• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

بعض صفات الله في القرآن

عفيف عبدالفتاح طبّارة

بعض صفات الله في القرآن

لا نرى ديناً يصف مقام الألوهية وما يليق بها من كمال ومعرفة كما يفعل الإسلام، فالدارس للقرآن يستشعر من خلال آياته – في وصف الخالق – شعوراً مليئاً بالخشوع والانبهار لهذه الذات الإلهية التي لا يحدها فكر ولا يحيط بها عقل.

والذي يجعل الإنسان في منأى عن الإشراك بالله هو الاعتقاد برابطة وصلة تجمعه بهذه القدرة الإلهية، فأي حاجز وأي وسيلة بينه وبين الذات الإلهية من الدواعي للإشراك به، ولهذا نرى الإسلام يجعل بين الله والناس رابطة لا تلجئهم إلى الاستعانة بغيره.

وإلى القارئ عرضاً مختصراً لهذه الصفات والروابط التي جعلها الله بينه وبين الناس:

 

قدرة الله تعالى:

الكون وما يحتويه من كائنات حية وغير حية أثر من آثار قدرة الله أبدعها من العدم، إنّها قدرة شاملة في نواحي هذا الكون لا يعجزها شيء البتة، هذا ما أعلنه القرآن:

(تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الملك/ 1)، (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الحج/ 6).

انّها قدرة تنتج ولكن إنتاجها أعلى وأسمى وأكثر من مجموع إنتاج البشر، فالعقل البشري مجالاته في معرفة وصنع الأشياء محدودة بخلاف قدرة الله التي لا تقف عند حدّ. فالحشرة، وهي من أبسط مخلوقات الله لا تستطيع البشرية بأجمعها خلقها. هذا هو الفرق الشاسع بين قدرة الإنسان وقدرة الله اللامتناهية التي صورها القرآن بقوله: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ) (الحج/ 73).

وآثار القدرة الإلهية التي نشاهدها في هذا الكون تدل على طاقة لا تقف عند حد، فمن المعلوم انّ جميع ما على الأرض من طاقة مستمد من نور الشمس، والشمس نجم كسائر ما نرى في السماء من نجوم لا يحصى عددها إلّا الله، فما هو مبلغ تلك الطاقة العظيمة التي تشعها أنوار هذه النجوم في هذا الكون؟

هذا هو مثل لقدرة الله نضعه للإنسان ليتخيل مبلغ عظمة قدرة الله التي صورها القرآن في هذه الآية الموجزة الرائعة: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) (النّور/ 35).

وقدرة الله تتغلغل في صميم حياة الإنسان، فلا داعي للالتجاء إلى غير الله للحصول على مرغوب واجتناب مكروه لأنّ ذلك لا يملكه غيره. جاء في القرآن: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) (الأنعام/ 17-18).

وقدرة الله سارية في خلق الذكور والإناث، فلا داعي للالتجاء إلى آلهة أو الارتماء في أحضان الدجالين للحصول على ولد. جاء في القرآن في وصف قدرة الله:

(يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ) (الشورى/ 49).

(وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا) (الشوى/ 50).

وقدرة الله نافذة في إعزاز الأُمم وإذلالها، قال الله تعالى: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (آل عمران/ 26).

فكم من الأُمم بلغت منزلة عالية من السلطان والنفوذ ثمّ استذلت؛ وكم من الملوك والزعماء بلغوا أرفع منازل الجاه ثمّ وصلوا إلى نهاية مؤلمة من قتل وسجن ونفي.

إنّ المؤثر والموجّه في مصائر الشعوب والأفراد هو الله وحده فلا حاجة للالتجاء إلى غيره، ولكن في سبيل الحصول على حياة أفضل يصرّح القرآن: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرّعد/ 11)

هذه الآية العظيمة تصرح بأنّ سُنّة الله جرت بأن لا يغيّر حال الأُمم من شقاء إلى سعادة إلّا إذا غيّر الأفراد والجماعات ما بأنفسهم فالأُمّة التي تصلح من أمرها فإنّها جديرة بأن يمدها الله بمعونته، أما الأُمّة التي تستبيح الظلم وتتحلل من الفضائل فانّها تستحق أن تقع تحت ظل الاستعباد من الأمم المجاورة.

 

علمُ الله تعالى:

إنّ الله عليم، لم يسبق معرفته جهل، ولا يعدو عليه نسيان، وعلمه محيط بالأمس واليوم والغد والظاهر والباطن، بالسماء والأرض، بالدنيا والآخرة. وما هذا الكون وما فيه من والإتقان إلّا برهان على شمول علم الله وحكمته. فمن الحجج الرائعة في القرآن للدلالة على شمول علم الله هي: انّ الله خالق كلّ شيء والذي يخلق المخلوقات كلّها فبالأحرى أن يعلم أسرارها وخفاياها: (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (الملك/ 13-14)..

