• ٢٦ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الدعاء مدرسة متكاملة

الدعاء مدرسة متكاملة

من وصيّة الإمام عليّ لابنه الحسن (ع)

قال تعالى: (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا) (الفرقان/ 77).

الهدف: التركيز على الدعاء كأحد أهمّ مفردات العلاقة مع الله، هذه العلاقة التي لا يستغني عنها أحد في الوجود.

يعتبر أهل البيت (عليهم السلام) الدعاء مدرسة قائمة بذاتها يمكن من خلالها الدخول إلى كافّة عناوين الرسالة والتعرّف عليها، وقد زخرت المرويّات المأثورة عن أهل بيت العصمة بالكثير من الأدعية التي يرى المتأمّل فيها أنّها تعمّ كافّة أيّام وساعات السنة فضلاً عن المناسبات في إشارة لطيفة، إلى أهميّة بل وضرورة الارتباط بالله ومناجاته في كلّ حال.

 

محاور الموضوع:

هناك أبواب متعدّدة للحديث عن الدعاء وفضله وآدابه، استعنّا على بيان بعضها بما جاء في وصيّة أمير المؤمنين (ع) لابنه الحسن (ع)، ولعلّ أهمّ ما أشارت إليه هذه الوصيّة النقاط التالية:

1-  الدعاء سبيل الارتباط بالله:

أ‌)       التعهد بالإجابة: يقول (ع): "واعلم أنّ الذي بيده خزائن السماوات والأرض قد أذن لك في الدعاء وتكفّل لك بالإجابة".

فتوسيط الدعاء بين الإنسان وربّه قد أمر به الله تعالى، وهو الذي اعتمده باباً بينه وبين الخلائق.

ب‌) وجوب الدعاء: يقول (ع): "وأمرك أن تسأله ليعطيك وتسترحمه ليرحمك".

فالعطاء فرع السؤال، والرحمة فرع الاسترحام في المعادلة الإلهيّة.

ج) الدعاء تواصل بلا واسطة: يقول (ع): "ولم يجعل بينك وبينه من يحجبه عنك، ولم يلجئك إلى من يشفع لك إليه".

وفي ذلك إشارة إلى سهولة التواصل، وأنّ الطريق إليه سألكة للراغبين بالسؤال.

2-  عدم القنوط من فيضه:

الرحمة الواسعة: يقول (ع): "ولم يمنعك إن أسأت من التوبة، ولم يعاجلك بالنقمة، ولم يعيّرك بالإنابة ولم يفضحك حيث الفضيحة بك أولى، ولم يشدد عليك في قبول الإنابة، ولم يناقشك بالجريمة، ولم يؤيسك من الرحمة، بل جعل نزوعك عن الذنب حسنة، وحسب سيئتك واحدة، وحسب حسنتك عشرا، وفتح لك باب المتاب".

يبيّن (ع) في هذا المقطع كرمه سبحانه وجوانب اللطف في تشريع الدعاء، فالله يعلم أنّ كلّ إنسان معرّض للخطأ والزلل والوقوع في الشبهات والمحرّمات، فلم يستعجله بالعذاب على ذلك بل فتح له باباً من أبواب الرحمة ليتوب ويرجع إلى الله.

3-  أنس الداعي بالله:

يقول (ع): "فإذا ناديته سمع نداءك، وإذا ناجيته علم نجواك فأفضيت إليه بحاجتك، وأبثثته ذات نفسك، وشكوت إليه همومك، واستكشفته كروب، واستعنته على أمورك".

فوحده من يسمع النداء وتستأنس ببث الشكوى إليه وتفتح له قلبك المطّلع عليه أساساً ليسمع منك ما يعرفه ويعلمه.

4-  الدعاء مفتاح خزائن الله:

اليقين بكونه مصدر العطاء: يقول (ع): "وسألته من خزائن رحمته ما لا يقدر على إعطاء غيره من زيادة الأعمار وصحّة الأبدان وسعة الأرزاق ثمّ جعل في يديك مفاتيح خزائنه بما أذن لك من مسألته، فمتى شئت استفتحت بالدعاء أبواب نعمته واستمطرت شآبيب رحمته".

وكأنّه في هذا المقطع يقطع الطريق على الإنسان في عدم السؤال، فخزائنه وسعت كلّ شيء، والإذن بالدخول موجود، والمفتاح بيدك ما عليك إلّا استعمال المفتاح لتدخل ميادين رحمته.

5-  تأخّر الإجابة:

اليقين بحكمته: يقول (ع): "فلا يقنطنك إبطاء إجابته فإنّ العطية على قدر النيّة. وربّما أخّرت عنك الإجابة ليكون ذلك أعظم لأجر السائل وأجزل لعطاء الآمل، وربّما سألت الشيء فلا تؤتاه وأوتيت خيراً منه عاجلاً أو آجلاً، أو صرف عنك لما هو خير لك، فلربَّ أمر قد طلبته فيه هلاك دينك لو أوتيته".

يستعرض (ع) بعض إيجابيّات تأخّر الإجابة التي قد لا يلتفت إليها السائل:

أ‌)       عدم الجديّة في النيّة.

ب‌) زيادة الأجر في زيادة السؤال.

ت‌) إعطاؤه ما هو أفضل.

ث‌) درأ ما هو خطر عليه.

6-  متعلق الدعاء:

الدعاء لأمر الآخرة: يقول (ع): "فلتكن مسألتك فيما يبقى لك جماله وينفى عنك وباله، فالمال لا يبقى لك ولا تبقى له".

فلا ينبغي أن يكون متعلّق الدعاء من الأمور الماديّة التي تفنى أو الدنيويّة التي تزول، بل ليكن سؤالك ممّا يرتبط بأمور دينك وآخرتك فإنّه لا يبقى لك شيء سواها.

ارسال التعليق

Top