• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

دروس مستلهمة من الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام)

عمار كاظم

دروس مستلهمة من الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام)

يحدّد الإمام الرضا (عليه السلام) ملامح الروح الرسالية التي ينبغي للمؤمن أن يعيشها في حياته في كلّ زمان ومكان يعيشه الإنسان، والتي تفتح أمام عينيه الآفاق الرحبة التي تنفتح على مسؤولياته في الدُّنيا والآخرة، فيقول (عليه السلام): «إنّ الله عزّوجلّ أمر بثلاثة مقرون بها ثلاثة أُخرى: أمر بالصلاة والزكاة ـ والزكاة تشمل كلَّ ما فرضه الله تعالى على الإنسان من حقوق مالية ـ فمن صلّى ولم يزكِّ لم تُقبل منه صلاته ـ لأنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وحَبْسُ حقوق الله عمّن أمر الله أن تُعطى له هو من المنكر والفحشاء، باعتبار أنّها تجاوزٌ للحدود.. والصلاة مدرسةٌ تربّي الإنسان على طاعة الله في كلِّ شي‏ء ممّا أمر به، وعلى البُعد عن معصيته ممّا نهى عنه ـ وأمر بالشُّكر له وللوالدين، فمن لم يشكر والديه لم يشكر الله ـ فمن لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق، لأنّ الشُّكر يعبّر عن حالةٍ نفسية وجدانية في التقدير لإحسان المنعم عليه واستجابته لفضله وتفاعله النفسي والعملي معه، بقطع النظر عن طبيعته وموقعه، وبذلك يكون امتناعه عن شُكر المخلوق دليلاً على أنّه لا يعيش مبدأ الشُّكر في نفسه.. وأيُّ مخلوق يملك نِعمةً على مخلوقٍ آخر أكثر من الوالدين؟ ـ وأمر باتقاء الله وصلة الرحم، فمن لم يَصِلْ رحمَه لم يتقِ اللهَ عزّوجلّ»، لأنّ الله أمر بصلة الرحم، ما يفرض على الإنسان القيام بذلك طاعةً لله، فمن لم ينفتح على الأرحام بالصلة كان منحرفاً عن خطّ التقوى بانحرافه عن خطّ الطاعة لله في ذلك. وعنه (عليه السلام) قال: «مَن فرّج عن مؤمنٍ كربةً فرّج الله عن قلبه يوم القيامة». فهذا هو النهج الإسلامي الأخلاقي الذي يفتح وعي الإنسان المؤمن على كربات المؤمنين، ليحمل همومهم، وليتحرّك بجهده الإنساني في تفريجها بما يملك من الخبرة والقوّة والانفتاح على الحلول الواقعية للمشاكل الإنسانية التي تثقل المرء وتكربه. وعلى وجه الخصوص مساعدة الضعفاء، فعن ضرورة وأهمّية إعانة الضعيف، يقول (عليه السلام): «عونك للضعيف أفضل الصدقة»، فإنّك إذا أعنت الضعيف في ذلك كلِّه، فإنّ الله تعالى يكتب لك أجراً أفضل ممّا إذا تصدّقت عليه، لأنّ قيمة الصدقة أنّها تسدُّ حاجته المالية، أمّا إذا أنقذته من ضعفه وأعطيته قوّةً من قوّتك، فإنّ هذه القوّة التي تعطيها له تمنحه الكثير من النتائج الطيِّبة في حياته أكثر ممّا لو أعطيته مالاً. نريد أن نأخذ شيئاً من كلمات الإمام الرضا (عليه السلام)، حتى نستطيع أن نستفيد من دروسه في حياتنا الاجتماعية، حيث قال (عليه السلام): «ليست العبادة كثرة الصيام والصلاة، وإنّما العبادة كثرة التفكّر في أمر الله»، فليس المقياس في العبادة كثرة صلاتك وصومك، لأنّه ربّما تكثر صلاتك وصومك من دون معرفةٍ ووعي، ومعنى العبادة الخضوع لله تعالى، ومسألة الخضوع مسألةٌ تتصل بالعقل، فبمقدار ما تعرف الله أكثر في عقلك، بمقدار ما يخشع عقلك له سبحانه، والعبادة هي الخضوع لله في قلبك، بأن يخشع قلبك لذكر الله تعالى. فالإمام الرضا (عليه السلام) يطلب منّا أن نتفكّر في عظمة الله من خلال عظمة خلقه في كلِّ أسرار الخلق، وأن نتفكّر في نِعَم الله علينا، فإذا ازداد تفكيرنا في ذلك كلِّه، عندها تكبر معرفة الله في عقولنا، فتخشع عقولنا لذكر الله، وتكبر عظمة الله في قلوبنا، فتخشع أيضاً قلوبنا لذكر الله.. وعلى هذا الأساس، إذا عظم الله في قلب الإنسان وعقله، تكون صلاته صلاة الإنسان الخاشع لربِّه والخاضع بين يديه.. أمّا الإنسان الذي لا يعرف الله، ولا تتربّى عظمة الله في نفسه، فإنّه قد يصلّي، ولكنّه لا يعرف من صلاته أيَّ معنى، لأنّ عالَم العبادة عالمٌ داخلي، فعندما يصلّي عقلُ الإنسان وقلبه وأحاسيسه ومشاعره ولسانه وبدنه، فإنّه ينفتح على كلِّ مسؤولياته أمام الله تعالى. ختاماً، عاش الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) فكر وروحانية وانفتاح على الناس جميعاً، عاش (عليه السلام) هذا الخلق المتسامح المنفتح على الخير كلّه، وقبل ذلك وبعده، عاش الإمام (عليه السلام) مع الله، حيث ينطلق مع الله أوّلاً، من خلال محبّته لله التي توحي بالمحبّة لعباد الله ولكلِّ خلق الله. قال الإمام الباقر (عليه السلام): «مَن كان لله مطيعاً فهو لنا وليّ، ومَن كان لله عاصياً فهو لنا عدوّ، ولا تُنال ولايتنا إلّا بالورع والعمل».

ارسال التعليق

Top