وإذا صرّح القرآن بأنّ الله يعلم سريرة الإنسان وعلانيته فهو فوق ذلك يعلم كلّ شيء في الوجود تأمّل هذه الآية التي تشعر فيها بجلال الربوبية:

(اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الأرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ * عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ * سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ) (الرّعد/ 9-10).

فالآية تقول: إنّ الله يعلم ما تحمل كلّ أنثى من جنين ويعلم أ ذكر هو أو أنثى، وما تنقص الأرحام بالولادة، وما تزداد بالحمل وقتاً بعد آخر، وكلّ شيء عنده سبحانه بقدر وزمان معلوم. ويعلم الله أيضاً ما يغيب عن حِسّنا وما نشاهده، وهو سبحانه العظيم الشأن يعلم كلّ ما في الوجود. ويعلم فوق ذلك ما نسر وما نعلن من أفعال وأقوال، ويعلم ما هو مستخف في ظلمة الليل وظاهر في وضح النهار.

ويعلم الله دقائق هذا الكون وخفاياه: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (الأنعام/ 59).

يتبيّن لنا من هذه النصوص القرآنية أنّ نظرية الإسلام في الله ليست مجرد نظرية فلسفية ميتافيزيقية كما يعتقد كثير من الغربيين الذين يعتقدون أنّ الله خلق العالم ثمّ عرج إلى السماء ولا شأن له به، بل يعتقد المسلمون أنّ الله يعمل في العالم دائماً فكلّ ما حدث وكلّ ما يتجدّد حدوثه من عمله المستمر.

 

ليس كمثل الله شيء:

مخالفة الذات الإلهية لغيرها من المحدثات ظاهرة، والبداهة تقضي بأنّ مرتبة المخلوق دون مرتبة الخالق بكثير، وأنّ الخالق كذلك لا يشبه شيئاً من خلقه لا في ذاته ولا في صفاته، فإذا قيل: إنّ الله يسمع فليس ذاك بأذن كآذاننا، أو يرى فليس ذلك بعين كأعيننا، فهو سبحانه غير مخلوقاته، وشأن الألوهية أسمى ما تتصوره العقول القاصرة.

فالفكر في ذات الخالق هو طلب للاكتناه من جهة، وهو ممتنع على العقل البشري لما علمت عن انقطاع النسبة بين الوجودين ولاستحالة التركيب في ذاته وتطاول إلى ما لا تبلغه القوة البشرية من جهة أخرى، فهو عبث ومهلكة: عبث لأنّه سعي إلى ما لا يدرك، ومهلكة لأنّه يؤدي إلى الخبط في الاعتقاد، لأنّه تحديد لما لا يجوز تحديه وحصر لما لا يصح حصره.

وهذا ما ذهب إليه الدكتور ماريت ستنالي كودج:

"ومما لا شكّ فيه أنّنا نحتاج في محاولتنا لوصف الخالق ومعرفة صفاته إلى مصطلحات ومعان تختلف اختلافاً بيّناً عن تلك التي نستخدمها عندما نصف عالم الماديات.. وبخاصة بعد أن تبيّن لنا أنّ هذا الكون الذي نعيش فيه لا يمكن أن يكون مادة صرفاً وإنما هو مادة وروح، أو مادة وغير مادة ولا نستطيع أن نصف الأشياء غير المادية بالأوصاف المادية وحدها".

ولكن بعض الناس ضلوا واختلفوا في ذات الله، فبعض الوثنيين يرى: أنّ الله أرواح تمثلها الأصنام والأوثان، ويرى آخرون: أنّ الله حلّ في بعض أجساد أهل الأرض.

أمّا الإسلام فرد الأمر إلى نصابه، وأتى بالقول الفصل في حقيقة الله، ودحض كلّ الشبهات والأباطيل التي رانت على العقول حول الاعتقاد في الله.

ونظرية الإسلام ترى: أنّ للكون خالقاً واحداً متصفاً بجميع صفات الكمال، وتدعو بأن نجلَّه عن التشبيه والتجسيد، وعن كلّ صفات المخلوقين. وهذا ما نراه في هذه الآيات القرآنية التي وصفت الله بهذه الأوصاف:

(لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ) (الأنعام/ 103). (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (الشورى/ 11). (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا) (طه/ 110). (سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) (الزخرف/ 82).

والرسول محمّد (ص) أمر بالتفكر في مخلوقات الله، ونهى عن التفكير في ذات الله فقال: "تفكروا في آلاء الله ولا تكفروا في ذات الله" وقال أيضاً: "تفكروا في كلّ شيء ولا تفكروا في ذات الله".

