الإحسان إلى اليتيم خُلق إسلامي رفيع حثّنا الإسلام عليه وندبنا إليه، بل وجعله من أفضل الأعمال وأزكاها، قال تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ...) (البقرة/ 177).
شاءت إرادة الله أن يُولد رسولنا العظيم محمّد (صلى الله عليه وآله سلم) يتيماً؛ ليتولى الله الكريم تربيته بنفسه، لذلك قال (صلى الله عليه وآله سلم) عن نفسه: «أدبني ربّي فأحسن تأديبي» فإذا كان المؤدِب هو الله، والمؤدَب هو رسول الله، والواسطة هو جبريل الأمين (عليه السلام)، فإنّها لكمالات. وُلِدَ النبيّ (صلى الله عليه وآله سلم) يتيماً كي يكون باعثاً لنا لنكرِّم اليتيم، كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله سلم): «أنا وكافِلُ اليتيمِ في الجنّةِ كَهاتينِ»، وأشارَ بأُصبُعَيهِ يعني: السَّبَّابةَ والوسطَى. إنّ اليتيم هو مَن مات أبوه وهو صغير.. اليتيم هو الشخص الضعيف الذي فَقَدَ مصدر الأمن والحنان والحماية.. فقد نظرة الرحمة الحانية من أبيه أو أُمّه.
جاء الإسلام ليرعى اليتيم ويؤسّس حقوقه قبل العالم بأربعة عشر قرناً، ويحثّ الناس على كفالته، ورعايته عاطفياً ووجدانياً، حتى ينشأ سويّاً ومُحبّاً للخير، وقد عظَّم اللهُ شأنه، وجعل له مكانة كبيرة في الإسلام، ومن تكريم الله له أنّه حينما يبكي يهتز لبكائه عرش الرحمن، ويقول الله حينها: «مَن الذي أبكى هذا الغلام الذي غيبت أباه في التراب». وجعل الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) خير بيت في المسلمين؛ بيت فيه يتيم يُحسن إليه، فإنّ خير البيوت بعد بيوت الله هي البيوت التي فيها يتامى يُحسن إليهم... وجعل الله علاج قسوة القلب وأمراض القلوب، في المسح على رأس اليتيم، وإطعام المسكين، فقد جاء رجل إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يشتكي من قسوة قلبه، فوصف له النبيّ العظيم الدواء الناجع بقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «امسح رأس اليتيم واطعم المسكين».
وقد حفل القرآن بآيات عديدة عن اليتيم، تخطت عشرين آية، منها قوله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللهٍ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ) (البقرة/ 220)، وقال سبحانه: (وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهً كَانَ بِهِ عَلِيماً) (النِّساء/ 127)، وقال جلّ جلاله: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَآ أَنْفَقْتُمْ مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) (البقرة/ 215)، وقال تعالى: (وَاعْبُدُواْ اللهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ) (النِّساء/ 36)، وكذلك قوله عزّوجلّ: (كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ) (الفجر/ 17)، وقال عزّ مَن قائل: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ) (الضحى/ 9)، وقوله تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) (الإنسان/ 8).. لقد جاءت الرؤية القرآنية لتؤكد أنّ كفالة اليتيم ورعايته وصيانته والقيام على أُموره من أعظم أبواب الخير والبرّ والرحمة، والناظر المدقق في الآيات السابقة يلحظ أنّ الله تعالى قد عطف بحرف (الواو) ليفيد مطلق الجمع بين المتعاطفين، وكأنّ الإحسان إلى الوالدين وذي القربى واليتامى... إلخ من عبادة الله عزّوجلّ، ولا يَقِلّ عنها بل يأتي بعدها مباشرة. وإذا كانت الرؤية القرآنية قد حفزت النفوس والهمم على كفالة اليتيم، وصيانته، ورعايته، وتحقيق أمنه بمعناه الشامل، فإنّها في الوقت نفسه، حذرت من إيذائه بأي صورة من صور الإيذاء، سواء أكان حسياً أم معنوياً.. مباشراً أم غير مباشرٍ.. بالقول أو بالفعل.. بصريح العبارة أو كنايتها.. يقول تعالى: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ) وحذرت من إيذائه في ماله وهو الضعيف الذي لا يقوى على حمايته؛ بل جعلت الاعتداء على أموالهم خطًّاً أحمر، يستوجب العقاب الشديد في الدنيا والآخرة، (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) (النِّساء/ 10).
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق