• ٢٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٢٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

العنف ضد المرأة.. مفهومه وصوره

أسرة البلاغ

العنف ضد المرأة.. مفهومه وصوره

الإسلام دين عظيم، يكرّم الإنسان ويعلي منزلته، وقد أكرم المرأة أيَّما إكرام، وأنقذها من ربقة الجاهلية الظالمة، التي تئد البنات وهنّ صغيرات؛ مخافة العار. وفي هذا العصر كَثُرَ الحديث عن العنف ضد المرأة، ومنه ما هو حقّ، ومنه ما هو باطل وزيف. التقينا الدكتور منصور بن محمّد الصعقوب (إمام وخطيب)؛ ليحدثنا عن العنف ضد المرأة وصوره وأسبابه وآثاره على المرأة المعنفة والمجتمع.

يقول الدكتور منصور بن محمّد الصعقوب: العنف ضد المرأة من الظواهر الاجتماعية التي نحتاج إلى الحديث عنها في خطبنا ومحاضراتنا وبرامجنا؛ ذلك لأنّ هذه القضية لها منظوران، العنف ضد المرأة بمفهومنا أهل الإسلام، والعنف ضدها بمفهوم الغرب وأتباعه، وكلّ له اتجاه وقبل الخوض في ذلك لابدّ من توضيح أنّ الله أكرم المرأة ورفع شأنها وأعلى قدرها، وكفل لها من الحقوق ما لن تجده في أي ملّة أخرى، ففي الإسلام المرأة مقدرة إن كانت أمّاً أو زوجة أو بنتاً، ومهما طوّف الناس وتكلموا في قضية المرأة فلن يجدوا شرعة حفظت لها الحقوق وحمتها من التجني وأكرمتها غاية الإكرام مثل شرعة الإسلام. والنبي (ص) مثلاً نهى عن ضرب المرأة، وقال عن الضارب للمرأة: "لقد طاف بآل محمّد نساء كثير يشكون أزواجهن ليس أولئك بخياركم". ولم يُعهد عنه أنّه ضرب امرأة ولا بنتاً ولا خادماً، وكان عليه الصلاة والسلام يحسن إلى المرأة في المال والأخلاق والعواطف والتعامل وغير ذلك. وإذا كان الظلم محرماً فهو في حقِّ القرابات أشد وطأة ومضضاً، وحين يمارس على المرأة التي فطرها الله على الضعف فهو أشد وأسوأ.

وهناك في المجتمع صور من العنف المحرم ضد المرأة، فمنها القسوة في المعاملة؛ بالضرب تارة، وبالحبس والحرمان من الحقوق، والتجني في الألفاظ، والأذى في الأبدان، وحتى التخويف والإذلال، نوع من العنف ضد المرأة، وهو طبعٌ لا يفعله كريم. ونتعجب حقيقةً أن تمتد يد رجل يتباهى بقوته إلى امرأة طبعت على الضعف، وقد أنكر النبي (ص) على من رفع يده على امرأة، وقال ليس أولئك بخياركم، فليس بكريم من أكرمه أناس بابنتهم ثمّ استغل ضعفها فتطاول عليها... نعم الضرب في الإسلام للزوجة له حد، حين تتعذر كلّ الطرق للإصلاح، ويكون غير مبرح؛ للتأديب لا للإيلام.

 

من صور العنف:

وهنالك صورة للعنف وهي عضل البنت، وللعضل صور، منها تأخير تزويجها، ورد الخطاب الأكفاء عنها، إما طمعاً في مالها، أو بقصد التنكيل بها أو بأمها. وكم سمعنا عن فتاة تشكو ضيم الأقربين حينما أغلق الأب الأبواب في وجه الخطاب، وبعدما كانت مطلب الرجال تقدمت السنون فتضاءلت في الزواج الآمال، حتى باتت تتمنى نصف رجل أو ربعه، والسبب عنف أبٍ وعضله. وكذلك حرمانها من زيارة أهلها أو من رؤية أولادها إن لم يكونوا عندها، والسبب الذي جنته أنها طلقت، فتجده ينكل بها ويمنعها منهم، وربما سعى بكلِّ طاقته لينال الولاية، لا لأنّه أعرف وأقدر، بل لينكل بالأم. وإذا كان نبينا (ص) أخبر عن دخول امرأة النار بسبب هرة حبستها، فكيف بمن يحبس امرأة عن أهلها أو أطفالاً عن أمّهم المطلقة، فلا هم يرونها ولا هي تراهم.