وهذا الذي قرره الإسلام من تنزيه لخالق الكون لم تصل إليه أرقى الفلسفات إلّا بعد الإسلام بقرون كثيرة، فنشوؤه في جزيرة العرب في ذلك العهد دليل على أنّ القرآن وحي إلهي.

 

حياة الله تعالى:

الله مصدر الحياة وهو واهبها لكلّ حيّ، فيتحتم عقلاً أن يكون متصفاً بالحياة في أكمل صورها، وحياة الله خالدة لا يلحقها فناء ولا نعاس ولا نوم جاء في القرآن:

(اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) (البقرة/ 255).

وجاء في القرآن وصف ما يلحق الكائنات الحية التي تعيش على الأرض والصفة الثابتة لله تعالى بأوجز عبارة وأبلغها تشهد بمصدرها الإلهي.

(كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ) (الرحمن/ 26-27).

وحياة الله لا تحتاج إلى طعام كالكائنات الحيّة. قال تعالى: (قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (الأنعام/ 144).

بهذه الآية قطع الإسلام السبيل على الكهنة الوثنيين الذين يأمرون اتباعهم بتقديم القرابين والذبائح للإله أو الآلهة، فلا قرابين ولا ذبائح تُقدّم للمعابد يستفيد منها الكهنة وحدهم لأنّ الله لا يأكل، وبهذه الحقيقة الواضحة التي أعلنها القرآن حرّر الإنسان من هذه الأباطيل التي انتشرت في كثير من الشعوب قديماً والتي لا يزال البعض يفعلها حتى الآن هادرين بذلك أموالهم وإنتاجهم عبثاً، فلا يخفى أنّ هذا التوضيح القرآني قد أقفل باباً كان يلجه الملحدون لاستغلال هذه الشعائر الدينية في سبيل مهاجمة الدين عموماً.

ويصرّح القرآن بأنّ حياة الله منزهة عن الزوجة والولد وبهذا سدّ الإسلام منفذاً كبيراً تسرّب منه أدعياء الألوهية إلى استغلال الشعوب حينما ادعوا انّهم أبناء الآلهة يجب عبادتهم والخضوع لهم، قال سبحانه: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ) (الأنعام/ 100-101).

والمعنى: الله الذي أنشأ السماوات والأرض كيف يكون له ولد مع انّه لم تكن له زوجة، وقد خلق كلّ شيء وهو عالم بكلّ شيء، ذلكم الله ربكم، لا إله غيره خالق كلّ شيء مما كان ومما سيكون، فهو المستحق للعبادة فاعبدوه وحده.

 

سمع الله وبصره:

من الصفات التي يتّصف بها الخالق السمع والبصر، ولا يمكن تصور الذات الإلهية دون سمع وبصر، هذه الحقيقة ذكرها القرآن فيما جاء على لسان إبراهيم عندما دعا والده إلى نبذ عبادة الأصنام بقوله: (يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا) (مريم/ 42). ومعنى هذا القول إنّ الإله المعبود يجب أن يكون سميعاً بصيراً وهذا ما قرره القرآن في آيات كثيرة من ذلك إنّ إحدى النسوة وتدعى "خولة" جاءت إلى الرسول محمّد تشكو إليه زوجها، فأنزل الله عليه هذه الآية: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) (المجادلة/ 1).

 

كلام الله تعالى:

الكلام من صفات الله، ولكن هناك فرقاً بين هذه الصفة في الله والإنسان فالكلام في الإنسان بالألفاظ ينطق بها أو يكتبها على حين انّ الله يعتبر متكلماً بالوحي والإلهام يخلقه في روع من يصطفيه، وبالألفاظ يخلقها في نفس كليمه وبالملك يرسله لمن يشاء من رسله وإلى ذلك يصرّح القرآن:

(وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) (الشورى/ 51).

والكلام (من وراء حجاب) هو الكلام الذي يكون بواسطة الألفاظ يخلقها الله في قلب من يرفع منزلته بتكليمه، وتلك الحالة هي التي خُص بها موسى (ع) وفي هذا يقول الله تعالى: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ) (البقرة/ 153).

وكلام الله ليس له نهاية ولا عدّ: (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ) (لقمان/ 27).

 

قِدَمُ الله تعالى وبقاؤه:

قال الله تعالى: (هُوَ الأوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (الحديد/ 3).

فالله هو الأوّل أي قبل كلّ شيء بلا بداية، الآخر أي بعد كلّ شيء بلا نهاية، والظاهر أي بالأدلة عليه، والباطن أي عن إدراك الحواس.

وقال الله تعالى: (وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا إِلَهَ إِلا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (القصص/ 88).

 

المصدر: كتاب رُوح الدين الإسلامي

ارسال التعليق

Top