• ٢٧ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٨ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

السيرة النبوية في سطور

السيد عادل العلوي

السيرة النبوية في سطور
◄السنة الرابعة من الهجرة المجيدة: انكسار المسلمين في أُحد مهّد للمنافقين والمشركين أن يخططوا أكثر فأكثر لمحاربة الإسلام وهدم صرحه، فأخبر النبي (ص) أنّ قبيلة بني أسد تقصد الهجوم على المدينة، فبعث إليهم سرية (150 مقاتلاً) بقيادة أبي سلمة ففاز عليهم وانتصر ورجع بغنائم، و(وقعت الحادثة بعد 35 شهراً من الهجرة). بعث النبيّ (ص) المبلّغين حفّاظ القرآن لنشر معارف الإسلام فاستشهد منهم ستة وقيل عشرة بين قبائل (عضل وقاره) في منطقة (رجيع) وشنق زيد بن ديثة وخُبيب بن عدي بيد المشركين في مكّة. استشهد (39) مبلّغاً وحافظاً للقرآن عند بئر (معونة) بيد عامر بن الطفيل وأعوانه، ورجع كعب بن زيد المجروح إلى المدينة وأخبر النبي (ص) بذلك، والنبي (ص) بعضهم بحماية أبي براء عامر بن مالك بن جعفر رئيس قبيلة بني عامر في نجد. يهود بني النضير انتهزوا الفرصة بعد هذه الحوادث المؤلمة، فأرادوا قتل النبي (ص) في مؤامرة – عندما يجتمع النبيّ (ص) معهم – بالقاء حجر عليه فأخبر جبرائيل ذلك للنبي (ص)، فغزاهم بعد نقضهم العهد وحاصر قلعتهم لستة أيام وقيل 15 يوماً، واندحر بنو النضير إلى الشام وإلى خيبر وقسمت مزارعهم بين المسلمين وذلك في ربيع الأوّل من السنة الرابعة للهجرة. حرّم الله الخمور بعد أن حذّر الناس من أضرارها وأنها تزيل العقل الذي هو الجوهر في الإنسان وبه يمتاز عن الحيوانات، وإنما حرّمها تدريجاً لاقتضاء مصلحة العموم آنذاك في قوله تعالى: (وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا) (النحل/ 67)، (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا) (البقرة/ 219)، (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) (النساء/ 43)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنْصَابُ وَالأزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (المائدة/ 90)، والإثم من الحرام لقوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإثْمَ) (الأعراف/ 33). غزوة ذات الرقاع مع بني محارب وبني تغلبة من غطفان وفيها نزلت صلاة الخوف وعند رجوعهم أصيب عباد في الليل بسهام وهو في صلاته. بدر الثانية في ذي القعدة وخروج النبيّ (ص) في عسكر (1500 مقاتل) ورجوع أبي سفيان ذليلاً إلى مكة. ولد الإمام الحسين (ع) سبط رسول الله في الثالث من شهر شعبان المكرّم. توفّيت فاطمة بنت أسد زوج أبي طالب وأم أمير المؤمنين عليّ (ع) ودفنها النبيّ (ص) بيده. أمر النبي زيد بن ثابت أن يتعلّم اللغة السريانية من اليهود.   السنة الخامسة من الهجرة الحميدة: من أجل تحطيم سنن الجاهلية تزوج النبيّ من بنت عمته زينب بن جحش بعد زواجها من زيد وطلاقها كما في الآيات (4/6/36/40) من سورة الأحزاب غزوة دومة الجندل القريبة من دمشق وخروج النبي (ص) لمحاربة قطاع الطريق على المسلمين. غزوة الخندق أو غزوة الأحزاب: بتحريض يهود بني النضير وقبيلة بني وائل جمع المشركون قواهم وأحزابهم لمحاصرة المدينة، أخبر النبيّ (ص) بذلك، فشاور أصحابه واقترح سلمان الفارسي المحمدي أن يحفر حول المدينة من قبل مكة خندقاً – وذلك من أحد إلى راتج – وكان طول الخندق (1200 ذراع ما يقارب 5/5 كيلومتر وعمقه وعرضه ما يقارب خمسة أمتار)، وفي هذه الغزوة قال النبيّ (ص) كلمته المشهورة: "سلمان منّا أهل البيت"، وكان يزيد عدد المشركين عن عشرة آلاف مقاتل وعدد المسلمين لم يتجاوز ثلاثة آلاف مقاتل، بقي المشركون خلف الخندق ما يقارب الشهر، فالتقى حيي بن أخطب اليهودي مع بني قريظة لتحريضهم ضد النبيّ (ص) فنقضوا المعاهدة واتحدوا مع المشركين لمحو الإسلام، وتقابل الإيمان والكفر، وقال النبيّ (ص): "أيها الناس إذا لقيتم العدو فاصبروا واعلموا أنّ الجنة تحت ظلال السيوف" وعبر الخندق عمرو بن ود العامري