◄أشدد دائماً على ضرورة بناء علاقات صحيحة وسليمة بين الأهل والأولاد، لأنّها أهم العناصر اللازمة لنجاح كل نظام عائلي.
ولكن ما هو المبدأ الذي يجب اتباعه من قِبَل الأهل لتحقيق عملية التطبيق الناجحة لنظامهم الداخلي، وللحصول على تربية منزلية سليمة؟
هنا، أعتقد أن مبدأ المكافأة الإيجابية لا بأس به لإنجاح عملية التربية العائلية، وهذا المبدأ قليلاً ما يُلجأ إليه من قِبَل الوالدين.
وقد نجح الطبيب الأميركي "ليون سميث" في "لوس أنجلوس"، في تطبيق مبدأ المكافأة على عدد من الحيوانات، ويُعتبر "سميث" أخصائياً في علم النفس، وقد استطاع أن يُعلم عدداً من الدببة على إجادة لعب كرة السلة. دون استعمال مبدأ القوّة والضرب والتهديد، بل باستعمال مبدأ المكافأة الإيجابية، وكان كلما تقدم الدب في حلقةِ اللعب ونجح في قذف أو تسديد الكرة نحو السلة يحصل على قطعة من اللحم، وبهذه الوسيلة استطاع النجاح في عملية التدريب هذه.
كذلك الأمر بالنسبة إلى تدريب عدد كبير من الحيوانات المختلفة من: كلاب وطيور وغيرها.
ولم يحصل الدكتور "ليون سميث" على هذه النتيجة الإيجابية إلّا بعد فترة طويلة من الجهد والعناء والتدريب، بحيث أنّ الدب أصبح عندما يرى الكرة يأخذها من تلقاء نفسه ويلعب بها ثمّ يسددها، دون أن يفكر في المكافأة.
ما ذكرناه قد يبدو للوهلة الأولى بسيطاً وسهل التطبيق، ولكن إذا فكرنا مليّاً، علينا فهم وتفسير ما كان يقوم به الدكتور "سميث".
- أوّلاً: تحديد النقاط التي من جراء تطبيقها يحصل الدب على مكافأة إيجابية. (قطعة من اللحم).
- ثانياً: تحديد نوع المكافأة.
- ثالثاً: عدم إعطاء المكافأة إلا بعد مرور فترة من التدريب محددة بدقة.
أهمية هذا المبدأ تكمن في مكافأة كل عمل صالح وسليم، والإمتناع عن مكافأة كل عمل طالح أو شاذ؛ وهذا المبدأ يحث بالتالي كل كائن حي ويدفعه إلى القيام بكل ما هو مرغوب فيه والابتعاد عن القيام بكل ما هو مكروه.
والحقيقة هي أن أكثر العائلات لا تتبع هذا المبدأ الصحيح؛ بل إن أكثرها قد يُشجع الأولاد للقياد بأعمال سلبية؛ كما قد يكافىء بعضهم الآخر أولادهم في حال قيامهم بأعمال شاذة وغير مرغوب فيها، وكأنهم يشجعونهم بشكل غير مباشر على تكرار هذه الأفعال السلبية؛ بل إن هناك
الملايين من الأهالي اللا نظاميين الذين يتصرفون بشكل مضاد لكل ما هو مفيد وصالح لتربية أولادهم.
ماذا يجب عمله في حال كان الولد مطيعاً لأهله؟ في حال اتزانه وهدوئه في اللعب؟ في حال كون علاقاته مع إخوته دائماً سليمة ولطيفة؟ وفي حال كونه لا يثير الضجّة في المنزل؟ فهل يجب مكافأته؟ نعم.. علينا مكافأته، مع العلم بأن أكثر الأهل يتجاهلون ذلك، ويعتبرون تصرفاته طبيعية؛ لذا فإنّهم لا يعملون على تشجيعه، مما قد يُحدث اضطرابات نفسية وإحباطات عند بعضهم.
لندرس الآن نقيض الصورة الأولى:
الأهل تجاه ولد صعب المعاملة، مشاغب جدّاً، يضرب إخوته في المنزل، ورفاقه في المدرسة؛ لا يعرف ما معنى آداب المائدة، ولا يمكنه الجلوس بهدوء مع سائر أفراد العائلة؛ يتمرد باستمرار، ولا يطيع أحداً مهما كانت الظروف...
