• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

التكافل الاجتماعي للقضاء على الفقر

عمار كاظم

التكافل الاجتماعي للقضاء على الفقر

لقد قسّم الله عزّوجلّ الأرزاق بين العباد، وجعل منهم غنيّاً وفقيراً، قال تعالى׃ (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (الأنعام/ 165). التفضيل في الرزق ابتلاء من المولى عزّوجلّ واختبار في الدُّنيا لكلّ من الغنيّ والفقير لينظر الله سبحانه كيف يتعامل كلٌّ مع مسألته. وإلّا فمال الفقير عند الغنيّ أوجبه الله له بوسائل عدّة، ذكرها في كتابه العزيز وبيّنها رسوله الكريم، من زكاة وصدقة... إلخ. فالله سبحانه وتعالى سخَّر الغنيّ للفقير والفقير للغنيّ، ولا يستطيع أحد أن يحقّق مصالحه دون مساعدة الآخر. قال تعالى׃ (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (الزخرف/ 32).

ومع ھﺫا فالإسلام ينبذ الفقر ويعتبره خطر على العقيدة والأخلاق وسلامة التفكير، بل وحتى على الأُسرة والمجتمع، كما قال الإمام عليّ (عليه السلام): «لو كان الفقرُ رجلاً لقتلته» وأردف (عليه السلام) قائلاً: «الفقر في الوطن غربة، والمال في الغربة وطن». والأُمّة التي تتبع مبادئ دينها، لن تجد فيها فقراً مدقعاً، ﺇﺫ لا يكون الفقر المدقع إلّا ﺇﺫا كان هناك غنى فاحشاً. ﻠﺫا قال أبو ﺫر الغفاري (رضي الله عنه)׃ «عجبت لمن لا يجد القوت في بيته كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه». وما كان له أن يقول ﺫلك لولا أنّه سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول׃ «ما آمن بي مَن بات شبعان وجاره جائع».. فالإسلام دين التكافل الاجتماعي، ولا مجال للفوارق الطبقية في المجتمع المسلم.

فالفقر يُعدُّ انتهاكاً للحقوق الأساسية للإنسان، كما حثّ الإسلام بالاهتمام بمشكلة الفقراء من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية، فعن الإمام عليّ (عليه السلام) ـ لابنه الحسن (عليه السلام): «لا تلُمْ إنساناً يطلبُ قُوته، فمَن عَدِمَ قُوته كَثُرَت خطاياهُ. يا بُنيَّ، الفقيرُ حقيرٌ لا يُسمَعُ كلامُهُ، ولا يُعرَفُ مقامه، لو كان الفقيرُ صادقاً يسمُّونه كاذباً، ولو كان زاهداً يسمُّونه جاهلاً. يا بُنيَّ، مَن ابتُلِيَ بالفقرِ فقد ابتُلِيَ بأربعِ خصالٍ: بالضعف في يقينِهِ، والنُّقصانِ في عقلهِ، والرقَّةِ في دِينِه، وقلَّة الحياءِ في وَجهِهِ، فَنَعُوذُ باللهِ من الفقر». وممّا يقرّب من روعة الصورة التي أرادها الإسلام أن تكون في مبدأ العطاء وتحقيق العدالة الاجتماعية أنّه عدّ الفقير شريكاً للغني في أمواله بمقدار ماله. وفي هذا يقول الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ الله أشرك بين الأغنياء والفقراء في الأموال، فليس لهم أن يصرفوا إلى غير شركائهم».

كما نجد في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) بياناً شافياً لعظمة الدور الاجتماعي في مسألة التكافل فيما يمثّله من قيمة عالية بحيث يكون بالمستوى الذي يفوق فيه بعض الممارسات العبادية العظيمة عند الله عزّوجلّ كالحجّ! ممّا يشير هذا إلى عظمة وخطورة الدور الاجتماعي في باب التكافل للقضاء على الفقر، ويوحي بامتداداته الواسعة التي يُتقرّب بها إلى الله عزّوجلّ كعبادة مثالية عظيمة، تتميّز بدرجاتها الرفيعة على كثير من العبادات المهمّة، وفي هذا يقول الإمام الباقر العلوم (عليه السلام): «لأن أعول أهل بيت من المسلمين أسدّ جوعتهم وأكسو عورتهم، وأكفّ وجوههم عن الناس، أحبّ إليّ من أن أحجّ حجّة وحجّة وحجّة، ومثلها ومثلها حتى بلغ عشراً، ومثلها حتى بلغ السبعين». وفي هذا ما يدلّ بوضوح على أنّ أقصر الطُّرق إلى الله تعالى هي خدمة عباده.. إنّ كلّ هذه المفاهيم وغيرها تشترك في عملية دفع الإنسان المسلم لأن يقوم بواجبه خير قيام بل ويشعر معه باللذّة التامة والعواطف المتأججة الدافعة نحو القيام بواجبه الاجتماعي في خلق التكامل والتوازن وإعطاء الفقير منها، بل الإنفاق فوق الواجب والمساهمة في رفع مستوى الفقراء إلى حد الغنى.

ارسال التعليق

Top