فارس يليل الذي قابل بوحده ألف فارس وغلبهم وطلب المبارزة من المسلمين، فبرز إليه أبو الحسن عليّ ابن أبي طالب (ع)، وقال النبي (ص): (رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ) (الأنبياء/ 89)، ثمّ قال (ص): "خرج الإيمان كلّه إلى الشرك كلّه" فدعا عليّ (ع) عمرا إلى الإسلام أو الانصراف أو القتال، وأخيراً قتل عمرو بسيف علي (ع)، وقال النبي (ص): "ضربة عليّ يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين" فرجعت الأحزاب ذليلة خاسرة، وانتهت غائلة الأحزاب في يوم (24 ربيع الأوّل من السنة الخامسة للهجرة). يهود يثرب نقضوا عهودهم حيث قتل بنو قينقاع وتآمر بنو النضير لقتل النبي (ص) واتحد بنو قريظة مع الأحزاب، فحاصر النبي (ص) قلعتهم. طلب اليهود حضور أبي لبابة الذي التقى بهم وأخذته العاطفة حينما سمع بكاء النساء، فأفشى سر المسلمين ثمّ ندم على ذلك، وربط نفسه بإسطوانة المسجد إلى أن يموت أو يتوب الله عليه، فنزلت الآية بعد ثلاثة أيام: (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (التوبة/ 102). فتح عليّ (ع) قلعة يهود بني قريظة واقترح سعد بن معاذ بعدما فوّض الأمر إليه قتل رجال اليهود وسبي نسائهم وتقسيم أموالهم، فتغلّب عقله على عواطفه، وانتهت غائلة اليهود في (19 ذي الحجة) وتوفي سعد بجرح أصابه في غزوة الأحزاب، وأعدم حيي بن أخطب.   السنة السادسة من الهجرة الكريمة: قتل الأوس من قبل (كعب الأشرف) من اليهود في داره، فامر النبيّ (ص) الخزرج بقتل سلام ابن أبي الحقيق اليهودي في خيبر المتآمر على الإسلام والذي كان يشعل فتيلة الحرب ضد المسلمين. قصة عمرو بن العاص المشرك في ديار الحبشة في قصر النجاشي. خروج النبي (ص) من المدينة من أجل تأديب قبيلة بني لحيان ليكفوا عن أذى المسلمين. غزوة (ذي قرد) وهو غدير قريب من قبائل غطفان، وذلك حينما سرق عيينة بن حصن القزاري إبلاً من المسلمين وأسر امرأة منهم فعقّبه النبيّ (ص) بسرية بقيادة سعد بن زيد، ونذرت المرأة الأسيرة نحر ناقة النبيّ (ص) فقال لها: إنّه لا نذر في معصية الله ولا فيما لا تملكين، إنما هي ناقة من إبلي. غزوة بني المصطلق: وهم طائفة من قبيلة خزاعة، وقد عزم رئيسهم حارث بن أبي ضرار على حرب النبيّ (ص)، فجهز النبيّ (ص) عسكره وحاربهم قرب بئر (مُرَيسع) وانتصر الإسلام أخيراً. اختلاف اثنين من المسلمين جديدي العهد بالإسلام على ماء أحدهما من الأنصار والآخر من المهاجرين واستنصارهما كل واحد جماعته بدعوة جاهلية، فتدارك النبي (ص) الموقف على أنها نعرة جاهلية "دعوها فإنها منتنة". استغلال رئيس النفاق عبدالله بن أبي هذا التشاجر وبذر النفاق بين المسلمين، فردّه زيد بن أرقم وأخبر النبيّ (ص) بذلك فعفا عنه النبيّ (ص) وقد طلب ولده من النبيّ (ص) قتل والده حفظاً لمصالح الإسلام. إيمان حارث بن ضرار رئيس بني المصطلق بعد أن أخبر النبي (ص) بالغيب في ناقتين جعلهما خارج المدينة، ثمّ تزوج النبيّ (ص) من بنت حارث، فآمنت بنو المصطلق ببركة هذا الزواج الميمون. بعث النبيّ (ص) خالد بن الوليد إلى بني المصطلق ليأخذ منهم زكاتهم فاستقبلوه، إلا أن خالداً رجع إلى النبيّ (ص) وكذب عليه بأن بني المصطلق أرادوا قتله فنزلت الآية الشريفة: (إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا...) (الحجرات/ 6). كان عبدالله بن أبي رئيس المنافقين يتاجر بالإماء والجاريات ويكرههنّ على البغاء والفساد فنزلت الآية الشريفة: (وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا...) (النور/ 33)، فأشاع هذا المنافق مع زمرته إشاعة تتعرض للنبي في زوجه عائشة وقيل مارية، وعرفت القصة بحديث الافك وقد نزلت الآية الشريفة: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإفْكِ...) (النور/ 11)، فكشفت القناع عن وجوه المنافقين. رأى النبي (ص) في منامه أنّه يدخل مكّة المكرمة فتفاءل بذلك خيراً وأخبر أصحابه بذهابه للعمرة والزيارة في شهر ذي القعدة، فتحرك النبيّ (ص) مع (1400 وقيل 1600 وقيل 1800 نفر) وأحرم في ذي الحليفة يسوق سبعين بعيراً للهدي. في عسفان أخبر النبي (ص) رجل خزاعي بأن مشركي قريش قد عزموا على منع النبيّ (ص) و أصحابه من دخولهم مكّه فتوقف النبيّ (ص) إذ لم يكن مقصوده الحرب والقتال. إلتقى سفراء قريش مع النبي في خيمته في أربع مراحل، ورأى أحد السفراء عروة بن سعد الثقفي أصحاب النبي (ص) يتبركون بماء وضوئه فعلم أنّ هدف القوم الزيارة والعمرة. أرسل النبيّ (ص) مبعوثاً إلى قريش ليثبت لهم أنهم بقصد الزيارة والعمرة، ثمّ أرسل إليهم عثمان بن عفان فاحتجزته قريش مما أدّى بذلك لوقوع البلبلة في صفوف المسلمين. بيعة الرضوان: ارتأى النبيّ (ص) بعد البلبلة أن يجدّد البيعة مع المسلمين تحت شجرة فسميت ببيعة الرضوان ونزلت الآية الشريفة: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) (الفتح/ 18). بعثت قريش سهيل بن عمرو إلى النبي (ص) ليصالحهم على أن يأتي إلى الحج والعمرة في السنة القادمة، وانتهى الأمر إلى كتابة معاهدة بين سهيل باسم قريش وبين النبيّ (ص)، ولكتابة المعاهدة قصة مذكورة في التاريخ عرفت بصلح الحديبيّة. بعد (19 يوماً من الحديبيّة) رجع النبي (ص) إلى المدينة بعد أن حلق رأسه ليخرج من الإحرام، وبعد أن أمر أبا جندل الشاب المسلم ابن سهيل الكافر أن يصبر على ظلم أبيه حتى يأتيه الفرج القريب، وقال الإمام الصادق (ع) في شأن صلح الحديبية: "وما كان قضية أعظم بركة منها" وكان عمر بن الخطاب من المعارضين للصلح الذي وقّع عليه النبيّ الاكرم (ص)، وحينما رجع النبي (ص) إلى المدينة نزلت سورة الفتح: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا) (الفتح/ 1).   السنة السابعة من الهجرة الميمونة: ساد الهدوء النسبي علاقة المشركين بالمسلمين، فآل الأمر إلى أن ينشر النبيّ (ص) دين الله في أرضه، فبعث إلى الرؤساء في العالم سفراءه ليدعوهم إلى الإسلام سيما امبراطوريات – إيران والروم – والحبشة ومصر واليمامة والحيرة (الأردن)، وجمع المؤرخون رسائل النبيّ (ص) ووثائقه السياسية فبلغت (185) وثيقة. نذر قيصر ملك الروم لو انتصر على إيران أن يحج إلى بيت المقدس ماشياً، فوفى بنذره وكان في البصرى من بلاد الشام، حين دخل عليه دحية الكلبي سفير النبي (ص) ليدعوه إلى الإسلام، ومن أجل أن يتعرف قيصر على حالات النبي (ص) سأل أبا سفيان – وكان آنذاك في الشام للتجارة – عن ذلك. مزّق خسرو برويز شاه إيران رسالة النبيّ (ص) وأهان سفيره، فتفاءل النبيّ (ص) حينما أخبر بتمزيق دولته وقال "اللّهمّ مزق ملكه" فقتل خسرو بيد ولده شيرويه في عشرة جمادي الأولى سنة (7) هجرية. بعث النبيّ (ص) حاطب بن بلتعة إلى المقوقس عظيم القبط في مصر فقال للسفير: لماذا لا يدعو النبيّ (ص) على قومه أهل مكة لو كان على حق، فهم الذين أخرجوه من دياره؟ فأجابه: ولماذا لم يدع عيسى (ع) على بني إسرائيل الذين صلبوه. فبهت الذيت كفر من قوله وقال: أحسنت أنت حكيم جاء من عند حكيم. بعث النبي (ص) عمرو بن أميّة إلى النجاشي ملك الحبشة الذي كان لا يزال بعض المسلمين المهاجرين في رعايته فآمن بالنبي (ص) على يد جعفر ابن أبي طالب. بعث النبيّ (ص) شجاع بن وهب إلى اليمن ليدعو الغسانيين إلى الإسلام وسلّم رسالة النبي (ص) إلى رئيسهم حارث ابن أبي شمر في بعوظة، ومات حارث في السنة الثامنة من الهجرة. بعث النبي (ص) إلى سليط بن عمرو أبي هوذة أمير اليمامة بين نجد والبحرين سفيراً فدعاه إلى الإسلام، فقبل ذلك على شرط أن تكون الخلافة له من بعد الرسول فأنكر النبي (ص) عليه ذلك، فلم يؤمن بالإسلام. غزوة خيبر: حينما زادت عداوة اليهود وبغضهم للنبيّ (ص) والإسلام تحصنوا في قلاعهم السبعة في خيبر وبلغ عددهم عشرين ألف نفر، واستمر اليهود في تحريك العوامل الرئيسية في إشعال نار الحرب والفتن والغزوات مما أدّى إلى أن يحاصرهم النبيّ (ص) في قلاعهم. في المسير نحو قلاع اليهود أجاز النبيّّ (ص) لعامر بن أكوع أن يحدو للإبل فأنشد قائلاً:


