• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

مهارات المبتكر الإعلاني

أ. د. السيِّد بهنسي

مهارات المبتكر الإعلاني

إلى جانب القدرات العقلية الأساسية التي لابدّ من توافرها في الإنسان مثل التعرّف والإدراك والفهم والتذكر وغيرها، تتعدّد المهارات أو القدرات التي ينبغي أن تتوافر في المبتكر الإعلاني، وبقدر ما يملك من هذه المهارات يكون ثراؤه الابتكاري وقدرته على الإنتاج الخلّاق... وتتمثّل أهم هذه المهارات فيما يلي:

1- الحسّاسية للمشكلات (Sensitivity To Problems) :

وهي تمثل المهارة الأولى لأي تفكير ابتكاري، وتعني أنّ المبتكر الإعلاني يجب أن يتصف بارتفاع درجة الوعي بوجود مشكلات تحتاج إلى حلول إعلانية، سواء كانت حلولاً جذرية تتصل بالإستراتيجية الإعلانية نفسها، أو جزئية تتعلّق بالوسائل أو بعض الأفكار والتصميمات والشخصيات المستخدمة والصياغات التعبيرية، كما يجب أن يكون لدى المبتكر الإعلاني القدرة على التنبؤ من خلال حدسه وتحليله العميق ورؤيته لما وراء الأشياء بالكثير من المشكلات الإعلانية قبل وقوعها في حين قد لا يملك الكثيرون هذه المهارة، أو لا يستطيعون تقدير الحجم الواقعي للمشكلات، وتبرز هذه المهارة خاصّة حين تكون المشكلات غير واضحة المعالم أو متصلة بعناصر تسويقية أخرى غير الإعلان.

ولا يجب أن يملك المبتكر الإعلاني فقط حسّاسية خاصّة تجاه وجود مشكلات، وإنّما يجب أن يملك أيضاً قدرة عالية على اكتشاف الكثير من الحلول الملائمة لها، فهو يجد سهولة أكثر من غيره في خلق الأفكار، ويستطيع في نفس الفترة الزمنية الممنوحة لغيره أن يطوّر ويعطي عدداً أكبر من الحلول الملائمة للموضوع المطروح للبحث والدراسة، وهو فضلاً عن ذلك يجد سهولة أكثر في سرعة التفكير والتعبير عن المشاعر والمواقف بكثير من وسائل الرمز والاستعارات، ووضع الفروض والنظريات المفسرة (عبدالستار إبراهيم 2002: 59).

2- الطلاقة (Fluency):

وتعني القدرة على استدعاء أكبر قدر من الأفكار والتعبيرات والصور الملائمة تجاه مشكلة إعلانية أو مثير إعلاني معين، وهناك عدة مكونات للطلاقة نعرض لها فيما يلي:

أ‌) الطلاقة اللفظية (word Fluency):

يقصد بها القدرة على إنتاج أكبر عدد من الكلمات تحت شروط تركيبية معيّنة، ولا يلعب عامل المعنى دوراً مهمّاً فيها، ومن أمثلة الاختبارات التي تقيس هذه القدرة اختبار بداية ونهاية الكلمات، وفيه يطلب ذكر أكبر عدد من الكلمات التي تبدأ أو تنتهي بحرف معيّن في فترة زمنية محدّدة (أحمد عبادة 2001: 18)، أو تكليف الفرد بأن يكتب قائمة من الكلمات ذات تركيب معيّن من الحروف.

ب‌) الطلاقة الفكرية (Ideational Fluency):

أي القدرة على إنتاج أكبر عدد من الأفكار الملائمة لموقف معيّن في فترة زمنية محدّدة، ومن أمثلة ذلك أن يعطى للمبحوث صورة إعلانية ويطلب منه إنتاج عدة أفكار توحي بها هذه الصورة، أو تقديم سلعة ذات لون أحمر أو أزرق مثلاً ويطلب منه استدعاء أكبر عدد من الأشياء أو الأماكن التي يوحى بها لون السلعة.

ج) الطلاقة الارتباطية (Associational Fluency):

وهي القدرة على استدعاء عدد من الكلمات المشتركة في جانب معيّن، كأن يذكر المبحوث أكبر عدد من الكلمات المترادفة أو المتضادة لصفات منتج معيّن.

د) الطلاقة التعبيرية (Expressive Fluency):

أي القدرة على التفكير السريع في تكوين كلمات مترابطة ومتّصلة، وصياغة التراكيب اللغوية، وهي في ذلك تختلف عن الطلاقة الارتباطية التي تتضمن إنتاج كلمات مفردة فقط، ومن أمثلة الاختبارات التي تقيس هذه القدرة أن يطلب كتابة جمل واضحة المعنى تشتمل على عدة كلمات تبدأ كلّها بحروف معيّنة، أو يطلب كتابة أكبر عدد من الجمل المفيدة مستخدماً أربع كلمات محدّدة مسبقاً (أحمد عبادة 2001: 19).

هـ) الطلاقة الشكلية (Figural Fluency):

ويقصد بها القدرة على الإنتاج السريع لعدد من التكوينات استناداً إلى مثيرات معطاة، كأن يعطى المبحوث عدداً من الدوائر أو الأشكال المستقيمة أو المثلثات أو المربعات، ثمّ يطلب منه استخدامها في إنتاج أكبر عدد من الأشكال.

