◄- ما هي الحرّية؟
الحرّية في اللاتينية (Libertas)، وفي الفرنسية (Liberte) وفي الإنكليزية (Liberty) أو (Freedom).
الحر ضد العبد، والحر في اللغة العربية يعني: الكريم، والخالص من الشوائب، والحر من الأشياء أفضلها، ومن القول أو الفعل أحسنه. وتقول حرّر العبد أي خلَّصه من الرق...
فالحرّية هي الخلوص من الشوائب، أو الرق، أو اللؤم، فإذا أُطلقت على الخلوص من الشوائب، دلت على صفة مادّية. يقال:
ذهبٌ حر لا نحاس فيه. وإذا أُطلقت على الخلوص من الرق، دلت على صفة اجتماعية: رجل حر أي طليق من كلّ قيد سياسي أو اجتماعي. وإذا أُطلقت على الخلوص من اللؤم دلّت على صفة نفسية، تقول رجل حر أي كريم لا نقيصة فيه.
وعلى هذا الأساس للحرّية ثلاثة معانٍ:
1- المعنى العام: الحرّية خاصّة الموجود، الخالص من القيود، العامل بإرادته أو طبيعته. من قبيل ذلك قولهم: تظهر حرّية الجسم الساقط في هبوطه إلى مركز الأرض، وفقاً لطبيعته بسرعة متناسبة مع الزمان، إلّا إذا صادف في طريقه عائقاً يمنع سقوطه.
وكذلك وظائف الحياة النباتية أو الحيوانية، إذا لم يعقها عن القيام بعملها الطبيعي مانع خارجي، قيل إنّها حرة، وإذا اطلق هذا المعنى على أفعال الإنسان، دلَّ على الحرّية المادّية. يقال ليس للمريض والسجين حرّية، لأنّهما لا يستطيعان أن يفعلا ما يريدان.
2- المعنى السياسي والاجتماعي: الحرّية بهذا المعنى قسمان:
أ) الحرّية النسبية، هي الخلوص من القسر، والإكراه الاجتماعي، والحر هو الذي يأتمر بما أمر به القانون، ويمتنع عما نهى عنه. إنّ حرّية الإعراب عن الفكر وعن الرأي هي أثمن حقوق الإنسان، ولكلّ مواطن الحقّ في حرّية الكلام، والكتابة، والنشر، على أن يكون مسؤولاً عن عمله في الحدود التي يعينها القانون. كما ينبغي الاعتراف بحقوق الغير، واحترام حرّياته، وتحقيق ما يقتضيه النظام العام من شروط عادلة وموضوعية. والحرّيات السياسية هي الحقوق المعترف بها في معظم الدول: كحرّية الفكر، والرأي، والضمير، والدين، والتعبير، وحرّية الاشتراك في الجمعيات، وحرّية الإلهام في إدارة شؤون الدولة مباشرة، أو بواسطة ممثلين يختارهم المواطنون اختياراً حراً.
ب) أمّا الحرّية المطلقة فهي حقّ الفرد في الاستقلال عن الجماعة التي انخرط في سلكها. وليس المقصود بذلك الاستقلال الكلّي بل الإقرار بهذا الاستقلال، واستحسانه، وتقديره، واعتباره قيمة خلقية مطلقة. وقد تم التمييز بين الحرّية المدنية والحرّية السياسية: فالأولى هي عبارة عن استمتاع الأفراد بحقوقهم المدنية في ظل القانون، والثانية عبارة عن استمتاع الأفراد بحقوقهم السياسية واشتراكهم في إدارة شؤون بلادهم مباشرة أو بواسطة ممثليهم.
3- المعنى النفسي والخلقي:
أ) إذا كانت الحرّية ضد الاندفاع اللاشعوري، أو الجنون، واللامسؤولية القانونية والخلقية، فإنّها تدل على حالة شخص لا يقدم على الفعل إلّا بعد التفكير فيه سواء كان ذلك الفعل خيراً أم شرّاً. فهو يعرف ما يريد، ولا يفعل شيئاً إلّا وهو عالم بأسبابه. لذلك قيل: إنّ الحرّية هي الحد الأقصى لاستقلال الإرادة، العالمة بذاتها، المدركة لغايتها، وقيل أيضاً، الحرّية هي عليّة النفس العاقلة. ومعنى ذلك أنّ الفاعل الحر هو الذي يقيد نفسه بعقله وإرادته، ويعرف كيف يستعمل ما لديه من طاقة، وكيف يتنبأ بالنتائج، وكيف يقارنها بعضها ببعض، أو يحكم عليها، فحرّيته ليست مجرّدة من كلّ قيد، ولا هي غير متناهية، بل هي تابعة لشروط متغيّرة نوجب تحديدها وتخصيصها. يطلق على هذه الحرّية اسم الحرّية الأدبية أو الخلقية.
