يشكّل العيد مناسبةً للفرح، وموعداً للسرور، وخصوصاً عيد الفطر السعيد، الذي يعتبر بمثابة موسم الحصاد للصائمين، حيث يتلقّون فيه الجوائز الإلهيّة على ما أدّوه من طاعات، وما قاموا به من فرائض طوال هذا الشهر المبارك. هو يوم فرح وسرور لمن صام شهر رمضان بإخلاص وتقوى.
هو العيد الذي أراده الله تعالى لنا فرحاً مستمرّاً يعبِّر عن مدى ارتباطنا به وإخلاصنا له، ويعبِّر عن مدى إقبالنا عليه وعلى كلِّ العبادات التي أوجبها علينا كي تسمو بنا. وإذا أردنا أن نفهم حقيقة العيد وأبعاده، نتوقّف مع كلام الإمام عليّ بن موسى الرِّضا (عليه السلام)، عندما سُئِل: لم جُعل يوم الفطر العيد؟ فقال (عليه السلام): «لأن يكون للمسلمين مجمعاً يجتمعون فيه، ويبرزون إلى الله عزّوجلّ، فيحمدونه على ما مَنَّ عليهم، فيكون يوم عيد ويوم اجتماع ويوم فطر ويوم زكاة ويوم رغبة ويوم تضرّع، ولأنّه أوّل يوم من السنة يحلّ فيه الأكل والشرب، لأنّ أوّل شهور السّنة عند أهل الحقّ شهر رمضان، فأحبّ الله عزّوجلّ أن يكون لهم في ذلك اليوم مجمع يحمدونه فيه ويقدّسونه». وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: «إنّما هو عيد لمن قَبِل الله صيامه، وشكر قيامه، وكلّ يوم لا يُعصَى الله فيه فهو يوم عيد»، يأتي كلام الإمام الحسن (عليه السلام) أيضاً، ليبيّن عظمة يوم عيد الفطر. فعندما مرَّ في يوم فطر بقوم يلعبون ويضحكون، وقف على رؤوسهم وقال: «إنّ الله جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه، فيستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا، وقصَّر آخرون فخابوا. فالعجب كلّ العجب، من ضاحك لاعب في اليوم الذي يُثاب فيه المحسنون، ويخسر فيه المبطلون. وأيم الله، لو كُشِف الغطاء، لعلموا أنّ المحسن مشغول بإحسانه، والمُسيء مشغول بإساءته»، ثمّ مضى.
ولكنّ فرحة العيد تعني المزيد من المسؤولية أمام الله، وتعني التّأكيد أكثر على التزام خطِّه في مواجهة كلِّ الباطل والفساد والانحراف. ففي الحديث: «كلّ يومٍ لا يُعصى الله فيه فهو عيد».. هذا العيد هو شهادة علينا، بأنّنا سنؤكِّد أنّ إرادتنا هي تبعاً لإرادة الله تعالى في مواجهة مَن يحاول كسرها، وأنّ حياتنا كلَّها ستكون في سبيل الله، مهما كانت التحدّيات والظروف قاسية. والعيد مناسبة لتأكيد حضور الله القويّ فينا، فلا يمكن أن ننساه في لحظةٍ من اللحظات، فذكره حيّ على ألسنتنا وفي قلوبنا، والعيد مناسبة تقودنا إلى التحرّر من كلِّ أنانيّات الذّات، فلا نعيش العصبيَّة المقيتة ولا الكراهية ولا الأحقاد، بل نحمل في قلوبنا كلّ الخير وكلّ الحبّ وكلّ السّلام.. وتقودنا أيضاً إلى التحرّر من كلّ شهوات الذات كي نكون العباد لله وحده، لا نسقط ولا نضعف أمام الأهواء والحسابات الدُّنيوية الضيِّقة.
أيّها الناس، فلنعش فرحة العيد بفرحة تجديد اللقاء مع الله تعالى في كلِّ ساحات الحياة، ولنكن المتمسّكين بكتاب الله، العاملين بروحه، والمتوحّدين بالله، والمعتصمين بحبله المتين، والمنفتحين على بعضنا البعض، ولتكن قلوبنا وعقولنا نظيفةً طاهرةً، وعقولنا نظيفة طاهرة، فالعيد مناسبة للتوحُّد وجمع الصف ولمّ الشمل، والالتقاء على حبّ الله ورسوله وأوليائه.
إنّ عيد الفطر هو عيد لمن شعر بلذَّة الطاعة وحلاوتها، والقُرب من الله في شهر رمضان المبارك، ولا يقتصر الأمر فقط على فرحتنا بالإفطار، رغم أهميّة هذه الفرحة، كما جاء في الحديث: «للصائم فرحتان؛ فرحة عند إفطاره، وفرحة عند لقاء ربِّه»، ولكن كلّما شعرنا برضا الله عليّنا أكثر، كانت فرحتنا بالعيد المبارك أكبر. وبحلول العيد نرتدي الثياب الجديدة كتعبيرٍ عن الفرح، ونحاول قدر المستطاع زيارة الأقارب وصله الأرحام، لتكتب لنا البركة إن شاء الله.. وكلّ عام وأنتم بخير.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق