◄(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) (المائدة/ 67).
(الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا) (الأحزاب/ 39).
الإسلام رسالة العقل والفكر والمنطق.. لذا فهو يخاطب العقول، ويعتمد على الحجّة والدليل في الإقناع وإيصال العقيدة والفكر إلى الناس.. من هنا كانت الدعوة إلى الله سبحانه، والتبليغ بالتي هي أحسن، واجب الأنبياء والرُسُل وأتباعهم.
(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (النحل/ 125).
قال الرسول (ص): "أمرنا معاشر الأنبياء أن نكلم الناس على قدر عقولهم".
لئلا يكون للناس حجة في عدم الاستماع إلى كلمة الهدى والصدود عن الحقّ.. لذلك كلف الله المسلمين بحمل الإسلام والدعوة إلى الله سبحانه إلى البشرية كافة.. ولذلك خاطب الله الأُمّة الإسلامية بقوله: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) (البقرة/ 143).
وجعلها شهيدة على الناس بما تحمل إليهم من دعوة إلى الهدى، وتبليغ لرسالة الإسلام.
إنّ المبلغ يمارس دور الأنبياء ويحمل مهمتهم.. وإنّه لشرف عظيم يتحمله هذا الإنسان.. فهو منقذ وهادٍ إلى طريق الله.. إنّ المبلِّغ يأخذ بيد الناس للسير في طريق الهدى.. ويخرجهم من الظلمات إلى النور.. لذلك نجد الرسول الكريم (ص) يقول: "نضَّر[1] الله عبداً سمع مقالتي، فحفظها ووعاها، وأداها كما سمعها، فربّ حامل فقه غير فقيه، وربّ حامل فقه إلى مَن هو أفقه منه".
وقال رسول الله (ص) للإمام عليّ (ع): "يا علي لا تقاتلن أحداً حتى تدعوه إلى الإسلام، وأيم الله لئن يهدي الله عزّوجلّ على يديك رجلاً خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت".
ونستطيع أن نعرف أهمية دور المبلّغ، ومَن يدعو الناس إلى الإسلام إذا عرفنا أنّ هداية إنسان واحد خير من الدنيا كلّها.. ذلك لأنّ هداية هذا الإنسان تقود المبلّغ إلى الجنّة، وملك الدنيا بأسره لا ينقذه من النار، ولا يدخله الجنان.
إنّ هذا الأجر العظيم، والشرف الكبير الذي ادخره الله سبحانه لمبلغي رسالته، والداعين إلى دينه ليجعل المسلم المخلص الواعي يبادر لأداء هذه العبادة المقدسة، ويسارع إلى هذا الخير العظيم.
إنّ مَن يتحمّل مهمة التبليغ، ويتحمّل نفسه مهام الهداية، لهو إنسان يحبّ الخير للجميع.. متجرد من الأنانية.. قد شده الحبّ الإلهي إلى أن يدعو الناس إلى مولاهم الحقّ، ويقودهم في طريق الهدى.
ونستطيع أن نعرف أهمية الدور الذي يقوم به المبلّغ في حياة الأُمّة، وقيمة عمله عند الله سبحانه، ونكتشفه من تفسير الامام جعفر بن محمّد الصادق (ع) في بيان معنى الأحياء في الآية الكريمة: (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) (المائدة/ 32).
فقد نقل الطبرسي في تفسير مجمع البيان:
"ومَن استنقذها من غرق أو حرق، أو هدم، أو ما يميت لا محالة، أو استنقذها من ضلال فكأنّما أحيا الناس جميعاً، أي أجره على الله، أجر مَن أحياهم جميعاً، لأنّه في إسدائه المعروف إليهم بأحيائه أخاهم المؤمن، بمنزلة من أحيا كلّ واحد منهم.. عن مجاهد والزجاج، واختاره الانباري، وهذا المعنى مروي عن الإمام أبي عبدالله (ع)، ثمّ قال: وأفضل من ذلك أن يخرجها من الضلال إلى الهدى".
ويفسّر القرآن هذه الآية في آية أخرى، حيث اعتبر الدعوة إلى الإسلام، دعوة إلى الحياة، وترك الدعوة إليه معناه تسليم الإنسان إلى الموت.. فهو لا يحيا الحياة بمعناها الحقيقي إلّا في ظل الإسلام.. وهو في ظل المبادئ والنظم المنحرفة وسيطرة الطواغيت لا يذوق طعم الحياة، إنّما هو في عداد الموتى.. لأنّه فاقد للكرامة والأمن والسعادة. ولا يستطيع أن يحقق معنى الحياة وأهدافها.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) (الأنفال/ 24).
فالحياة الحقّة هي في الإسلام.. ولا تكون إلّا في ظل الإسلام.. والمبلغون يريدون أن ينقذوا الناس من الموت.. من الضلال.. إلى الحياة.. إلى الهدى.. فطوبى لمن دعا الناس إلى الله، وبلغ رسالته..
مَن أدخلهم في الإسلام.. ومَن يقوم بتغيير المجتمع اللاإسلامي، ويعمل من أجل بناء المجتمع الإيماني والحياة الإسلامية السعيدة.
إنّ القرآن حدّثنا عن تبليغ الأنبياء وإصرارهم ومعاناتهم في هذا السبيل..
فقال نوح (ع) لقومه: (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) (الأعراف/ 62).
وقال هود (ع) لقومه: (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ) (الأعراف/ 68).
وقال صالح (ع) لقومه: (يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ) (الأعراف/ 79).
وقال شعيب (ع) لقومه: (لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ) (الأعراف/ 93).
وقال هود لقومه: (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) (هود/ 57).
وتحدّث القرآن في مورد آخر عن التبليغ والرسالة فقال: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا) (الأحزاب/ 39).
(فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) (آل عمران/ 20).
وإذن فالدعوة إلى الله. وتبليغ الرسالة الإلهية.. وحملها إلى الناس، مهمة الرُّسل ومسؤولية الأنبياء.. وعلى نهجهم يسير أتباع الرُّسل والدُّعاة إلى الله سبحانه.. ومبلغوا رسالة القرآن.
وإنّ مَن يستقرئ آيات التبليغ والدعوة والأمر بالمعروف والقول الحسن.. يدرك عظمة التبليغ، وأهمية الدعوة إلى الإسلام.. ويعرف مسؤوليته تجاه دينه وعقيدته في خضم هذا الصراع الحضاري المرير.. وفي تلك المجموعة من الآيات الآنفة الذكر نجد القرآن يتحدّث عن ملحمة الصراع التبليغي.. ويعرض نماذج من أقوال الأنبياء.. المبلغين رسالات الله.. الذين لا يخشون أحداً من الناس.. وحملة دعوة الهدى إلى البشرية.
فصوّرَ لنا حوار المبلغين، وإصرارهم على حمل مبادئ الهدى، والصبر على أذى المجرمين والخصوم.. والوقوف بوجه الاستكبار الجاهلي الكافر، والفكر الحضاري المعادي لشرعة الله.. ويعرض لنا نموذجاً من حوار أنبياء الله، نوح وهود وصالح وشعيب ومحمّد (عليهم الصلاة والسلام).
إنّ هذه الوثائق القرآنية تصور لنا الطريق الصعب الذي سلكه الأنبياء في مسيرة الدعوة إلى الله وتبليغ رسالاته، ويرسم أمامنا مشاهد المواجهة والحوار المحتدم بين الرسل وأتباعهم.
الرسل الذين يبلغون رسالة الهدى، ويدعون الناس ليسلموا لرب العالمين، ويتحرروا من سيطرة الطواغيت والمستكبرين، ويحطموا قيود الذل والاستعباد.. لينطلق الناس أحراراً وليعيشوا في ظل شريعة الله.
إنّ القرآن يتحدّث عن الجهود الشاقة التي يبذلها الرُّسل في تبليغ دعوتهم، ووضع المشاهد الملتهبة بالصراع أمام الرسول الهادي محمّد (ص)، وأتباعه، والدعاة إلى الله.. ليعرفوا الطريق الصعب، ويصبروا على حمل الرسالة وتبليغ الدعوة الإلهية.