3- المرونة (Flexibility):

ويقصد بها قدرة المبتكر الإعلاني على النظر إلى الحالة الإعلانية موضع الاعتبار من أكثر من زاوية، وعدم التفكير في إطار حدود معيّنة أو أطر ثابتة، بحيث يتمكّن الشخص من التوصل إلى أفكار جديدة وغير تقليدية (نعيم حافظ 2003: 85).

وتختلف الطلاقة عن المرونة في أنّ الطلاقة تعتمد على (كم) الاستجابات، أمّا المرونة فإنّها تعتمد على تنوّع (كيف) هذه الاستجابات.

وتعتبر المرونة العقلية الأساس المعرفي للابتكار، ويقصد بذلك أن يمتلك المبتكر درجة عالية من التنوّع في الرؤى، والقدرة على إعادة بناء الحقائق المتاحة في صياغات جديدة وملائمة وفقاً للمتطلّبات المستجدة، وتعني أيضاً تغيير الصياغة عندما لا تبرهن الصياغات المتاحة على مناسبتها أو فاعليتها لتفسير الحقائق المتاحة، والمبتكر بهذا المعنى قادر على مقاومة النمطية الفكرية والأشكال السائدة من التفسير والنظريات، والبعد عن التصلّب ومقاومة البقاء ضمن إطار النمط التقليدي من حل المشكلات (عبدالستار إبراهيم 2002: 59).

وهناك نوعان من المرونة هما:

أ‌) المرونة التلقائية (Spontaneous Flexibility):

وهي القدرة على إنتاج أكبر قدر ممكن من الأفكار التي ترتبط بموقف معيّن يحدّده الاختبار على أن تكون الأفكار الخاصّة بهذا الموقف متنوعة، ويتم قياس هذه القدرة باختبار الاستخدامات غير المعتادة مثل استخدام الصحيفة في عشرات الأشياء غير مجرد قراءتها.

ب‌) المرونة التكليفية (Adaptive Flexibility):

وهي قدرة الشخص على تغيير وجهته الذهنية حين يكون بصدد النظر إلى حل مشكلة معيّنة، ويمكن أن ننظر إليها باعتبارها الطرف الموجب للتكيف العقلي، فالشخص المرن (من حيث التكيف العقلي) مضاد للشخص المتصلّب عقلياً (مصري حنورة 2000: 81-82).

4- الأصالة (Originality):

وهي تعني القدرة على إنتاج أفكار إعلانية جديدة وغير مألوفة لم يسبق التوصل إليها، وتستطيع أن تثبت فاعليتها وملائمتها، ولا يعني ذلك أن يهمل المبتكر الإعلاني الأفكار المألوفة أو التي سبق التوصل إليها، فقد تساعده مثل هذه الأفكار على التوصل إلى شيء فريد، أو قد توحى إليه بفكرة غير تقليدية، بل إنّ توافر مثل هذه الأفكار المألوفة يمكن أن يستخدم كوسيلة لاستبعاد الأفكار التي يمكن أن تتشابه مع ما سبق التوصل إليه (نعيم حافظ 2003: 84).

وإذا نظرنا إلى الأصالة في ضوء مهارات الحسّاسية للمشكلات والطلاقة والمرونة نجد أنّها تختلف عن كلّ منها فهي:

- لا تتضمن شروطاً تقويمية في النظر إلى البيئة، كما لا تحتاج إلى قدر كبير من الشروط التقويمية المطلوبة لنقد الذات حتى يستطيع المبتكر أن ينهي عمله على خير وجه، وهذا ما يميزها عن الحسّاسية للمشكلات التي تحتاج لقدر مرتفع من التقييم سواء للبيئة أو للذات.

- لا تشير إلى كمية الأفكار التي يقدمها الفرد، بل تعتمد على قيمة تلك الأفكار ونوعيتها وجدتها، وهذا ما يميزها عن الطلاقة.

- لا تشير إلى نفور الشخص من تكرار تصوّراته، أو أفكاره هو شخصياً (كما في المرونة)، بل تشير إلى النفور من تكرار ما يفعله الآخرون، وهذا ما يميزها عن المرونة (عبدالستار إبراهيم 1998: 29).

5- الاحتفاظ بالاتجاه (Maintaining Direction):

ويقصد به متابعة الجهد العقلي وتنفيذ العمل الإعلاني المستهدف على الرغم من كلّ العوامل التي تدفع إلى عدم التركيز الذهني، سواء كانت عوامل عقلية مثل الجهد الذي تتطلبه فكرة ما، أو الانتقال من فكرة إعلانية إلى فكرة أخرى، أو عوامل وجدانية تتعلّق والإحباط الذي يمكن أن يعاني منه المبتكر الإعلاني في الكثير من مراحل العمل الابتكاري، أو عوامل متصلة بالمجال الإعلاني نفسه كالمنافسة، ونقد الآخرين، وضغوط السوق، وضغوط العمل الجماعي.

 

المصدر: كتاب ابتكار الأفكار الإعلامية

ارسال التعليق

Top