هنا نلاحظ أنّ الوالدين يعملان على إعطائه مكافأة سلبية عن طريق ضربه أو لطمه أو تأنيبه بشكل مستمر، حتى يتراجع على أكثر أفعاله الشاذّة ويعود إلى الطريق الصحيح.
هنا نتساءل، لماذا في الحالة الثانية كانت هناك مكافأة سلبية من قِبَل الأهل لولدهم الشاذ؛ أما في الحالة الأولى فلم يكن هناك أيّة مكافأة إيجابية؟ وهذا في الحقيقة يعتبر مناقضاً لأكثر القيم التربويّة الصحية والسليمة.
قد يشعر بعض الأولاد المطيعين والهادئين، بأنّهم لا يلفتون انتباه والديهم من جراء تصرفاتهم الحسنة، فيعمدون إلى المشاغبة والخروج عن طاعة الأهل، آملين بذلك شدَّ أنظارهم، لذا فإننا نشدد على ضرورة اعتماد مبدأ المكافأة الإيجابية من قِبَل الأهل تجاه أولادهم، مما يشجعهم على الاستمرار في تصرفاتهم السليمة، وعلى محاولة تحسينها للإتيان بما هو أفضل. ونُصرُّ على عدم تطبيق مبدأ المكافأة السلبية لأنها قد تدفع بالأولاد إلى ارتكاب المزيد من الأخطاء، كما إنها قد تدفع ببعضهم إلى ارتكاب المعاصي واللجوء إلى السرقة والإدمان على الكحول أو المخدرات، وغير ذلك من المكروهات.
ما يجب عمله لتفادي ارتكاب الأخطاء من قِبَل الأهل؟
يجب على الأهل اعتماد مبدأ المكافأة الإيجابية منذ الفترة الأولى التي يبدأ فيها الطفل بالمشي وحتى سن البلوغ؛ فهذه الفترة الأخيرة تعتبر من المراحل الصعبة، لأن أكثر العلاقات قد تتعثَّر بين الولد والوالدين.
كيف يمكن مكافأة ولد في الثامنة من عمره؟
هنا يتوجب على الأهل التفريق جيِّداً بين مفهومين مفهوم العاطفة، ومفهوم العمل.
فالعواطف من حب وحنان وعطف وفرح، وحزن، تُعتبر عالماً خاصاً يعيش ضمنه الأولاد، ولا يمكن التأثير عليه أو محاولة تغييره، وقد يعتبر الولد نفسه جزءاً لا يتجزأ من هذا العالم العاطفي.
أما الأعمال والتصرفات الخارجية التي يقوم بها الولد من ضرب وسرقة إلخ.. تختلف تماماً عن الحالة الأولى لأنّه يمكن مراقبتها وتقويمها.
إذاً، في حال أنّ الوالدين لا يقدرون على الحد من مشاعر وأحاسيس أولادهم، فإنّهم يستطيعون أن يؤثروا على أكثر تصرفاتهم وأفعالهم؛ ومبدأ المكافأة الإيجابية يجب أن ينحصر ضمن إطار التصرفات التي يقوم بها الأولاد، دون المساس بالمشاعر والأحاسيس.
بعدها يجب التشديد على ضرورة الاهتمام بالأفعال الواضحة فقط والتي لا يمكن إغفالها أو التغاضي عنها من قِبَل الأهل، مثل ضرب الولد لوالديه، وإهماله نظافته لنفسه، وغض النظر عن ترتيب غرفته، والإستمرار في مضايقة إخوته بشكل مزعج.
هنا يمكننا القول بأن مبدأ المكافأة الإيجابية يعتمد على شيئين:
أوّلاً: الأفعال التي يقوم بها الأولاد.
ثانياً: الأفعال الواضحة والمحدَّدة.
من هذا المنطلق نستطيع تحديد أهمية الشخصيّة الإيجابية والشخصية السلبية، للأولاد في سن الثامنة، وهنا سوف نفرق بين ثلاثة أنواع من التصرفات.
1- التصرفات الحميدة والتي نرغب أن يستمر بالتحلي بها.
2- التصرفات التي نريده أن يقع عنها نهائياً.
3- التصرفات التي نرغب منه أن يزاولها يومياً.
من التصرفات الأولى نذكر:
- الفضول الإيجابي: يجب أن يسأل دائماً، مما يسمح له بالتفوق في المدرسة، والنجاح في حياته العملية فيما بعد.
- يساعد الأهل في شؤون تدبير المنزل.
- يلعب بهدوء وتأني مع غيره من الأولاد داخل المنزل وفي المدرسة.
