كلّنا نعلم أنّ الإفراط في الأكل يؤدي إلى السمنة، والسمنة الزائدة تؤدي إلى مخاطر عديدة ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال ما يقرب من 20 مليون شخص سنوياً يموتون بسبب السمنة المفرطة وما تسببه من مشاكل صحّية، وقد تبيّن أنّ 70% من أطفالهم يعانون من الوزن الزائد بعيداً عن الوزن المثالي ثم السمنة، كلّ ذلك أظهره الدكتور (فيل) الذي يظهر في برنامجه الشهير، والذي يكتب عن ذلك في كتابه الشهير (الحل المثالي للوزن)، لأنّ زيادة الوزن هي من أهم المشاكل الصحّية عندهم، ناتجة عن الإفراط في الأكل، لتوفره بكثرة أين ما حلوا أو رحلوا، مع كثير من الإغراء للأطعمة الغنية بالمواد الدهنية والنشويات؟
وقد أصدر كذلك اختصاصيو علم التغذية كتباً، منهم (وانسينك) كتاباً حديثاً عنوانه (الأكل دون تفكير) لأنّ الشخص السمين كما ظهر علمياً يأكل دون أن يفكر ولو قليلاً بالطعام أمامه، بل بالتهامه فقط، وهذا بالفعل ما لاحظته خلال سفراتي العديدة إلى بلدان مختلفة من العالم ومراقبة الأشخاص ذوي الوزن الزائد، كلّه حب استطلاع وللتأكد من هذه الملاحظة، فلا يخطر على بال الشخص السمين أنّ الحالة الصحّية للفرد مهمة جدّاً، فقط تراه مشغولاً بالتمتع بطعم ولذة الطعام الحلو والمالح والحامض!.
هنا عليه أن يتبع نظاماً غذائياً ملائماً لعمره وجسمه وحركته، وحتى للحالة المرضية إن كان يشكو من واحدة، حيث لا يخطر على باله أنّ لكلّ مرحلة عمرية نظاماً غذائياً خاصّاً، ولكلّ حالة صحّية أو مرضية أو حتى نفسية نظام غذائي خاص علينا اتباعه! والنتيجة أنّ هذا الشخص يأكل أكثر مما يحتاج جسمه وتظهر عليه أعراض السمنة تدريجياً.
أما ما نود توضيحه هنا فهو أنّ عدم اتباع نظام غذائي صحّي متنوّع متوازن متكامل، يؤدي إلى السمنة، ثمّ السمنة المفرطة، حيث أنّ كمية الغذاء تختلف باختلاف عمر الشخص، ولكلّ مرحلة عمرية نظام غذائي خاص، فمثلاً الطفل نظامه الغذائي من حيث الكمية والنوعية يختلف عن النظام الغذائي للمراهق، أو البالغ، أو المسن، فالأوّل في دور النمو المستمر، والثاني أي المراهق في دور تغيرات هرمونية فسيولوجية داخل جسمه مختلفة تماماً، وبما أنّ الحركة مختلفة ما بين البالغ والمسن، فإنّ للمسن نظام غذائي يختلف عما يتناوله الشخص البالغ الذي يمكن أن يتناول كمية أكثر منه لمنعه من الضعف والنحافة.
وهنالك أمور عديدة تتحكم في سلوكنا الغذائي لتبعدنا عن زيادة الوزن والسمنة ثم السمنة المفرطة، ومن هذه الأمور والنصائح لربة البيت عند تحضير الطعام الاعتماد على البساطة في تحضير الخضراوات فقط بطريقة السلق والابتعاد عن القلي بالدهون المشبعة، حيث أنّ اختلاف ألوان الطعام وطرق طهيه تغري أفراد العائلة وتشجعهم على تذوق كلّ الأنواع والقضاء عليها، وعليه فليكن العشاء مثلاً مكوناً من نوع واحد أساسي فقط مع السلاطة، ونكون بذلك قد ابتعدنا عن تعدد الأنواع وخاصة ما يعطي منها سعرات حرارية عالية كالبطاطا المقلية وعن تناول الطعام الكثير منه. لتحاول ربة البيت أن تقدم الطعام لأفراد العائلة مستخدمة أدوات وأطباق صغيرة كّل فرد من العائلة، وقد درس علم التغذية الفرنسي (وانسينك) هذه الظاهرة، وأظهرت الدراسة نتائج جيدة، حيث ظهر أنّ الأشخاص الذي كانوا يملأون أطباقهم في أوعية كبيرة الحجم تناول كميات تزيد بنسبة 53% عن تناول أولئك الذين كانوا يملأون أطباقهم في أوعية أصغر حجماً، ثم ليتنبه الشخص أين يأكل!! فإنّ للمكان راحته أو غير ذلك تأثير على كمية الطعام المتناول، مثلاً إذا تناولت غذاءك في الحديقة في جو لطيف وقُدمت لك المثلجات والعصائر، أم أنت جالس أمام التليفزيون والمكان مظلم إلّا من ضوء قليل لا يكاد يُرى شيء، وتشاهد فيلم رعب، عند ذلك فأنت تتناول ما يقدم لك من دون حساب ماذا ستأكل اللهم إلّا طعاماً لملء المعدة وتشبع، فقد فسّر