• ٤ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٥ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

طلعة الهلال

البصائر للبحوث والدراسات

طلعة الهلال

◄(فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (البقرة/ 185).

مرحباً بطلعة الوليد الوسيم، وبشير الخير العميم: هلال رمضان، ومشرق أنوار القرآن، وشذا نفحات الجنان، وواحة الاسترواح في صحراء العام، وراح الأرواح بالصلاة والصيام والقيام؛ فاللّهمّ أهله علينا بالأمن والإيمان، والطمأنينة والسلام، هلال خير ورشد إن شاء الله، والله أكبر الله أكبر والحمد لله، وصدق رسول الله: "إذا أقبل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النيران، وصفدت الشياطين، ونادى منادٍ من قبل الحقّ تبارك وتعالى: يا باغي الشر أقصر، ويا باغي الخير هلم".

لقد بني الإسلام على شرائع وعبادات، وفرائض وواجبات، كان من جميل صنع الله لعباده فيها أن أقامها على دعائم من الخير وقواعد من البر تفيدهم في الدنيا وتنفعهم في العقبى، وتسعدهم في الآخرة والأولى.

فالقاعدة الأساسية في العبادة المتقبلة الكاملة: النية الصالحة الفاضلة والإخلاص فيها لرب العالمين، (وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (البينة/ 5)، و"إنَّما الأعمالُ بالنيَّات، ولِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى"؛ فما لم يكن الدافع الأوّل إلى العبادة قلبياً تشترك فيه خلجات الوجدان، مع حركات الأبدان، وتحضر فيه القلوب، وتطهر به الأرواح والنفوس؛ فلا وزن لها ولا مثوبة عليها، وليس للعبد من صلاته إلا ما عقل منها، وكم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش.

والقاعدة الثانية: دفع الحرج والعسر وإيثار السهولة واليسر؛ فليس في تكاليف الإسلام وعباداته ما يشق على العابدين أو يرهق نفوس المكلفين (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (المائدة/ 6)، (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ) (الحج/ 78)، (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ) (البقرة/ 185)، يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا.

وهكذا تتمشى هذه القاعدة في كلِّ التكاليف الشرعية والعبادات الإسلامية، وتأمل ذلك تجده مطرداً في كلِّ الأحكام، إليك ما جاء منه خاصاً بفريضة الصيام: (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة/ 184).

والقاعدة الثالثة: أنّ لهذه العبادات آثارها العملية النافعة في حياة الفرد والجماعة، وليست مفروضة لمجرد التعبد والطاعة؛ فهي أوضاع لوحظ فيها المعنى الدنيوي الاجتماعي إلى جانب الربح الأخروي والتهذيب النفساني؛ فما أمر الإسلام إلا بطيب فيه خير يرى الناس في حياتهم العملية أثره،وما نهاهم إلا عن خبيث يلمسون شره وضرره (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الأعراف/ 157).

فيا أيتها الأُمّة المسلمة، قد أظلك شهر الصيام، وفيه ركن من أركان الإسلام، وإنّ عليك فيه لواجبات وله منك حقوق:

أوّلها: أن تتهيأ النفوس لاستقباله بالتوبة الصادقة النصوح والتطهر الشامل الكامل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ...) (التّحريم/ 8).

وثانيها: الحرص على صومه حسياً ومعنوياً بالامتناع عن المفطرات، وكف الجوارح عن الآثام والمنكرات، وصدق التوجه، ودوام التأمل، وكثرة التذكر، والتفكر في ملكوت الأرض والسماوات.

وثالثها: الإكثار من الطاعات فيه، وبخاصة البر والإحسان، وتلاوة القرآن؛ فإنّ الله يضاعف فيه مثوبة المتصدقين، ويرفع فيه درجات التالين المتدبرين، وكان رسول الله (ص) أجود ما يكون في رمضان، حين يعارضه جبريل (ع) بالقرآن؛ فلَرسول الله (ص) أجود بالخير من الريح المرسلة.

ورابعها: المحافظة على الصلاة والقيام ومناجاة الملك العلام؛ فمن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، وكم لهذه الصلاة في قلوب الخاشعين فيها والمعنيين بها من مشارق لامعة وأنوار ساطعة (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) (المؤمنون/ 1-2).

اللّهمّ ألهمنا البر والرشاد، ووفقنا للخير والسداد، إنك أهل التقوى وأهل المغفرة.

 

المصدر: كتاب كيف نستقبل رمضان؟

ارسال التعليق

Top