• ٢٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٢٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الفكر الإسلامي وتحديات العصر

سعيد كاظم *

الفكر الإسلامي وتحديات العصر

◄ما هو الفكر عموماً؟ وما الفرق بينه وبين الفكر الأصيل من البناء؟.. انّ العملية الفكرية هي ضرب من النشاط العقلي الذي قد لا يكون لنا عنه غني، إذ هو المجال الذي يجول فيه "العلماء" و"المعلمون" و"المتعلمون"، لكن برغم ضرورة هذا النوع من الفكر العلمية والتعليمية، لا يرقى إلى منزلة الفكر الأصيل الذي يتصدى للمشاكل التي تنشأ على أرض الواقع الفعلي في حياة الناس عصراً بعد عصر، وانّ هذه المشاكل الحية التي تلح على من استشكلت عليه أن يجد لها حلا، لتعدد المواقف وأصحابها من أفراد الناس، وهي من صنوف تكاد تستعصي على الحصر والعدد، ومع ذلك فلابدّ لنا أن نصنفها في مجاميع متجانسة، هي التي تكون عندئذ "قضايا" العصر المعين، والتي تتحدى العقل، فيتصدى لها رجال قادرون لتحليلها وفك معضلاتها، وينتهون بها إلى حلول لرأب مواضع أشكالها، ومن تلك المشاكل ما يغلب عليه الجانب العملي، الا انّ الجانبين معاً يجتمعان في حياة الناس الفعلية، على المدى القريب أو المدى البعيد.

وواضح أنّ مثل هذا الفكر يكون إسلامياً أو غير إسلامي بقدر ما تكون المشكلة المعروضة موصولة بالإسلام، وعقيدة وشريعة، ولا نقول موصولة بالمسلمين، لأنّ حياة الإنسان، مهما يكن دينه ومعتقده، أوسع من ذلك الدين والمعتقد، فله جوانب حياتية "محايدة" بالنسبة إلى المعتقدات الدينية، اللّهمّ إلاّ في بعض التفصيلات، كأن يحرّم على الإنسان وضع طعام محرم في معدته، لكن ذلك لا ينفي القول في جملته، على أنّ الفكر الإسلامي إذا وجدناه يستمد إسلاميته من كونه يعالج مشاكل نابعة من أصول العقيدة وتشريعاتها، فإنّ التفرقة تظل قائمة، بين مفكر "أصيل" يتصدى للمشاكل الحية ذاتها، ومفكر "تابع" يجري فكره على فكر آخر أصيل، حافظ لنصوص، أو شارح لها أو باحث في محتواها، في عملية تعليمية دارجة.

  الفكر الإسلامي وفكر المسلمين:

المهم في هذا المقام، تسليط الفكر في حرية كاملة، على المشاكل التي تفرزها الحياة الواقعية، والتي تتأرق لها الضمائر التماسا عند أصحاب الفكر لحل أو حلول تزيح عبثها عن ضمائرهم.

ترى ماذا ينبغي أن يكون عليه الفكر الإسلامي في عصرنا الحاضر؟ أفيكون الجواب عن هذا السؤال هو أن نبدي ونعيد في تلك المسائل ذاتها التي اصطرعت حولها الآراء والمذاهب قديماً، أم الصواب هو أن نقول: انّ ما ينبغي لنا أن نفعله بفكرنا الإسلامي اليوم، هو أن نصنع بمشاكل حياتنا، مثل الذي صنعه بعض الأوائل في مشاكل حياتهم آنذاك، حيث ليس من حقِّ المعاصرين أن يتكلفوا المسائل، ولا يتصنعوا الحلول، ولا يعيدوا المشاكل الفكرية نفسها ويقتبسوا الحلول الناقصة نفسها، إذن فالخطوة الصحيحة الأولى على الطريق الصحيح، هي أن نسأل أنفسنا صادقين: ما هي معوقات السير التي تقيد النشاط الفكري في عصرنا؟ وماذا تكون حلولها من منظور إسلامي؟ بمعنى أن تأتي الحلول غير متعارضة ولا متناقضة مع العقيدة الإسلامية وشريعتها. وهناك فرق كبير بين أن نقصر بحثنا على تلك الحلول فيما بين أيدينا من كتب المتقدمين، وبين أن نصب نحن فاعليتنا العقلية الخاصة على المشاكل الفكرية التي تعترضنا، مراعين ألا تأتي نتائجنا الفكرية متعارضة مع أصول العقيدة والشرع المقدس. وبمثل هذا الموقف وحده، يمكن القول بأنّ لنا ما يصح أن يطلق عليه اسم "الفكر الإسلامي"، لأنّ الفكر في هذه الحالة هو فكرنا، والمشكلة مشكلتنا، وينبغي أن تكون لنا حلولنا في مسائلنا، ولا سيما فيها يخص عصرنا من المشاكل.