هذه الظاهرة الباحث العلمي البروفيسور (وانسينك) بعد أن درسها على عدد كبير من الأشخاص ولخصّ ذلك بقوله: "إنّنا نكون دائماً أكثر تأثراً بالمكان الذي نكون موجودين فيه! وبالعمل الذي نقوم به وبالأشخاص الموجودين حولنا! أكثر من تأثرنا بطعم الطعام أو نوعيته أو حتى كميته وما هو موجود أمامنا، المفروض في هذه الحالة وللابتعاد عن تناول كمية أكبر ممكنة تناول كأس من الماء أو كوب من الشاي مع الحليب من دون دهن أو ما قلّ من الطعام. ثم ظاهرة أخرى تعود للشخص نفسه وذاته، عليه أن يركّز على الشعور بالشبع، لأنّه عادة – وهذه ظاهرة عامّة – الشخص يتناول كلّ ما يقدم له أو ما يوضع أمامه، إلّا ما ندر! وأحياناً لا يتوقف ولا يتمهل إلّا عندما يفرغ الطبق أمامه! أو عندما يكاد يفرغ من محتوياته، ولا يأخذ عامل الجوع بالحسبان، فإذن عليه تمييز المستوى الذي نشبع عند بلوغه، والتوقف عن تناول المزيد من الطعام المقدم أو الذي أمامنا، ولا نعتمد على كمية الطعام المتبقية في الطبق كمؤشر للشبع، بل يجب الانتباه إلى ما يرسله الجسم من إشارات دماغية، وهذه ممكن التوصل إليها بالتجربة، حتى للأطفال الصغار وتعويدهم عليها، فلا تفكر أنّك شبعت وفي الإمكان تناول المزيد! بل اقتصر، وتوقف! وبالإضافة إلى ذلك فإنّنا نأكل بأعيننا أيضاً، وهذا ما يعلمه الجميع! وتوافر الطعام أمام أعيننا يغرينا لتناوله كلما نظرنا إليه خاصة إذا كانت ألوانه جذابة ورائحته زكية ومقدم بطريقة حسنة"! وهذا تفسير علمي يفسره المختصون في علم التغذية بعد دراسات كثيرة ومتعددة، ولكن ذلك لا يعني الامتناع عن إدخال الطعام المفضل لدينا إلى المنزل أو على المائدة، فهذا سيجعلنا نشعر بالحرمان عندئذ، والشعور بالحرمان هو العامل الأوّل في إفساد أي برنامج لنا لإنقاص الوزن عند زيادته، ومن الممكن أن نحتفظ بكميات صغيرة من الطعام المفضل في المنزل أو على المائدة، شريطة أن نضعها في أوعية غير شفافة، وعلى رف عالٍ بعيد عن النظر.
وينصح المختصون بوضع الأطعمة الصحّية والتي لا تزيد من الوزن في أمكنة يمكننا رؤيتها فيها، أي أمام العين، لأخذ القليل منها عند الحاجة.
وهنا أود أن أذكر شيئاً عن أدوية خفض الوزن، كبديل سريع لإنقاص الوزن بعد زيادته، ولو أنّني كخبيرة غذائية لا أنصح بها مطلقاً، لما لها من آثار جانبية في كثير من الأحيان، حيث تتوافر حالياً أنواع كثيرة من العقاقير والأدوية والمستحضرات الخاصة للتخلص من الوزن الزائد، منها الضار ومنها النافع والفاعل بل الجيِّد، وما يجب معرفته هنا أنّ أي دواء أو مستحضر مهما كان نوعه وغايته فهو له آثار جانبية وأعراض غير مرغوبة.
هنالك الكثير من الأدوية والحبوب والكبسولات، وقد زاد استعمالها وخاصة في بلاد الغرب وجاء الكثير منها إلينا! وهنالك نوعان أكثر شيوعاً ونفعاً في مجال ضعف الوزن:
النوع الأوّل: هو المنتجات التي تحتوي على مادة (الأورليستان) وهي مادة تساعد في التخلص من حوالي 30% من الدهون التي تدخل الجسم يومياً وعن طريق الأكل! وذلك بإخراجها خارج الجسم مع الفضلات، وبذلك يتم تحفيز الجسم إلى حرق كميات من الدهن المخزون، هذا بالإضافة إلى عدم الاستفادة من الدهن المتناول، ربما لا بأس بها!
أما النوع الثاني فهي المنتجات التي تحتوي على مادة (السيبيوترامين) والتي تؤثر على مراكز الإحساس بالشبع في الدماغ، فيقوم بإعطاء إشارات بالشبع والامتلاء، وهكذا يتناول الإنسان كميات أقل من الطعام كأنما أعطى الشخص إرادة قوية لعدم تناول كمية كبيرة من الطعام، وهذا لمن لا يملك تلك الإرادة القوية للسيطرة على ما يراه وما يتناوله من الأطعمة الملونة بمختلف الألوان والمشهية لطعمها ونكهتها.
الكاتبة: جيِّدة عبد الحميد
المصدر: كتاب مفتاح الصحّة والسعادة/ فوائد عطر وخواطر غذائية علاجية
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق