحسين حركة رائدة في سبيل الحق، واقعيةَ المنطلق والغاية، فالحق باعثها وسبيلها ورائدها وسلاحها، وغايتها التي بلغت مداها. إنّ قيمة قيام الإمام على هذا الأساس تضاعفت كثيراً، وأخذ الدرسُ الحسيني وضعيّة خاصة، لأنّ هذه الأسس التي قامت عليها أعطت للنهضة الحسينية جدارتها، فاستحقت تلك النهضة الحياة والخلود. وإن من أهم الخصائص المميزة لنهضة الحسين، هي النظرة الفاحصة والثاقبة التي امتاز بها، وامتلاكه البصيرة بالأشياء، لقد علَّمنا الحسين، أنّ الثورة من أجل الأمور الكبيرة تحتاج إلى نفوس كبيرة لقيادتها، نفوس قادرة على النهوض والتضحية في كل عصر وزمان، نفوس صامدة راسخة رسوخ الجبال الرواسي، تستمد عزمها من مدرسة الحسين الذي قال للمستبكرين «والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر إقرار العبيد»، هكذا يكون التفاوض مع الأعداء، لذلك نرى حاملي شعلة الحق لا يرتابون ولا يترددون كما يتردد المنبطحون على ملذات الدنيا وأموالها ومناصبها الزائلة، فما كان لله فهو المتصل وما كان لغير الله فهو المنقطع والمنفصل.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق