• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

صناعة الكتاب والمؤلف

عزيزة علي

صناعة الكتاب والمؤلف
◄يرى كتاب وناشرون مبدعون أنّ الكتاب سلعة تحتاج إلى من يقوم على ترويجها وتسويقها لجذب القارئ لها، مشيرين إلى أن ذلك يكون عبر وسائل الإعلام المختلفة، فضلاً عن الدور المهم لمعارض الكتاب، وإن أبدى البعض تحفظه عليها لاتجاهها نحو الطابع التجاري. ويؤكد بعضهم على ضرورة الإفادة من التجارب الغربية في ترويج الكتاب وصناعة المؤلف النجم، معتبرين أنّ العملية تحتاج إلى تكامل الجهود بين الناشر والكاتب والقارئ. يرى الروائي البحريني أمين صالح أنّ الكتاب هو "منتج ثقافي، تعليمي، تربوي"، مبينا أنه يخضع لشروط ومعايير وآليات التوزيع والتسويق، والعرض والطلب، رائياً أنّه يصبح بذلك "سلعة تجارية" مستدركاً أنّه يختلف في الخاصية والهدف وطبيعة الإستهلاك عن السلع الأخرى". ولكن هناك وسائل ترويج مهمة يجب أن يقوم بها الناشر والموزع لجذب القارئ إلى الكتاب، مشيراً إلى ذلك بنوعية الطباعة، وجودة الورق، وشكل الغلاف، والإعلان التجاري للكتاب عبر وسائل الإعلام، والمشاركة في المعارض، وحفلات توقيع الكتب. وينوه إلى أنّ هناك فرقا بين "ناشر ذكي، متمرّس، ذي الخبرة وتجربة طويلة"، وبين ناشر لا يحسن الترويج لبضائعه ويقول صالح إنّ الناشر والموزع دائماً يفضل أن يتعامل مع الأسماء المشهورة، المكرسة، لرأيه أنها تضمن "رواج الكتاب والكسب المادي له"، مبيناً أنّ القارئ يتجه أوّلاً إلى "الماركة التي يعرفها والتي لها شعبية". ويرى أنّ الناشر يلعب دوراً كبيراً في صقل المؤلف، والترويج له، مستفيداً من موهبة هذا المؤلف وجاذبية حضوره في الوسط الثقافي. كما أنّه في بعض الأحيان "يتبنى شخصاً قليل الموهبة ويجعله مشهوراً ولو لفترة مؤقتة تماماً كما يفعل المنتج السينمائي مع الممثلين، وفق صالح. وبيد أنّه يستدرك أنّ الناشر ليس وحده الذي يتولى صناعة النجم، رائياً أن ذلك جهد متكامل يشارك فيه الناقد ومحرر الصفحات الثقافية والحزب والأجهزة الرسمية والمؤسسات الأدبية، بالإضافة إلى الكاتب نفسه الذي يسعى، في تسويق منجزه الأدبي. مدير دار الشروق فتحي البس يؤكد أن إنتاج الكتاب عملية ذهنية إبداعية بحثية يتحول إلى منتج ثمّ يصبح سلعة تطرح في السوق ويخضع لآليات السوق من حيث ضرورة تسويقه وبيعه، مبيناً أنّه بذلك يتحقق هدف الانتشار للمؤلف والربح المادي المشروع للناشر. ويرى البس أن عملية التسويق تواجه مشاكل منها: كيفية إيصاله للمتلقي المهتم بموضوع الكتاب. مضيفاً إلى ذلك عدم توفير بنية تحتية لتوزيع وعرضه حيث يبحث الناشر عن موزع جيِّد. ويضيف إلى أنّ الملتقي لا يقبل على شراء الكتاب بسبب الوضع الاقتصادي والقدرة الشرائية، إلى جانب العزوف عن القراءة، الذي يحيله إلى التربية المدرسية والعائلية ونظام التعليم التلقيني وانتشار وسائل الترفيه والمتعة المختلفة. الترويج والتسويق يحتاج، وفق البس إلى تضافر الجهود بين الناشر والمؤلف ومؤسسات المجتمع رسمية ومدنية، لإشهار الكاتب والكتاب. ويلفت إلى أن ذلك يكون بمشاركة وسائل الأعلام المقروءة والمسموعة والمرئية في صناعة القارئ وصناعة الكاتب من خلال التعريف الواسع والمتكرر. ويرى أنّ الناشر لا يستطيع أن يتحمل كلفة الإعلان الباهضة عن الكتب فيلجأ إلى الوسائل العادية مثل توزيع عينات على النقاد والصحفيين، والمراسات الإلكترونية والعادية، والاتصال بالموزعين وأصحاب المكتبات وأحياناً تنظيم حفلات توقيع والاشتراك بالمعارض العربية والمحلية ونادراً ما تنجح كل هذه المحاولات للترويج للكتاب. ويؤكد على أن معارض الكتاب "مهمة جدّاً لتسويق الكتاب وتقديمه إلى المتلقي"، ولكن على أهميتها، كما يقول البس، بدأت تفقد دورها "الأصلي كفعل ثقافي حيث بدأت إدارات المعارض تغلب عليها النشاط التجاري بدل الثقافي".

لذلك لابدّ من صناعة الكاتب النجم العابر لحدود بلده من خلال "الإعلام والإعلان، وهي مسؤولية مشتركة بين الناشر والمؤلف ومؤسسات بلد المؤلف التي يجب أن تعرف أنّ الكتاب وسيلة تواصل وتكوين رأي عام مشترك إضافة إلى أنّها صناعة لها مردود اقتصادي إن نجحت".

الروائية سميحة خريس ترى الناشر والمؤلف والقارئ لم يفلحوا في الترويج والتسويق للكتاب، فالكتاب "سلعة ويحتاج إلى من يروج له". وقالت خريس "الناشر لا يزال ينظر إلى الكتاب كـ"مصدر رزق بطريقة ما"، بعيداً عن فكرة الترويج إعلامية وإعلانية، يبيع الناشر الكتاب لبعض المراكز التي تشتري جزءاً كبيراً منه، كما أنّ القارئ لا ينظر إلى الكتاب كسلعة يجب أن يدفع ثمنها، بل يريد أن يقدمها له المؤلف "هدية". وتشير خريس إلى أنّ الناشر لا يملك تقنيات الترويج وتسويق للكتاب، والمؤلف يجهلها أيضاً، لذلك يبقى الكتاب سلعة غير رائجة بشكل كبير. وترى خريس أنّه في الغرب يكون هناك ترويج وتوزيع للكتاب من قبل القراء الذين يهتمون باقتناء الكتاب، بينما في عالمنا العربي وفي ظل الأمية وانتشار الشات بشكل كبير يبقى الإقبال على الكتاب في العالم العربي ثانوياً. الروائي السعودي يوسف المحيميد يرى أنّه لا يوجد "ترويج وتسوق للكتاب وللمؤلف كما يحدث في صناعة النشر الغربية". مشيراً إلى أنّ الناشر في الغرب "يقوم مع المؤلف بجولات وعقد ندوات وحفلات التوقيع المصحوبة بالبيع". مبيناً أنّ الكاتب الأمريكي يطوف ما يقارب خمسين ولاية، ومئات المدن، يلتقي بالقراء، ويجيب على أسئلتهم حول منتجه، ويلبي طلباتهم في التوقيع على نسخهم. أما الناشر العربي فهو لا يؤمن بعملية الترويج ويعتقد أنّها "مكلفة وتكبده الخسائر"، ولا يدرك أن نجاح الكتاب يتم من خلال التكاتف بين الناشر والمؤلف هو نجاح لهما معاً، خاصة إذا كانت هناك اتفاقيات وعقود ترجمة الكتاب إلى لغات عدة، وفق المحيميد. ويؤكد على أن آلية صناعة الكتاب والترويج له عربياً آلية "مفقودة تماماً، والتواصل بين المؤلف والناشر يتوقف عند طباعة الكتاب"، رائياً أنّ الناشر أصبح مجرد وسيط أو مراسل، بين المؤلف والمطبعة. ويشير إلى حضور الناشرين العرب في معارض الكتاب العالمية، مثل فرانكفورت ولندن وغيرهما، إلا أنّه لم "يفد ولم يغير ذهنية الناشر العربي المحدودة، ولم تجعله يفهم أسرار النشر الناجح، والتفوق التجاري والمعنوي، والانتشار الهائل". مبيناً أن نجاح الكتاب له مجموعة عناصر "مؤلف بارع ومتميز، محرر ومراجع خبير وله ذائقة رائعة، ناشر ذكي يعرف ضرورة التسويق والترويج للكتاب". فعندما تلتقي هذه العناصر يحقق الكتاب انتشاراً عالمياً لافتاً. من جانبه يرى مدير المؤسسة العربية للدراسات والنشر ماهر الكيالي إن هناك العديد من آليات الترويج للكتاب كسلعة، يجب أن تبدأ قبل صدوره، مثل نشر أخبار عن قرب صدوره، أو نشر فصول منه في وسائل الإعلام المختلفة. ويبين الكيالي أهمية حفلات التوقيع التي ترافق صدور الكتاب، سواء كانت حفلا خاصاً أو على هامش معارض الكتب، مشيراً إلى أنّ الرواية أصبحت في قائمة الترشيح للجوائز مثل جائزة "البوكر" وهي جائزة مهمة يسعى إليها الناشرون والمؤلفون للترويج لكتبهم. ويشير إلى أن جائزة "الجونكور" الفرنسية تنعكس إيجابياً على الكتاب الفائز بحيث تصل المبيعات إلى "مئات الآلاف من النسخ". مؤكداً على أنّ الترويج يتطلب أن يتم "تكريس صورة الكتاب في ذهن القارئ وأن يجعل من شهرة الكتاب والمؤلف وسيلة لتسويق المنتج". وقال إن من أهم وسائل الترويج للكتاب والمؤلف هو "نشر الأخبار في الصحف والمجلات الثقافية التي تعنى بمراجعة الكتب ونقدها وتسليط الضوء على إيجابياتها وسلبياتها". لافتاً إلى ضرورة أن تبرز الصحيفة إسم الناشر وصورة معرفة طريقة الحصول على الكتاب وترسيخ صورته في ذهنه. بالإضافة إلى الدوريات المتخصصة في مراجعة الكتب. ويشير الكيالي إلى أنّ التطور التكنولوجي وانتشار المواقع الإلكترونية على الإنترنت أسهمت بالترويج والتسويق للكتب ما أدت إلى خدمات كبيرة للقارئ والناشر من خلال نشر الإصدارات الحديثة مصنفة حسب الموضوع والسعر وعدد الصفحات وتكلفة الشحن إلخ. وكذلك محرك "غوغل" للبحث العالمي الذي قام مؤخراً بمبادرة مجال إدخال جميع عناوين دور النشر التي نشارك معها على صفحة الإنترنت بقصد التعريف بالكتب المتاحة وطريقة الحصول عليها، كما قال الكيالي. وخلص إلى إنّ الكتاب الإلكتروني أصبح يحتل مكانة جيدة وبإمكان الإفادة من تكنولوجيا المعلومات للترويج للكتب بأشكالها المختلفة. من جهة أخرى يؤكد الكاتب والباحث د. أمين عودة على أنّ الكتاب "سلعة حقيقية تحتاج لمن يقوم بترويجها إعلامياً ودعائياً". فالكتاب فيه وجهة نظر وفكر وثقافة ومعرفة. ويرى أنّه في الأغلب، هناك اتفاق على أنّ الجانب الدعائي والإعلامي للكتاب لا يمنح القيمة الحقيقية له، وإنما تكمن القيمة فيما يحتويه من رؤية فكرة أو نقدية أو ثقافية. ويبين أنّ المثقفين والقراء الذين يتواصلون مع الفكر هم الأقدر على الحكم على قيمة المعرفة، إن كانت تضيف شيئاً جديداً حقيقياً أم لا، ويشير إلى ضرورة عملية الترويج، لأنها مهمة لصاحب دار النشر وللمؤلف نفسه، وحتى يكون الترويج ذكياً ومؤثراً على الجمهور والمتلقي يجب أن تكون "سلعة جيدة وذات قيمة معرفة وفكرية عالية حتى يتحقق النجاح في عملية الترويج". مؤكدا على العلاقة لإنجاح الكتاب وهي تجمع بين المثقفين وآرائهم في القيمة الحقيقية للكتاب، والناشر والتسويق الموفق هذا يستطيع أن "يصنع مؤلفاً ناجحاً". أما عن آليات الترويج فيرى د. عودة أهمها "إقامة الندوات التي تناقش مضمون الكتاب، وتقام في أماكن مختلفة بين الرسمي والأهلي"، وعلى دور الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، مؤكداً على "المقروء لأنّه أكثر جدوى في وسائل الترويج للكتاب والمؤلف معاً".►

ارسال التعليق

Top