أيّها المسلمون.. يا أبناء الإسلام.. ويا أتباع محمّد (ص).. ويا حملة القرآن.. أيّها الخطباء.. أيّها المثقفون الإسلاميون.. أيّها الكتاب والمفكرون.. أيّها الأدباء والفنانون.. كونوا دعاة إلى الله، وجندوا طاقاتكم لنصرة عقيدتكم وأُمّتكم، والوقوف إلى جانب الحقّ.. فإنّ الأُمّة الإسلامية تمر اليوم بمنعطف خطير وبمرحلة صراع حضاري صعب ومصيري.. وتكبلها قيود الظلمة والمستكبرين.. وتقف بوجه طلائعها، وحملة لواء الإسلام قوى الكفر والضلال والاستكبار.
يا أتباع محمّد العظيم (ص): كونوا يداً واحدة.. وأُمّة واحدة.. وروحاً واحدة.. وجسداً واحداً.. وجندوا طاقاتكم من أجل الدعوة إلى الإسلام، وتبليغ رسالة سيِّد المرسلين وبعث الوعي الإسلامي.. وتصحيح التفكير المنحرف، وإزالة غشاوة الجهل والتضليل.
فإنّ تبليغ الرسالة الإلهية والدعوة إلى الإسلام أمانة ومسؤولية في أعناق المسلمين.
علينا أن نكافح الاستضعاف الفكري، ونقف بوجه الغزو الحضاري، فنكشف زيف المبادئ والنظريات والأساليب الجاهلية الوافدة من الشرق والغرب ونثقف الجيل المسلم بالثقافة الإسلامية الواعية ونعرض الإسلام بنقائه وأصالته خالياً من كلّ شائبة ودخيل.
علينا أن نختار الوسائل والأساليب العصرية المجدية.. أن نستعمل الراديو، والتلفزيون، وآلة التسجيل، والكتاب، والصحيفة، والمجلة، والمحاضرة، والحوار، والحديث مع الأفراد والجماعات.. وأن نؤسس المجامج الثقافية الإسلامية، والجمعيات، والمنظمات، والمدارس، والمعاهد الدراسية، لدراسة الفكر والتشريع، والمعارف الإسلامية، لنبني جيلاً يحمل العلم والإيمان، ويتسلح بالأخلاق والقيم الإسلامية الرفيعة.
علينا أن ننهض أفراداً وجماعات لتبليغ رسالة الله، وندعو للإسلام.
علينا أن نعي مضمون كتاب الله العزيز الذي حشد لنا العبر والقصص والأمثال من حياة الرُّسل والأنبياء.
لنحمل رسالة نبينا محمّد (ص) إلى البشرية كافة، ولنبدأ بتغيير أنفسنا ومجالنا الاجتماعي الذي نتحرك فيه.. فليؤدِ العالم رسالته في المسجد.. فليتخذ المسجد محلاً للدعوة إلى الله، وتعليم المسلمين أحكام دينهم، وبث الوعي السياسي والاجتماعي فيهم.. ليعقد حلقات الدرس القرآني، والفقهي، والثقافي العام.
وليوجه الخطيب خطابته إلى جموع الحاضرين والسامعين، وهي تحمّل الفكر النير، والمعرفة النقية، وليتجاوز الخطابة التقليدية، والأسلوب الكلاسيكي الراكد.. الذي لا يثير الحس الإيماني، ولا يحرك الوعي الإسلامي، ولا يدفع بطاقات الأُمّة نحو التغيير والإصلاح.
وليجنّد الكاتب والمفكر والأديب والفنان قلمه وفكره وشعره وأدبه وفنه لخدمة الإسلام، ومعالجة القضايا الحضارية والفكرية، للقيام بمسؤولية الدفاع عن الإسلام ومقدساته.