- يعتني بغرفته كثيراً، ويرتب كل ما يلزم ترتيبه فيها.
- كثير العطاء.
- يجب الآخرين.
من التصرفات الثانية نذكر:
- عصبي المزاج.
- يغضب إخوته بشكل مستمر.
- يتشاجر ورفاقه دائماً.
- عنيد لا يتراجع.
- لا يطيع أحداً.
- يعلو صراخه في المنزل وفي صف المدرسة.
- يرفض القيام بكل ما يطلب منه.
- لا يكترث إلى مشاعر وأحاسيس الآخرين.
- لا يهتم بشؤون غرفته ولا بمظهره الخارجي.
من التصرفات الثالثة نذكر:
- يهتم بنفسه وبغيره من الناس.
- يساعد إخوته وأصدقاءه في الأوقات العصيبة.
- يتمم دروسه، ويقوم بواجباته المنزلية والمدرسية على أكمل وجه.
- يلعب بهدوء مع إخوته جميعاً ومع سائر رفاقه.
- يرتب غرفته يومياً.
- يحب النظام.
- يحرص على نظافة المنزل.
- يهتم بترتيب الفراش الذي ينام عليه.
هذه الخصائص يجب أن تدفع الأهل إلى اعتماد مبدأ المكافأة الإيجابية لولدهم، لأنّه من الصعب جدّاً إيجاد الأولاد الذين يهتمون بشؤون ونظافة منازلهم وغرفهم التي يلعبون ويمكثون بها بشكل مستمر.
كما يحافظون على نجاح علاقاتهم مع الآخرين، وخاصةً علاقاتهم مع والديهم.
المكافأة الإيجابية يجب أن تشمل التصرفات الأولى، والثالثة، وهي على نوعين:
- مكافأة معنوية، على شكل تشجيع شفوي، مع كل ما تشمل هذه المكافأة من معاني الحب، الحنان والعطف.
- مكافأة مادية، على شكل مبلغ من المال، قطعة من الحلوى، لوح من الشكولا، كتاب، صورة، السماح لولدهم برؤية التلفزيون مساءً، الذهاب إلى دور السينما، التنزه مع رفاقه، السماح له بشراء كل ما يرغبه من وقت إلى آخر.
ونحن نحبذ أن يلجأ الأهل إلى المكافأة المعنوية أكثر من لجوئهم إلى المكافأة المادية؛ مثال ذلك:
- إذا سألك طفلك الذي يبلغ الثامنة من عمره، سؤالاً ذكياً يدل على نباهته ورغبته في المعرفة. عليك أن تثني على سؤاله، وتشجعه على طرح المزيد من هذه الأسئلة.
- إذا ساعدك في أمور المنزل من تلقاء نفسه، عليك تشجيعه وإظهار حبك له؛ وإذا استمر في مساعدته لك، عليك أخذه إلى الدكان المجاور لشراء كل ما يرغبه.
- إذا لعب بهدوء مع إخوته ورفاقه – وذلك خلال فترات طويلة من الزمن – عليك أن تخبىء له مفاجأة سارَّة.
إذاً المكافأة على نوعين:
- مكافأة سريعة وآنية على كل عمل سليم قام به.
- مكافأة على شكل مفاجأة سارَّة، تكون تعبيراً من الأهل على رضاهم من سلوك ولدهم.
عندما يُلاحظ الأهل أن ولدهم قد أخذ يتصرف يومياً بشكل سليم وهادئ في جميع المجالات الحياتية، عليهم أن يخففوا من شراء الهدايا والمكافأة المادية، لأن تصرفاته حينئذٍ تكون قد أصبحت جزءاً لا يتجزأ من شخصيته التي أصبحت تتسم بالتوازن، وقد يصل الولد أحياناً إلى حد رفض المكافآت، لأنّه مقتنع تماماً بأن سلوكه الجيِّد هو شيء طبيعي لا يحتاج إلى مكافأة الأهل؛ مع التشديد على ضرورة عدم إهمال الأهل لمبدأ المكافأة الإيجابية في المناسبات. لأنها تزيد من غبطة الولد وتشعره باهتمام والديه.
