• ٦ تشرين أول/أكتوبر ٢٠٢٤ | ٢ ربيع الثاني ١٤٤٦ هـ
البلاغ

بين وهم الشاشة وواقع الحياة

حنان بيروتي

بين وهم الشاشة وواقع الحياة

بات تأثيرُ وسائل التواصل الإجتماعي أعمق ممّا يمكن غض الطرف عنه، لا يقتصر على فئة عمرية معينة؛ فهو واقع على الكبار كما أنّ بذوره موجودة - للأسف - في نفوس الأطفال، وتلك بذور لن تُنبت لنا الصحة النفسية والعقلية المطلوبة، والخطورة تكمن في دور الآباء في زرعها في نفس الطفل دون أن يعوا تأثيرها المستقبلي العميق.

قبل أن تطفئ طفلة شمعات عيد ميلادها يُطلب منها الابتسام والنظر إلى عدسة الخليوي، فتُكسَر اللحظة، واللحظات التي تكسرها عدسة الكاميرا لا يمكن ترميمها مجدداً، طفلة العيد لا ترى حولها غير عدسات الخليوي؛ فهي تفتقد بشكلٍ ما المشاركة الحقيقية، تفقد بعض قطع الفسيفساء الثمينة لما تؤثث به ذاكرتها، لا وجوه صافية مكتملة تحوطها، لا عيش بالكامل باللحظة إنّما ثمة جزء مقتطع لتوثيقها ومشاركتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر أشبه بريشة تحترف رسم الوهم؛ تلك الصورة المرغوبة التي نسعى لتثبيتها لدى الآخر!

الصورة التي يكوّنها المرء عن نفسه بالغة الأهمية كونها تسهمُ في سلامة حالته النفسية والمعنوية وفي تقديره لذاته، وتوجيه سلوكه، ورسم الأحلام والطموحات؛ فما دور وسائل التواصل الاجتماعي في التأثير على الصورة الذّاتية للفرد المعاصر؟

لا نتجاوز الواقع حين نقول إنّ وسائل التواصل الاجتماعي باتت جزءاً مهماً في الحياة المعاصرة ولها دورٌ فاعل، يدرك الفرد صعوبة ابتعاده عنها بعد اعتيادها؛ فهي تزوّده بالأخبار والمستجدات، وتشعره بأنّه مطلع على ما يجري حوله، وتعطيه منبرًا مجانيًا للتعبير عن أفكاره وخواطره وهواجسه، ومشاركة الآخرين صور المناسبات الخاصة به والتي ترتبط غالباً بالفرح.

معظم مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي يرسمون لحياتهم صورة مختلفة عمّا هي في الواقع، الصور المنشورة في الصفحات الافتراضية انتقائية، حتى الشكل الخارجي مختلف بوجود الفلترات، ويعيش كلٌ منهم ويعايش تلك الصورة غير الدقيقة تدعمه التعليقات واللايكات، لكنّ جزءاً من عقله الباطن يرفض الانصياع خلف ذلك الفخ الوهمي؛ فيظل في صراع بين الواقع وتلك الصورة الافتراضية المرسومة بالوهم.

تتفاقم المشكلة حين يسعى للمقارنة بين حياته وحياة الآخرين متناسياً أنّ الصورة المرسومة للآخر قد تكون هي الأخرى مغلوطة؛ فتسهم المقارنة غير المنطقية في تعكير صفو سلامه الداخلي، وتؤثر بشكل غير مباشر في تفكيره وتسيير حياته، وتدخله في مصائد الاكتئاب أو الدخول في سباق محموم غير عادل مع شخصيات افتراضية.

كم من الرسائل المغلوطة يتلقاها أطفالنا، حين نزرع في نفوسهم الغضة حمى الاستخدام الخاطئ للتكنولوجيا، ووسائل التواصل الاجتماعي فيختلّ مفهوم تقدير الذات، ويتعكر صفو الحياة ويسهم في تشتت الانتباه والتركيز، وتبعثر لحظات العمر الثمينة، ويؤثر في ازدواجية الصورة للفرد المعاصر بين وهم الشاشة وواقع الحياة!

ارسال التعليق

Top