انّه لمن الأصوب أن نرسم خطاً فاصلاً نميز به بين ما نصفه بأنّه "فكر إسلامي" من جهة، وبين ما يصح وصفه بأنّه فكر "المسلمين"، فالدائرتان متداخلتان إلى حد قد يؤدي إلى شيء من الغموض، فعلى الرغم من أنّ الفكر الإسلامي قد اضطلع بمعظمه المسلمون، الا انّ المسلمين قد كان منهم إلى جانب ذلك علماء ذوو فكر إنساني عام، لا يتقيد بصفة تقصره على ديانة دون ديانة أخرى، فبينما الفكر الإسلامي كما أسلفت، هو الفكر المتعلق بالعقيدة الإسلامية وشريعتها، نرى للمسلمين فكراً في شتى نواحي العلم والمعرفة، مما لا يختص بالعقيدة والشريعة، وليس فيه من الإسلامية إلا إسلام صاحبه، فعالم الرياضيات، وعالم الفلك، وعالم الكيمياء، وعالم البصريات، وكلّ ذلك ضروب من العلم والمعرفة، قام بها مسلمون، حتى لقد أصبحت جزءاً هاماً فيما نسميه بالتراث الإسلامي، الا أنّه لا يندرج تحت ما نسميه بالفكر الإسلامي، ولا ينبغي له أن يندرج، حتى لا يتعرض بعد ذلك للخلط بين مجال ومجال، وهذا خلط يحدث فعلان ويسوق إلى مطالبة المفكر المسلم، الذي يجول بفكره في مجال علمي محايد، بأن يلتزم بما لا يلزم في منهجه العلمي.

فما هي المواضيع التي تناولها القدماء، مما نعده فكراً إسلامياً، لعلنا نستضئ بهم فيما يجب علينا فعله اليوم، إذا ما أردنا فتح آفاق جديدة لفكرنا الإسلامي، تتناسب وحياتنا في هذا العصر الذي نعيش فيه؟ سنضرب أمثله لما تناوله المتقدمون من مسائل، كونت ما نسميه بالفكر الإسلامي عندهم، وأول ما نذكره من تلك الأمثلة، طائفة كبيرة من المفاهيم التي وردت في القرآن الكريم، فرأى المفكرون القدماء أن يتناولوا تلك المفاهيم بالتحليل، ليبرزوا منها جوهر المعنى، ومع ذلك فقد اختلفت آراؤهم في الموضوع الواحد.

وفي مقدمة تلك المبادئ الأولية في الإسلام، التي وقع عليها اهتمام الفكر الإسلامي "وجود الله" عزّ وجلّ، وإقامة البراهين على ذلك الوجود، والمعنى المقصود "بالوجود"، ويتبع ذلك صفة "الواحدية" و"الأحدية" فالله سبحانه وتعالى "واحد" "أحد"، فماذا نفهم من كلِّ من هاتين الصفتين؟

