• ٢٧ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٥ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

رمضان الكريم.. شهر القرآن والغفران

أسرة البلاغ

رمضان الكريم.. شهر القرآن والغفران

شهر رمضان شهر استثنائي بين الشهور، اختصت به الأُمّة الإسلامية دون غيرها من الأُمم السابقة.. شهر له رهبة في القلوب، وان كانت هي أقرب إلى الهيبة منها إلى الرهبة، إلا أنها تختلف باختلاف الأشخاص ومعارفهم والقلوب وصفائها ونقائها، وبالتالي الإنسان المسلم وأيمانه ويقينه.. وذلك لأن رمضان – لغة –: هو من (الرّمض) وهي الهاجرة.. ومنها كذلك (الرمضاء) وهي الصحراء المقفرة والحارّة الحجارة من حرارة الشمس. والذي يريد الدخول إلى (الرمضاء) عليه الاستعداد التام بالروح والبدن والا فانه ولا شك سوف يضيع أو لا يخرج منها سالماً أبداً. وتضافرت الأحاديث عن أهل بيت النبوة والطهارة – عليهم الصلاة والسلام – أن (رمضان) هو اسم من أسماء الله، ولذلك سمي (شهر رمضان) وكانوا؟ ينهون أتباعهم تداول كلمة رمضان فقط.

عن الإمام عليّ (ع) قال: لا تقولوا رمضان.. فإنكم لا تدرون ما رمضان.. ولكن قولوا: شهر رمضان كما قال الله عزّ وجل: (شهر رمضان..) وعني الآية المباركة ويؤيد ذلك ما روي عن سعد قال: كنا عند أبي جعفر (ع) فذكرنا رمضان.. فقال؟: لا تقولوا: هذا رمضان.. ولا ذهب رمضان.. ولا جاء رمضان.. فإن رمضان هو اسم من أسماء الله الحسنى – عزّ وجلّ – لا يجيء ولا يذهب.. وإنما يجيء ويذهب الزايل.. ولكن قولوا: شهر رمضان، فالشهر مضاف إلى الاسم الأعظم اسم الله عزّ وجلّ.. فشهر رمضان: هو شهر الله، ومهما بحث عن ألفاظ تليق بهذا الشهر لم يوجد أجمل من وصف الرسول الأعظم (ص) له وذلك في خطبته في آخر جمعة من شعبان الأغر حيث يقول فيها "إنّه أقبل إليكم شهر الله، بالبركة والرحمة والمغفرة شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيامه أفضل الأيام ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعائكم فيه مستجاب، فاسألوا الله ربكم بنيّات صادقة، وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه، وتلاوة كتابه، فإنّ الشقي من حرُم غفران الله في هذا الشهر العظيم... فما أجمل هذه الكلمات، وأرقها وأعذبها على القلب السليم، والعقل اليقظ، والضمير الحي.. فإنها ألذ من الماء البارد على قلب الضامئ في يوم هاجر فشهر رمضان هو فرصة للإنسان المسلم تمر في كلّ عام مرة بوقت محدد وأيام معدودات، وهو عبادة رفيعة المستوى وعالية الشأن لم يسبقها الا الصلاة التي هي عمود الدين. فالصوم طاعة من الطاعات، وعبادة من العبادات وهو الركن الثالث من أركان الدين عند المسلمين، والفرع الثاني من فروع الدين عند المؤمنين قله المقام الشامخ والتأثير الواضح على الحياة العامة والخاصة للأفراد والمجتمعات الإسلامية في كلّ دول العالم وأصقاعه والصوم جنّة واقية، ودرع حامية.. وما على العاقل الا تحصين ووقاية نفسه من الجموح والانزلاقات وقيادتها إلى الجنان بظل الرحمن لأنّه سبحانه يقول: ومن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز.. وشهر رمضان هو فرصة لا تعوض ولا تقدر.

فبالصوم نقي الروح والجسد من الهلاك ونجنبها من الكثير من الآفات والأمراض والعاهات التي يمكن أن تصيبهما فهو إذن – الصوم – درع يقي الجسد من الأمراض والروح والدين من الفساد.