ويعتبر الجور والظلم للزوجة عند التزوج بأخرى صورة من العنف، جعلت البعض يظن أن لا تعدد إلا بظلم وجور، وهذا قصور من الرجل، وقال (ص): "من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل". رواه أبو داود. وكذلك التقتير على الزوجة والأولاد في النفقة حتى يتكففوا الناس، وإجبار المرأة على أمور محرمة.

كلّ هذه صور من العنف تجاه المرأة، وهي أمور لا يرضاها الإسلام، وينهى عنها علماء الإسلام.

ومَن نظر في الآيات وأحاديث النبي (ص) وجد كثيراً مما يحفظ للمرأة حقها، فمثلاً "ولهنّ مثل الذي عليهن بالمعروف"، "خيركم خيركم لأهله"، "ولا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي آخر"، "ومن أحسن إلى البنات كان ذلك ستراً له من النار"... هذا دين الإسلام وشرعته الصافية التي أغلقت كلّ منافذ العنف ضد المرأة.

 

دور المجتمع:

العنف ضد المرأة ما نشأ إلا عن جهل بالحقِّ الشرعي، ويبقى الدور في العلاج يتحمله أكثر من جهة. فالتوجيه منذ الدراسة مهم في هذا الأمر، وتواصل المدرسة مع الأبناء والبنات وتلمس الحاجات مما يعين ويخفف. ولوسائل الإعلام دور مهم جدّاً في التوجيه، والأهم من ذلك القضاة الذين لهم دور في الحزم مع من يصدر منه مثل هذا التصرف، وعدم تأخير البت في قضايا العنف. والتوعية من قبل الداعية والخطيب ونحوهما وتذكير من وقع منه مثل هذا بأنّ الذي حرم الظلم على نفسه سبحانه وجعله بين عباده محرماً لا يحب الظالم، بل ينتقم منه يوماً وإن أمهله أياماً.

وتذكير الرجل بأنّ له بنات وهو لا يرضى الظلم عليهنّ، ورجال الناس كذلك، فأحب للناس ما تحب لنفسك.

 

العنف في منظور الغرب:

في السنوات الأخيرة ظهر مصطلح العنف ضد المرأة من قبل الأمم المتحدة، وبات الغرب ينادي بالقضاء على مظاهر يعدها من العنف، وهي في حقيقة الأمر مما يخالف ديننا، فهم يعرفونه بأنّه أي فعل عنف يمارس من أحد أفراد الأسرة ضد المرأة بسبب كونها امرأة. وقد يترتب عليه أذى أو معاناة للأنثى، من الناحية الجسدية أو النفسية أو الجنسية أو الاقتصادية، بما في ذلك الحرمان من الحرية.

وتحت هذا المصطلح الفضفاض قضايا خطيرة يسعون لها. فمن العنف عندهم في حقِّ المرأة تزويجها دون سن الثامنة عشرة. ومنعها من الاختلاط بالرجال، وأن يوقف في وجهها تجاه مصاحبتها لمن شاءت ذكراً أو أنثى. وكلّ حديث عن قوامة الرجل على المرأة فهو عنف تجاهها، فهم يريدون أن تستقل المرأة بنفسها، في سفرها وعملها وحتى تزويجها وولايتها، فليس للرجل عليها حقّ وقوامة وولاية، أباً كان أو زوجاً.

وتعدد الزوجات في نظرهم عنف، بينما تعدد الخليلات حرية لا يعترض عليها. وفصل التعليم عنف وتمييز، وعدم تحديد النسل عنف، وقيام المرأة بدور الأمومة ورعاية الأسرة وبقاؤها في البيت يعدونه عنفاً، وفيه ظلم للمرأة بحرمانها من عمل تكسب منه المال.

ومجملاً، فالمراد عندهم أنّ التفريق بين الرجل والمرأة يعد عنفاً ضدها، ينبغي نبذه والقضاء عليه، لذلك علينا تحصين مجتمعنا بإصلاح بيوتنا ونسائنا أوّلاً، وتحصين العقول؛ حتى لا تتسم بمثل هذه الأفكار التي تخالف شرع الله، وطرح المشاريع النافعة لإصلاح المرأة وتوجيهها.

ارسال التعليق

Top