فبينما تتجه "الواحدية" إلى الجانب العددي من حيث انّ الله تعالى واحد لا شريك له، نجد "الأحدية" تتجه إلى ائتلاف الصفات في الذات الإلهية، فلله سبحانه تعالى، صفات يذكرها الكتاب الكريم، منها أسماء الله الحسنى، لكن "أحدية" الله تقتضي أن لا يكون بين تلك الصفات، تناقض ولا تضاد ولا أي نوع من أنواع التعارض، ولنلحظ في هذا الصدد انّ بعض تلك الصفات التي هي مطلقة لا تحدها حدود، حين تنسب إلى الله تعالى، تكون في البشر في صورة مقيدة بحدود. ولقد كانت صفات الله، وعلاقتها بذاته الإلهية المقدسة، موضوعاً من أهم ما شغل به الفكر الإسلامي عند القدماء، وكان محور الأشكال في ذلك، هو صعوبة التوفيق بين واحدية الذات وتعدد الصفات، فكيف تفهم تلك الصفات في تعددها، بحيث تظل "الوحدانية" على كمالها المطلق؟

وقد حسم أئمة أهل البيت (عليهم السلام) تلك الإشكالية، ففي خطبة للإمام عليّ (ع) قال فيها: "الذي ليس لصفته حد محدود ولا نعت موجود، ولا وقت معدود، ولا أجل ممدود" الخطبة 1، نهج البلاغة. وقال (ع): "وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه، لشهادة كلّ صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كلّ موصوف أنّه غير الصفة: "فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثناه، ومن ثناه فقد جزأه، ومن جزأه، فقد جهله" الخطبة 1، نهج البلاغة.

  الفكر الإسلامي والمشاكل التي تواجهه:

ومن الصفات التي احتلت في الفكر الإسلامي مكانة متميزة، صفة "العدل" وهي منسوبة إلى الله سبحانه وتعالى، لأنها صفة وثيقة الصلة بحرية الإرادة عند الإنسان أو جبرها، ولقد تميز "المعتزلة" بالإصرار على أن يكون الإنسان حر الاختيار فيما يفعله أو ما ينصرف عن فعله، لأنّه إذا لم يكن كذلك تعذر علينا تصور "العدل" في محاسبة على فعل كان مجبراً بمشيئة إلهية سابقة على فعله، وهو موقف عارضته "الجهمية" إذ الإنسان في رؤيتهم مسيّر في كلِّ دقيقة ولحظة مما يقول أو يفعل.

عبد طريق الفكر الإسلامي عند الأوائل، وهنا أود أن نعود إلى تعريف المعنى المقصود بكلمة "فكر" وكذلك تعريف معنى كلمة "إسلامي" حين نصف بها ذلك الفكر، فهما تعريفان مأخوذان من المادة اللفظية ذاتها، التي صيغت بها لفظة "فكر" ولفظة "إسلامي" صفة لذلك الفكر. فلابدّ أن يكون "الفكر" بمعناه الأوفى، إيجاداً لحل تنفك به عقدة استعصت بادئ ذي بدء، ثمّ لابدّ كذلك لكي يكون ذلك الفكر "إسلامياً" أن يكون منصباً على مسائل متصلة بعقيدة الإسلام وشريعته، فماذا نقول لزاعم من المسلمين إذا زعم انّ المشاكل التي تعرّض لها الفكر الإسلامي عند الأسلاف، ما تزال هي المشاكل التي بقيت لتتحدى رجال الفكر في عصرنا، وإذا كان أمرها كذلك، فما الذي انجزه الأولون إذن؟ أليست المسألة المعينة إذا وجد حلها، أو حتى إذا تعددت فيها الحلول الممكنة، تكون قد انتقلت بذلك من دائرة المجهول إلى دائرة المعلوم؟ مما يستدعي أن يتجه الفكر الإسلامي في عصر جديد، إلى الانتقال نحو أفق جديد من المشاكل والقضايا، ربما يكون العصر الجديد قد استحدثها للمسلم استحداثاً يقتضي التصدي لها بفكر واعٍ بعيد عن التعصب للرأي أو التحيز لموقف فكري سابق ينقصه المنطق والموضوعية.