أيّها المسلمون إنّنا جميعاً مكلفون بالجهاد دفاعاً عن الإسلام ومقدساته وفي مقدمات مجالات الدفاع هو الدفاع عن الفكر والثقافة الإسلامية والوقوف بوجه النظريات والمفاهيم الشرقية والغربية الجاهلية وتغيير السلوك الإنساني بمكافحة الفساد الأخلاقي والانحلال الذي يعمل أعداء الإسلام على نشره، وإفساد أبناء المسلمين، وحرف أجيال الشباب، ليبتعدوا عن الإسلام.. علينا أن نجنّد طاقاتنا لمكافحة الرذيلة والفساد في كلّ مكان.
أيّها المسلمون.. إنّ القرآن ينادي: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) (الفرقان/ 30).
لنحمل الدعوة إلى مبادئ القرآن وتطبيق أحكامه وقوانينه، فهو دستورنا، ومصدر عزنا وكرامتنا، وسبيل نجاتنا.. لكيلا نكون من الذين يشكوهم رسول الله يوم القيامة.. من الذين وضعوا كتاب الله خلف ظهورهم، وشكوى الرسول (ص) منها هو قلة الدُّعاة والمبلغين فيها، ومحاربة الطغاة والعملاء لهم.
إنّ القرآن يتسائل مستنكراً:
(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (فصلت/ 33).
فليس في هذه الأُمّة مَن هو أفضل من مؤمن يحمل الدعوة إلى رسول الله (ص) الذي وضع القرآن على لسانه بيان الطريق أمام الأُمّة، وهو يحثها على الاقتداء بالرسول (ص) بحمل دعوته المباركة، وتبليغ رسالته إلى الناس بقوله: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف/ 108).
إنّ سبيل الرُّسل والأنبياء، وسبيل سيِّد المرسلين هو الدعوة إلى الله، وتبليغ رسالاته.
فيأمر الله سبحانه وتعالى الرسول الكريم في هذه الآية المباركة بالتصريح بأنّه مبلّغ وداعٍ إلى الله هو وأتباعه الذين يسيرون على نهجه ويقتدون به.. وإنّ هذه الدعوة التي يحملها هو (ص) وأتباعه دعوة قائمة على أُسس واضحة.. على بصيرة، وعلى بينة.. محددة المعالم والمنهج والطريقة.
أيّها المسلمون.. يا أتباع محمّد (ص)، وإذا كان هذا سبيل الرسول الهادي (ص)، وسبيل أتباعه في كلّ زمان، فعلى كلّ قادر على تبليغ الإسلام وحمل دعوته إلى الناس أن يتحمّل مسؤوليته.. إمام الجماعة في مسجده، والطالب في مدرسته، والأب في بيته، والعالِم في آفاق علمه، والعامل في معمله، والكاتب بقلمه، والخطيب بمنبره، وهكذا كلّ يتحرّك في محيطه يوجهه نحو الإسلام..
إنّ قوى الجاهلية والضلال تحشد كلّ طاقاتها وجهودها اليوم لمواصلة الحملة العدوانية ضد الإسلام والأُمّة الإسلامية.. وتحاول بكلّ جهودها بث الفرقة والعنصرية والإقليمية والطائفية بين المسلمين، لتجعلهم فرقاً متناحرة، وفئات مختلفة، وأُمّماً شتى.. يضرب بعضهم عنق بعض.. ويعادي بعضهم بعضاً، فعلى الواعين من أبناء الإسلام، والمخلصين للقضية الإسلامية، أن يواجهوا هذا المخطط العدواني الخبيث، ويصدوا هذه المؤامرة، فإنّ عدوهم الحقيقي هو الاستكبار العالمي الكافر والتابعين له والنظم والقوانين الجاهلية التي فرضت عليهم.
أيّها المسلمون.. إنّ القرآن الكريم يأمرنا أن نهَّب من أجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الإسلام بقوله: (فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ) (التوبة/ 122).
(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران/ 104).
إنّ القرآن الكريم يلزمنا إلزاماً مؤكداً في هذه الآية أن تكون منّا جماعة تدعو إلى الإسلام، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر.. كما يأمرنا بأن تقوم جماعة منّا بالتفقه بالدين، وتبليغ أحكامه ومفاهيمه إلى الآخرين.