نادراً ما يلجأ الأهل إلى استعمال مبدأ للمكافأة الإيجابية تجاه أولادهم، لأنّ الأكثرية الساحقة منهم تلجأ إلى استعمال مبدأ المكافأة السلبية من ضرب ولطم وتهديد وتأنيب ووعيد؛ حتى يصبح ولدهم عرضة لدوامة الخوف والذعر، مما يفقده ثقته بنفسه، وكل قدراته الشخصية، ومن ثمّ يؤثر على توازنه الجسدي والنفسي معاً، فيندفع بسرعة إلى الانهيار وارتكاب الأخطاء؛ ذلك لأنّ الأهل لم يهتموا خلال فترات نمو ولدهم. إلّا بالنواحي السلبية مثال ذلك:
جاءني أبٌ ذات يوم يشكو من تصرفات ولده الذي يبلغ الرابعة من عمره، ويزعم بأنّه رئيس عصابة في المدرسة، يهدد رفاقه ويضربهم، وهو غير صالح، وسوف يفقده في حال استمراره باعتماد تصرفاته السيئة.
لكن عند استجوابي للولد المسكين، اكتشفت أن نفسيته ما زالت بريئة، وأنّه ما زال يتمتع بأرضية صالحة، فقلت لوالده؛ أن ولدك يملك خصائص إيجابية عدّة يجب التشديد عليها ومكافأتها، ومحاولة غضِّ النظر ولو بشكل مرحلي عن تصرفاته السلبية؛ لأنّ هذا الأمر قد ينجح بإعادته إلى الطريق الصحيح؛ وقد لاحظت أنّ الولد شديد الحركة "ديناميكي" يحب التعرف على كل شيء، وهنا بدل مكافأته على هذه الحيوية والفضول الإيجابي، كان والده يضربه وينهره.
بعد تفهم الوالد لحقيقة الموضوع أخذ يُغير من طبيعة علاقته بولده، الذي أخذ يتحسن تدريجياً، حتى أصبح مطيعاً لكل ما يطلبه منه الأب، وهذا يعتبر نجاحاً معنوياً لجميع أفراد العائلة.
أن مبدأ المكافأة الإيجابية له فوائده الكثيرة، مما يعمل على ترسيخ التصرفات السليمة في نفس كل ولد من أولادنا، ويشجعهم على السير قدماً في الطريق الصحيح.
أما مبدأ المكافأة السلبية، فهو عقيم لا ينتج عن استعماله سوى الضرر والمآسي الاجتماعية، لأنّ هذا قد يزيد من عناء الولد ومن تصرفاته السيئة وقد يصبح بعدها من الصعب استعادته نحو الطريق الذي تنشده.
إن كل تربية ناجحة تتطلب من الأهل معرفة عدّة أمور:
· من يعاشر أولادهم.
· الأماكن التي يترددون إليها.
· الكتب والرسوم التي يرغبونها.
· الألعاب التي يحبون شراءها.
· الرياضات التي يرغبون بممارستها.
كل هذه الأمور تساعد الأهل على اكتشاف أكثر خفايا شخصية ولدهم، مما يساعدهم أيضاً على مكافأة الجوانب الصالحة وتشجيعها حتى تتغلب على الجوانب السيئة، وحتى تترسخ التصرفات الحسنة فتنطبع هذه التصرفات بشخصيته بشكل دائم ومستمر؛ كما يتوجب على الأهل تجاهل الجوانب السلبية كي لا نلفت انتباه ولدنا إلى أهميتها، إلا في ثلاث حالات:
· في حال أنها تؤثر على حياة ومستقبل الولد.
· في حال ارتكاب الولد الأخطاء الجسيمة من سرقة وإدمان وغيرها.
· في حال أن تصرفاته أخذت تسيء إلى عائلته ومدرسته ومجتمعه.
اصلاح السلبيات التي يرتكبها الأولاد يكون بطريقة سيكولوجية ذكية وسليمة ومدروسة وهادئة حتى تأتي النتائج المنتظرة حسنة؛ وحتى لا تؤزم حالتهم النفسية التي يعيشونها، لذا فإنّه يتوجب على الأهل اعتماد مبدأ المكافأة الإيجابية في حال قيام أولادهم بأي عمل مرغوب، مثل قيامهم ببعض الترتيبات المنزلية، كالموظف الذي يتقاضى راتبه الشهري في حال قيامه بواجباته خلال فترة عمله؛ فالطرق القديمة من تهديد ووعيد أصبحت غير مجدية، وغير مثمرة، ولا يمكن أن ينتج عن ممارستها سوى دب الذعر والخوف في نفوس الأولاد. وخلق أمراض نفسية مستعصية يصعب معالجتها بشتى الوسائل العلمية.►
المصدر: كتاب أحبب أولادك ولكن..؟
ارسال التعليق