  الفكر الإسلامي والتحديات الجديدة:

لقد جاء عصر جديد يحتم على القادرين من أبناء الأُمّة الإسلامية أن يواجهوه، فما هو الجديد الذي جاءنا به هذا العصر؟

لسنا نبعد عن الصواب، إذا قلنا انّ العلم الطبيعي بكلِّ فروعه – وإذا قلنا العلم الطبيعي فهو يعني محاولة الكشف عن قوانين الظواهر الكونية – قد ولد منذ أربعة قرون أو ما يزيد قليلاً وجاءت له حصيلة في تلك الفترة الوجيزة غيرّت حياة الإنسان على الأرض تغييرات لا حدود لأعماقها. ولم يكن لعلماء المسلمين – بصفة عامة – مشاركة في هذه القفزة العلمية الجديدة من تأريخ الإنسان، لماذا؟ لأنّ قراءة الظواهر الكونية لاستخراج قوانينها، ثمّ لاستخدام تلك القوانين في حياة الإنسان، تحتاج إلى منهج بحثي غير المنهج الذي كان سائداً قبل تلك القفزة العلمية.

ولقد كان لعلماء المسلمين الصدارة عندما كان المنهج الاستنباطي لم يزل قائماً، لا ينافسه منهج آخر. ومن ثمّ رأينا بينهم من نوابغ العلم لمعت نجومه وما تزال تلمع على صفحات التأريخ، سواء كانت ذلك في العلوم الرياضية بمعناها المباشر، أو في العلوم الأخرى التي تصطنع المنهج الرياضي في طرق استدلالها، كالفقه الإسلامي وغيره، فلما أن ولد العلم الطبيعي الجديد، ليقرأ به العلماء ظواهر العالم بمنهج جديد، قصر المسلمون دون اللحاق بالركب في عهده الجديد، فلم يشاركوا فيه إبداعاً وكشفاً وإنتاجاً، واكتفوا – على أحسن الفروض – بالنقل من أصحاب العلم الجديد، نتائجهم التي يتوصلون إليها ويتبنونها في مؤلفاتهم، ثمّ يجسدونها في صناعاتهم، وربما كان هذا القصور من جانب المسلمين، غير ذي وزن، لولا أنّ نتائج العلوم الجديدة، أصبحت هي المصدر الأساسي للقوة والثراء والمعرفة، بحيث انّ العالم الإسلامي كله تقريباً، قد وقع في قبضة أصحاب العلم الجديد بمنهجه البحثي الجديد.

فماذا نريد للفكر الإسلامي أن يصنع آزاء هذا الموقف المرفوض؟ اننا نريد أن ينصت جيداً لصوت القرآن الكريم وهو يحثّ المسلم على معرفة الكون، وماذا تكون تلك المعرفة في اكتمالها الا أن تكون هي المعرفة العلمية بظواهر الكون، التي منها تولد العلوم التي نسمع عنها، ويدرسها أبناء المسلمين في الجامعات، لكنهم لا يشاركون في صنعها، كعلوم الفيزياء؟

كلّ ما يحتاج إليه العالم الإسلامي من رجال الفكر الإسلامي في هذا الصدد، هو البيان بأنّ كتاب الله يأمر المسلمين القادرين على العلم بالكون وظواهره، وأنّ طاعة المؤمن لما قد أمر به الله هو عبادة، وأما الأمر الآخر المطلوب من علماء الفكر الإسلامي في هذا السبيل، فهو أن تتجه دعوتهم نحو أن يدخل المسلم عصره هذا، مقبلاً عليه بعقله وقلبه، لا رافضاً أو نافراً، لكنه في الوقت نفسه، إذا ما دخل عصره مشاركاً في بنائه ونشاطه، سيجد ما يكمن في مسيرته التأريخية من عوامل الضعف التي تنعكس آثارها فيما نراه من ألوان الشقاء في حياة الإنسان النفسية والعلمية على حد سواء، مما أدى إلى علل يعرف بوجودها وبضرورتها رجال الفكر المعاصر جميعاً، نذكر منها: القلق، التمزق، اليأس، العنف، والاغتراب وما إلى ذلك من قائمة طويلة. وها هنا سيجد المسلم في أشد وضوح، كيف يمكن أن يكون علاج ذلك كلّه في جوهر العقيدة الإسلامية، ولكن كيف؟