ب) وإذا كانت الحرّية ضد الهوى والغريزة والجهد، والبواعث العرضية، فإنّها تدل على حالة إنسان يحقق بفعله ذاته من جهة ما هي عاقلة وفاضلة. فالحرّية بهذا المعنى حالة مثالية، لا يتصف بها إلّا من جعل أفعاله صادرة عمّا في طبيعته من معان سامية. في هذا المجال قال ليبنيتز: "إنّ الله وحده هو الحر الكامل، أمّا المخلوقات العاقلة فلا توصف بالحرِّية إلّا على قدر خلوصها من الهوى".
ت) إذا كانت الحرّية ضد الحتمية فإنّها تدل على حرّية الاختيار، أي أنّ فعل الإنسان يتولّد من إرادته. في هذا الخصوص قال بوسِّيه: "كلّما بحثت في أعماق نفسي عن السبب الذي يدفعني إلى الفعل لم أجد فيها غير إرادتي". فالإرادة إذن علة أولى وابتداء مطلق، وهي خالصة من كلّ قيد، لأنّها لا توجب أن يكون الفعل مستقلاً عن الأسباب الخارجية فحسب، بل توجب أن يكون مستقلاً عن الدوافع والبواعث الداخلية أيضاً. يدلّ كلّ ذلك على أنّ بين معاني الحرّية واللاتعيين واللاحتمية تساوقاً وتلازماً. إذا سلمنا بحرّية الاختيار، واختصرت على الأحوال التي تتساوى فيها الأسباب المتعارضة، حصلنا على معنى آخر للحرّية: حرّية عدم المبالاة.
ث) كما يطلق على الحرّية أيضاً القوّة التي تظهر ما في صميم الذات الإنسانية من صفات مفردة، أو الطاقة التي بواسطتها يحقق الإنسان في كلّ من أفعاله، فيشعر بحرّيته مباشرة، ويدرك أنّها ميزة نظام فريد من الحوادث، تفقد فيه مفاهيم العقل كلّ دلالة من دلالاتها. قال برغسون: "الحرّية هي نسبة النفس المشخصة إلى الفعل الصادر عنها". ومعنى ذلك أنّ الفعل الحر عنده لا ينشأ عن عامل نفسي مفرد، بل ينشأ عن النفس كلّها. ونسبة المريد إلى أفعاله كنسبة الفنَّان إلى آثاره. والفرق بين فلسفة الحتمية وفلسفة الحرّية. أنّ الأولى تقسم الفعل الحر وتعلله بقوى طبيعية مختلفة التركيب والتأثير، في حين أنّ الثانية ترى أنّ الفعل الحر لا ينقسم، وإنّ السببية النفسية، التي هي عماد الحرّية مختلفة كلّ الاختلاف عن السببية الطبيعية.
ج) والحرّية عند "كانت" صورة معقولة متعالية، وذلك أنّ لكلّ ظاهرة في نظره تفسيراً مزدوجاً. الأوّل أن تربط تلك الظاهرة بغيرها من الظواهر ربطاً ضرورياً محكماً، حتى إذا عرفت قانونها الطبيعي، أمكنك التنبؤ بحدوثها، هكذا يمكن التنبؤ بأفعال الإنسان عند معرفة الظروف التي تؤثر فيه وظروف محيطه. الثاني أن تربط تلك الظاهرة بأسبابها المعقولة المتعالية، وكلّ سبب متعال هو غير زماني، وهو من عالم الشيء بذاته، لا من عالم الظواهر، ونسبة الظواهر إلى الأسباب المتعالية هي الحرّية بعينها، أي أنّ الفعل إذا نسب إلى عالم الشيء بذاته، أي عالم الحقيقة أمكن اعتباره حراً.
ح) حرّية الضمير: هي الشعور بالحرّية في إبداء الرأي واعتناق المعتقدات. والتحرير يعني تحرير الشعب من المرض والفقر والظلم، وتحرير النفس من الأخلاق المذمومة. ►
المصدر: كتاب كيف تتحرّر من مخاوفك وهواجسك؟
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق