• ٧ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٥ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

بريق أمل

أسرة البلاغ

بريق أمل

كانت كلماته بالنسبة إليها كعبير الصباح الذي تستنشقه دوماً. فأحرفه الذهبية التي يخطو بها على صفحاته كالقمر الذي يضيء حياتها المعتمة.

هو ليس رجلاً عادياً أو اعتيادياً، فهو بالنسبة إليها الأمل وليس أي أمل، فهو الأمل الذي جاءها بعد لحظات يأس وبؤس. فكيف استطاع الرجل أن يجتاح عقلها قبل قلبها وزلزل كيانها ومشاعرها؟

كيف له أن يستطيع بسهولة أن يحوّل الألم في حياتها إلى أمل؟ كيف استطاع أن يخرجها من عتمة الليل إلى نور الصباح. هو وحده ولا أحد غيره إنّه الكاتب الكبير الذي ينحني أمام قلمه الكثيرون.. وترفع له مئات القبعات، وتصفق له آلاف الأيادي. الكاتب الذي دائماً تحث رواياته على الأمل والتفاؤل، والذي يرفع دائماً شعار الحب والتضحية ولا شيء آخر.

كانت كلماته بالنسبة إليها كمخدر يسري في جسدها من دون توقف.. ينقلها إلى عالم آخر، عالم تنفصل فيه عن الواقع وتحلق في دنيا الخيال.

ما زالت تتذكر عندما بحثت عن اسمه على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" وأرسلت إليه طلباً للصداقة، فكانت موافقته على طلبها بمثابة صدمة مفرحة بالنسبة إليها. ولكن، لم يقف أملها عند هذا الحد، كانت متابعته يومياً بمثابة شاغلها الأكبر.. تراقب ما يكتب، ما يعلق، ما يضع من أخبار عنه من ندوات ولقاءات. فجميع رواياته كانت محتفظة بها في عقلها وفكرها قبل مكتبتها.

ولكن لجميع رواياته مكانة، في حين أنّ لرواية "بريق أمل" مكانة أخرى، فهي تشعر كما لو كانت الرواية تتحدث عنها هي.. تعبر عن إحساسها هي، مشاعرها هي، يأسها وحزنها هي. فهي الرواية والرواية هي.

أرادت أن تهنئه على رواياته وأن تشكره على إعطائها بريقاً من الأمل في حياتها.

كتبت كلماتها منمقة مرتبة، فهي الأخرى تعشق الكتابة ولها تجارب، ولكن غير معروفة للعامة مثله في كتابة القصص القصيرة.

أنهت رسالتها إليه وقامت بالضغط على زر الإرسال.

لحظات قليلة ووجدته يبعث لها رداً.. صدمت من سرعة الرد.. ارتجفت يدها وتوقف قلبها للحظات، ها هو "أحمد سلطان" مثلها ومُلهمها وشاغلها الأكبر يقوم بالرد على رسالتها في غضون دقائق.

فتحت الرسالة وقرأتها.

"عزيزتي.. شكراً لكِ على متابعتك الدائمة لما أكتب.. وتذكري دائماً أنّ هناك ثلاثة أحرف يمكنك تبديلها فتتبدل حياتك إلى الأفضل، وهي: "أ. ل. م". يمكنك تبديل الألم بالأمل بثقتك بنفسك ومثابرتك.. أتمنى لكِ دوماً التوفيق".

أنهت قراءة رسالته مرات ومرات ومرات، وفي كلّ مرة تشعر كما لو كانت أوّل مرّة تقرؤها.

لم يتوقف الأمر عند هذه الرسالة بل كان لمفعول رسالته طاقة إيجابية بالنسبة إليها.

فرجعت من جديد تكتب وتكتب وتبدع كما كانت.. وكلما أنهت كتابة قصة قصيرة قامت بإرسالها إليه وهو بدوره يقرأ ما تكتبه ويعلق عليها ويقدم نصائحه لها.

انتقل النقاش بينهما من حيز الكتابة إلى الصداقة، فهو الكاتب الكبير ذو العقل الرشيد الناضج الذي يسمح للجميع بصداقته ويعتز بذلك. كانت صداقتها له كالكثيرين يتحدثون ويتناقشون في أمور الحياة كافة "أدبية، سياسية، اجتماعية، دينية".

ورويداً رويداً، كان لوجودها في حياته بريق للأمل له هو الآخر. لأوّل مرّة، بعد وفاة زوجته منذ خمس سنوات، يتعلق بفتاة أخرى؟ هو لا يعرف سر تعلقه بها؟ ولا يريد أن يعرف، كلّ ما يعرفه هو أنّها أصبحت بالنسبة إليه هو الآخر بريقاً من الأمل يتشاركان العقل والفكر نفسيهما.. الميول نفسها والآراء نفسها.

رأى فيها نضجاً وطفولة، حزناً وفرحاً، مشاكسة وهدوءاً.

إنها امرأة التناقضات بالنسبة إليه، وهو لطالما يستهويه التناقضات والغموض.

قرر أن ينقل لقاءهما الافتراضي إلى أرض الواقع.. ترددت كثيراً هي. ولكن، هو الإصرار كان دائماً شعاره، فهو لا ييأس. وبعد انتظار دام طويلاً وافقت هي وخضعت لطلبه وقررت مقابلته..

في "مقهى أنيق" كان لقاؤهما. جلس هو إلى إحدى الطاولات عند الزاوية ينتظر قدومها.. دقائق مرت.. وساعة تلو الأخرى تمر وقبل قيامه للانصراف بثوانٍ، جاءت هي واقفة أمامه، رفع رأسه إلى أعلى فوجد امرأة يغلف السواد ملبسها من أعلى رأسها إلى أسفل قدميها.

هب بالوقوف وسألها: "ها أنتِ إذن؟".

جلست أمامه وأوأمت برأسها وقالت: نعم أنا.

فقال مستعجباً: لم أكن أعلم أنكِ منقبة.

فأجابته بخفوت: أنا غير منقبة ولكني مؤخراً ارتديه.

فقال لها بسخرية: هل هو خوف أن يراكِ أحد معي؟

فأجابته بصوت متحشرج: لا.

بادرها بسؤال: إذن هل يمكنني أن أرى وجهكِ؟

فأومأت برأسها وقالت له: ولمَ لا؟ فأنت من أعطاني بريقاً للأمل في حياتي، وبسببك أحاول تبديل الألم في حياتي إلى أمل.

فابتسم وبثقة قال لها إذن فلتكشفي لي عن وجهك، فأنا لا أحبذ التعارف من خلف ستار.

رفعت نقابها عن وجهها ولدقائق قليلة نظرت برأسها إلى الأرض، حينها، اختلط وجهها باللون الأحمر مع زرقة الحروق التي تغطيه. رفعت رأسها بعد تردد ونظرت إليه. فلم تجده.

تعليقات

  • 2020-05-27

    علي

    قصة جميلة .. ولو أن مشهد النهاية إستمر قليلاً لكانت أجمل ..

ارسال التعليق

Top