انّ رسالة الإسلام الأولى هي "التوحيد"، فأوّل شروط الإسلام، شهادة أن لا إله إلا الله، فليس لله سبحانه وتعالى شريك في ملكه، إذن فهذا جانب من التوحيد يشير إلى الناحية العددية منه وأما الجانب الآخر الذي يتجلى في قوله تعالى: (قل هو الله أحد) فيشير إلى أحدية تظهر في اتساق الوجود الإلهي، وعدم انقسامه في ذاته، ومن ثم كان تعالى هو (الله الصمد) الذي يصمد وجوده الواحدي من الأزل إلى الأبد، ذلك هو الأساس الأوّل في عقيدة المسلم، وهو أساس إن لم يتناوله الفكر الإسلامي بالشرح المطول الواسع العميق، ظل عقيدة في قلب المؤمن، لا يكاد يظهر لها أثر في صورة الحياة العملية التي يحياها، وأما إذا استخرجت أعماقها ليراها من آمن بها، اختلف معه الشأن اختلافاً جوهرياً. ومن تلك الأعماق، أن يشعر المسلم المؤمن حقاً برسالة دينه، بأنّ وحدانية الله، تتجلى في وحدة الكون الفعلية بأجزائه وظواهره كما تتجلى في الفرد الواحد من الناس إذا ظل سوياً في تكوينه، وتتجلى – نتيجة تكامل الأفراد إذا تحقق – في المجتمع الذي أعضاءه، أسرة كان، أو شعباً أو أمة بأسرها. فأما وحدة نظام وقوانينه التي هي مظهر لصنع خالقه العظيم بديع السماوات والأرض، فلن يراها إلاّ العلماء الدارسون، وانّ هؤلاء ليرونها بمقدار ما علموا ودرسوا. وذلك انّ العين المجردة في براءتها إذ ترى فيما حولها تلك الكثرة الهائلة من الأشياء وعناصرها، تحسب انّ تلك الكثرة تعدم ما يوحدها، حتى إذا ما أخذت العين تبصر الأمر وتعلمه على حقيقته، وجدت كلّ شيء مرتبطاً بكلِّ شيء، وهو موضوع يقع في صميم الفكر الإسلامي في آفاته الجديدة، ومن ذا الذي يستطيع الوصول إلى أعماق الفكرة القائلة: لماذا يسعى الإنسان؟ وإلى أيِّ شيء يسعى؟ وإلى أيِّ نتيجة ينتهي؟ في خضم الوحدة الكونية المتباعدة المتنافرة، وإذا هي توحدت أمامهم، ظهر معناها. حتما انّهم المفكرون الإسلاميون الذين بنيت عقيدتهم الدينية أساساً على مبدأ التوحيد؟ على انّ الأمر في ذلك، إذا ما جعله المفكر الإسلامي الجديد هدفاً من أهدافه، ولا يقتصر على مؤلفات تؤلف لتوضع في خزائن الكتب، بل لابدّ أن يتسرب مضمونها قطرة إلى "التربية" في الأسرة، وفي المدرسة، وأن يسمع ذلك ويشاهده مجسماً فيما يذاع في الناس من عوامل التثقيف.

لقد أدار عصرنا حياته الفكرية على محور مشترك بين مختلف التيارات الثقافية في العالم، التي هي مشغولة قبل غيرها عن توجيه العصر في مساره الذي يسير فيه. وذلك المحور المشترك، هو انّ الإنسان يجب أن يكون هدفاً أسمى، بإنسانيته التي هي كما يعرفها كلّ فرد منا في ذاته، ومن هذا المدخل يمكن للفكر الإسلامي أن يدخل رائداً هادياً، بادئاً بسؤال عن حقيقة هذا الإنسان ما هي؟ فإذا استلهم المفكر المسلم أصول عقيدته، وجد للإنسان صورة ينبغي أن يعرفها العصر، كلما جعل "الإنسان" هدفاً للبنيان الحضاري كله، وللأنشطة الثقافية بأسرها، وليتحول الفكر المجرد إلى عادات سلوكية في حياة الجيل الناشئ.

  * كاتب من العراق

المصدر: مجلة الوحدة/ العدد 318 لسنة 2009م

ارسال التعليق

Top