والله لولا الله ما اهتدينا
انا إذا قوم بغوا علينا
فانزلنْ سكينة علينا
ولا تصدّقنا ولا صلينا
وإن أرادوا فتنة أبينا
وثبت الأقدام إن لاقينا


فدعا له النبي (ص) واستشهد في غزوة خيبر. طالت المحاصرة لمدة شهر وفتحت القلعة الأولى (ناعم) بيد المسلمين ثمّ قلعة (قموص) وأسرت صفية بنت حيي بن أخطب فتزوجها النبيّ (ص) وحسن إسلامها، ثمّ فتحت قلعة (وطيح) و(سلالم) بعد أن طالت الحرب عشرة أيام ولم تفتح في المحاولات الأولى حتى قال النبيّ (ص): "لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله، يفتح الله على يديه ليس بفرار" وفي اليوم الثاني أعطى الراية لعليّ ابن أبي طالب (ع) وكان بعينه رمد فمسح النبيّ يده على عينه فبرىء من وجع العين إلى آخر حياته، ثمّ أمر النبيّ (ص) علياً (ع) أن يدعوهم إلى الإسلام وقال: "لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير من أن يكون لك حمر النِّعَم". تقدّم بطل الإسلام وفارس الميادين أسد الله الغالب عليّ ابن أبي طالب (ع) متقلّداً سيفه (ذا الفقار) نحو القلاع فقتل حارثاً ثمّ في براز قلّ مثيله قتل أخاه مرحبا بعد أن رجز قائلاً:


قد علمت خيبر أني مرحب
إن غلب الدهر فإني أغلب
شاكي السلاح بطل مجرب
والقرى عندي بالدماء مخضب


فأجابه أبو الحسن روحي فداه:


أنا الذي سمتني أمّي حيدرة
عبل الذراعين غليظ القصرة
ضرغام آجام وليث قسورة
كليث غابات كريه المنظرة


وفي أثناء المبارزة سقطت الدرع من عليّ (ع) فقبض على باب خيبر وجعله درعاً إلى آخر الحرب، وقد عجز عن حمله ثمانية رجال، وقيل أربعون (كان الباب من حجر طوله أربعة أذرع وسُمكه ذرعان) ثمّ جعل الباب على الخندق فعبر الجيش الإسلامي زاحفاً نحو القلاع ففتحت على يد عليّ (ع) المباركة، وقتل على يديه كبار وشجعان يهود خيبر وذلك بكرامة ربانية. أخذ النبيّ (ص) الجزية من يهود خيبر بعد أن عفا عنهم. رجع المهاجرون مع جعفر ابن أبي طالب من الحبشة بعد فتح خيبر، فاستقبله النبي (ص) وقبّل جبهته وقال: "بأيهما أشدّ سروراً بقدومك يا جعفر أم بفتح الله على يد أخيك خيبر" ثمّ أهدى إليه صلاة عرفت بصلاة جعفر الطيار. زينب من نساء اليهود جعلت السّم في ذراع الشاة لقتل النبيّ (ص) فأنجاه الله من ذلك، ولم يعاقبها وعفا عنها، لما يحمل النبي (ص) من الأخلاق السامية. قتل عبدالله بن سهل على يد اليهود غيلة فاجتمع بنو أعمامه بالنبيّ (ص)، معهم أخو عبدالله وكان أصغرهم سناً فأراد أن يتكلّم فقال له النبيّ (ص): "كبّر كبّر" أي ليتكلم الكبار أوّلاً احتراماً لهم ثمّ آل الأمر إلى أن يدفع النبيّ ديته من عنده ليعلم أنّه رحمة للعالمين. أسلم حجاج بن علاط وكان من تجار خيبر، وله ديون في ذمة أهل مكة فدخل عليهم فسألوه عن النبي (ص) وقصة خيبر فكذب عليهم بأنّ اليهود انتصروا وقصدهم تسليم النبي (ص) إلى قريش ليفعلوا به ما يشاؤون، والآن لهذا الخبر المفرح أريد ديوني حتى أشتري بها أسراء المسلمين، فجمع ديونه، وأخبر العباس عمّ النبي (ص) بأنّه إنما فعل ذلك من أجل استرداد حقوقه، والواقع أنّ النبي (ص) انتصر، وليخبر الناس بذلك بعد ثلاثة أيام من خروجه من مكة، وبعد الثلاث تطيّب العباس وطاف بالكعبة وأخبر المشركين بانتصار المسلمين في خيبر. بعد الانتصار بعث النبي (ص) سفيراً يسمى محيط إلى يوشع بن نون مختار قرية فدك – تبعد عن المدينة 140 كيلومتراً – وتصالح معهم على أن يبعثوا نصف المحصول من فدك الزاهية بالبساتين والزرع إلى النبيّ الأكرم (ص) ومثل هذه الأراضي التي تؤخذ دون قتال إنما هي في أمرها بيد النبي والنبي (ص) أعطى فدكاً نحلة وهدية لابنته فاطمة الزهراء (ع). من بنود معاهدة صلح الحديبية أنّه يحق للمسلمين أن يحجوا بيت الله الحرام في العام المقبل، فتجهز المسلمون المهاجرون والأنصار لأداء العمرة قضاءً عن السنة الفائتة، فأحرموا من مسجد الشجرة (2000 نفر في ركاب النبي (ص)) وكانت حركتهم دعوة تبليغية لتجلّي معنويات الإسلام وروحانيّته، وبعث بسرية تحمل السلاح (200 نفر) بقيادة محمد بن مسلمة واستقروا في (مر الظهران) قريب الحرم حفاظاً على المسلمين من حملة المشركين. دخل النبيّ (ص) مع أصحابه مكة المكرمة ملبّياً (لبيك اللّهمّ لبيك) وكان زمام ناقة النبيّ (ص) بيد عبدالله بن روّاحة وهو يترنم بأبيات منها:


خلّوا بني الكفار عن سبيله
يا رب إني مؤمن بقيله
خلوا فكل الخير في قبوله
أعرف حق الله في قبوله


ثمّ علّمه النبيّ (ص) أن يقرأ هذا الدعاء مع نغمة الصحابة (لا إله إلّا الله وحده وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده). عند الظهر أراد النبيّ (ص) أن يصلّي مع قومه جماعة فأمر بلالاً الحبشي أن يؤذّن فصعد بلال الكعبة وأذّن وبعد أداء المناسك أمر النبي (ص) أن يذهب (200 نفر) إلى (مر الظهران) بدلاً عن أولئك المقاتلين حتى يؤدّوا عمرتهم وبعد ثلاثة أيام رجع النبيّ (ص) مع أصحابه إلى المدينة. أعلنت ميمونة أخت أم الفضل زوجة العبّاس عمّ النبي (ص) عن رغبتها بالزواج من النبيّ (ص)، فتزوجها ليحكم أواصر العلاقة مع قريش. وأخيراً تحقق وعد النبي (ص) وصدق الله رؤياه ونزلت الآية الشريفة: (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا) (الفتح/ 27).  

المصدر: مجلة نور الإسلام/ العددان 47 و48 لسنة 1994م

ارسال التعليق

Top