أيّها المسلمون.. إنّ التقاعس عن الدعوة إلى الإسلام جعل النشاط الصليبي يتغلغل بين الوثنيين في آسيا وأفريقيا، ويعمل على إدخالهم في دين الكنيسة.
بل وزحف هذا الخطر عن طريق الوسائل والأساليب الكثيرة، فتنصر عدد من أبناء المسلمين الذين دخلوا الإسلام حديثاً أو كانوا ضعافاً في دينهم.
إنّ المبلّغين ودُعاة الإسلام عليهم أن يبذلوا جهداً مخططاً ومدروساً، ليكون منتجاً.. كما عليهم أن يتحمّلوا المشاق والصعاب، ليوصلوا الإسلام، والوعي الإسلامي إلى كلّ مكان.. إلى القرية النائية، وإلى الجامعات المغلقة للفكر المادّي الجاهلي.. ولابدّ لعملية الدعوة والتبليغ من الاعتماد على مبادئ أساسية هي:
1- إعداد المبلّغين والدُّعاة إعداداً خاصاً، من حيث الفكر، والثقافة، والمعرفة الإسلامية، والإحاطة بظروف المجتمع، وأساليب الدعوة والتبليغ الناجحة.
2- وضع خطة عمل مدروسة لعمل كلّ مبلِّغ، ولكلّ منطقة آخذين بنظر الاعتبار الظروف والأوضاع الاجتماعية المؤثرة على عملية التبليغ.
3- عقد المؤتمرات التي تدرس فيها أعمال المبلِّغين ونشاطاتهم، وتنظيمها، لمعرفة مواطن الضعف والقوة في عملهم.
4- إصدار المجلات والنشرات الخاصّة بالتبليغ والمبلِّغين التي تتعهد بتثقيف المبلِّغ، ورفع مستواه الثقافي، وتنشر أنباء التبليغ والدعوة إلى الإسلام، وتكشف النشاط المعادي للإسلام في هذا المجال.
5- إنشاء المعاهد الخاصة بأعداد الدعاة والمبلِّغين، وتدريبهم تدريباً عملياً على فن الدعوة والتبليغ.. وخصوصاً الكتابة والخطابة والحوار.. إلخ..
6- تأسيس الجمعيات، والهيئات، والمنظمات المتخصصة بمهمة التبليغ الإسلامي، لتكون متفرغة، تعمل بدقة واهتمام.
7- إصدار الكتب الصغيرة الحجم.. التي يسهل تناولها على القارئ، من حيث الأسلوب والفكرة، وبشكل منهجي يتناول موضوعات الفكر، والعقيدة، والتأريخ، والتشريع، والحضارة في الإسلام... إلخ، والتي تناسب مستوى المبدئ والمتعلم، وبمختلف اللغات العالمية المقروءة.. ذلك لأنّنا نجد كثيراً من اللغات الإنسانية لا يوجد فيها الكتاب الإسلامي المناسب، وبعبارة أخرى فلتكن لدينا ثقافة إسلامية جماهيرية.
8- الاستفادة من الأجهزة الصوتية كالإذاعة، وجهاز التسجيل، والتلفزيون، والفيديو، وأمثالها، لنشر الثقافة والمعرفة الإسلامية.
9- لقد استخدم المستعمرون في نشاطاتهم المعادية للإسلام الخدمات الطبية، والمساعدات المالية، والمؤسسات التعليمية كالمعاهد والجامعات والمدارس وغيرها، وسيلة لنشر أفكارهم وحرف المسلمين عن دينهم.. فحري بنا أن نلج هذا المجال قبل أعدائنا، وأن نقوم باستخدام هذه الوسائل لنشر الإسلام والتعريف به.
10 - فتح المكتبات الكبيرة والصغيرة والمتجولة في المدن والقرى والمدارس والبيوت.. إلخ، لتكوّن مراكز لنشر الثقافة والمعرفة الإسلامية الحقّة.