نعم شهر رمضان هو انتفاضة روحية عارمة وعامة، وتوحيد للشعور المادي بين المسلمين، وتأهب سنوي لكافة الفئات والعناصر المتناقضة حول كثير من المسائل والحقائق.. وما أحوجنا في أيامنا هذه إلى أخلاقيات وآداب وفوائد شهر رمضان المبارك لأنّه يجمع الأسرة بوحدة ونظام وحب ووئام، ويجعل التعاون والسلام شعار المجتمع المؤمن الحي فالإسلام يدعو إلى دار السلام، وشهر رمضان هو مناسبة دورة تدريبية لمدة شهر واحد في السنة وعلى الأُمّة الإسلامية الاستفادة من هذا الشهر العظيم للّم شمل أسرنا المتناثرة ومجتمعاتنا التي أصابها داء الفرقة والتناحر والتباعد البغيض فيما بينهم، حيث يجمعهم الشعور الواحد بالتعبد لله بهذه الفريضة المقدسة والانحباس عن كلّ الملذات والمفطرات من أوّل ضوء وحتى آخر ضوء يشمل الأُمّة كلها دون استثناء، بين سيد ومسود، أو صغير وكبير، أو رجل وامرأة ممن يشملهم التكليف. فشهر رمضان يلفّ العالم ويشعر الدنيا بحلوله وقدسيته، وخصوصيّته عند الأُمّة الإسلامية، وشهر رمضان المبارك شهر عظيم المنزلة عند كلّ الأديان السماوية قديمها وحديثها وفيه نزلت جميع الكتب المقدسة كما في الروايات فنزلت الصحف على النبي إبراهيم (ع) في الثالث من رمضان والتوراة نزلت في السادس من شهر رمضان والإنجيل نزل في الثاني عشر من شهر رمضان والزبور نزل في الثامن عشر منه والقرآن نزل في ليلة القدر. فيحق للبشرية أن تحيي هذا الشهر العظيم بما يناسب تلك العظمة، ويحق للمسلمين – بالخصوص – أن يتخذوا من شهر رمضان، أكبر أعيادهم. فالقرآن الذي هبط فيه لهم، ليس كتاباً ودستوراً سماوياً فقط، وانما هو الإسلام كلّ الإسلام.. ومصدر النبوة، وقانون المسلمين، ملهم ثقافاتهم وعلومهم، ومعجزاتهم الخالدة.. التي تؤكد صدقهم، وشارة أسبقيتهم التي يديلون بها على العالمين. وعلينا في هذا الشهر العظيم أن نزيد معارفنا وذلك بتلاوة آيات القرآن، والتفكر والتدبر بها وعقد الجلسات والمحاورات حول القرآن الكريم، وكذلك قراءة الأدعية المأثورة لاسيّما دعاء الافتتاح، وأدعية السحر كدعاء أبو حمزة الثمالي ودعاء الجوشن وغيره من الأدعية المأثورة عن أهل البيت الأطهار (ع) وهي تسحر العقول والألباب ببهائها وجمالها فإنك وحين تقرأها بهدوء ولطف تشعر وكأن شلالاً من النور يسقط عليك، أو أنك تسبح في بحيرة من النور الذي لا يمكن أن يوصف مهما رهف القلم والحس والشعور، فتلك لحظات مغمورة بالنور، والنور عصي عن الوصف كما الشعور تماماً فشهر الله الأعظم: هو شهر العمل الدؤوب، والأجر والثواب الجزيل من الله سبحانه وتعالى، للأفراد والمجتمعات على حد سواء (فبالصوم يصبح المجتمع ملائكياً، يشعر الأغنياء والفقراء فيه بالمساواة، فلا يستعلي الغني فيه على الفقير، فيكون المجتمع الملتزم بالصوم، معجزة من معجزات الإسلام، التي عجزت عن الإتيان بمثلها قوانين الأرض) فالصوم يفعل المعجزات – بالحقيقة والواقع – وهذا ما أكده القرآن الكريم بخصوص السيدة مريم العذراء (ع) التي قالت بتوجيه من وليدها المبارك كما حدّث عنه القرآن الكريم (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا) (مريم/ 26)، فالنذر بالصوم جاء بمعجزة ما جاء الزمان بمثلها وهو عيسى المسيح بن مريم فقط (ع)، لذلك فأنّه على المسلم أن لا يفوّت هذه الفرصة، ويغتنم كلّ ثمراتها لينال ثواب الدارين، وينال بركات الصوم، المادية والمعنوية فالصوم له فعل معجز بالنسبة للأفراد والمجتمعات معاً.. فعلينا بالصيام الحقيقي أفراداً ومجتمعات لكي نبني أمتنا ونعيد لها أمجادها وإذا نجحنا فإننا نكون قد فعلنا معجزة من المعجزات.

 

المصدر: مجلة الغدير/ العدد 32

ارسال التعليق

Top