أيّها المبلِّغون: إنّ العالم يتحرّك والحياة تسير وقوى الجاهلية تخطط.. ولا يصح أن نقف في مكاننا، فعلى المبلِّغ أن يواكب روح العصر وأن يعرض الإسلام بلغة وطريقة ومضمون يناسب حاجة الإنسان ومستوى وعيه.. ليكون مصدراً للثقافة والإشعاع الثقافي، وعلى كلّ مسلم أن يؤدي دوره، ويشارك في تحمّل هذه المسؤولية العظيمة، ما يسعه من جهد وفكر ومال ووقت، ويساهم في إيصال كلمة الهدى إلى كلّ مجال يمكنه أن يوصله إليه على سطح هذا الكوكب، ليتم تبليغ الإسلام إلى الناس كافة.
ولكي يؤدي المبلّغ دوره المبدئي بكفاءة تتناسب مع حجم المسؤوليات الملقاة على عاتقه تجاه الرسالة والأُمّة فلابدّ له من أن يتحلى بصفات تؤهله لذلك ومنها:
1- أن يكون المبلّغ قدوة صالحة في سلوكه والتزامه بالإسلام كي تتأسى به الأُمّة وتحتذي خطاه ولا يكون مشمولاً بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) (الصف/ 2-3).
2- أن يتسلّح المبلّغ بالثقافة الإسلامية والوعي الإيماني المطلوب فبالفكر والثقافة والوعي يتم تصحيح مسار الأُمّة وإزاحة الأفكار المنحرفة عن طريقها ولا يستطيع أن ينهض بالأُمّة مَن يفتقد الثقافة الأصيلة لأنّ فاقد الشيء لا يعطيه.
3- الاطلاع على الثقافة العصرية ومتابعة التطورات الفكرية للعالم وتشخيص الأفكار الضالة والمنحرفة مسألة مهمة للمبلّغ كي يميز بين الثقافة المفيدة للأُمّة والثقافة الضارة لها ويميز بين العلوم الحقيقية والأفكار الضالة والثقافة المزيفة المتلبسة بلباس العلم فيفضح حقيقتها ويكشفها للأُمّة وقد قال الإمام عليّ (ع): "اعلموا أنّكم لن تعرفوا الرّشد حتى تعرفوا الذي تركه، ولن تأخذوا بميثاق الكتاب حتى تعرفوا الذي نقضه، ولن تَمَسّكوا به حتى تعرفوا الذي نبذه".
4- أن يفهم المبلّغ ظروف المجتمع وطبيعة الوسط الاجتماعي والسياسي الذي يعمل فيه ليتمكن من التعامل معه بنجاح.
5- أن يعيش المبلّغ هموم الأُمّة ويتحسس آلامها ويشاركها معاناتها ويخفف عنها ما يستطيع من أتعابها ويتعامل معها بخلق إسلامي رفيع فيكون بمثابة القلب لها بل بمثابة الأُم الحنون وقد كان رسول الله (ص) يتأذى كثيراً لما يعانيه الناس، رؤوفاً بهم عطوفاً عليهم، متعاملاً معهم بخلقه العظيم حتى نزل الوحي الكريم عليه: (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ) (فاطر/ 8).
وبهذه الروحية الفذة استطاع الرسول الكريم أن يعطف قلوب الناس إليه ويهديهم إلى سواء السبيل.
6- أن يتبع الأساليب والطريقة المناسبة حسب ظروف التبليغ وعملية التغيير الإسلامي المنشودة والمنسجمة مع أحكام الشريعة وقيمها فللأساليب دورها المؤثر في أي عمل اجتماعي.
7- أن يكون المبلّغ عميق الغور واسع الصدر صبوراً مرابطاً مجاهداً لا يتعجَّل الأمور والنتائج بل يعمل بكلّ حكمة وأناة حتى يفتح الله عليه وينصره فتغيير الأُمّة وهداية الناس لا يتأتى بالجهود الهينة والقصيرة دون العمل المستمر والجهد المتواصل.
8- وقبل كلّ شيء وبعد كلّ شيء أن يكون الله سبحانه وتعالى نصب عين المبلّغ يعمل في سبيله ويجاهد فيه ومنه يطلب العون والنصر والسداد والتوفيق وقد قال جلّ وعلا: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت/ 69).
(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (التوبة/ 105). ►
[1] - نضر: زين وجمّل.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق