• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الإعلام.. متدرج المصداقية

جلال الشافعي

الإعلام.. متدرج المصداقية

قد يتساءل البعض هل الإعلام أنواع؟ وعلى أيّ أساس تم تصنيف وتقسيم الإعلام إلى أنواع؟

فالمعروف أنّ مفهوم الإعلام هو كلّ شيء تُخبر به أو تُنبأ به أو تُعلم به أو تعرفه أيّاً كان مصدر المعرفة فهو إعلام سواء أكان مطبوعاً أم مسجلاً أم مصوراً أم إيحاءاً.

لكن هل من الممكن أن نسوي بين الخبر أو المعلومة الصادقة والمعلومة الكاذبة؟

وهل من الممكن أن نسوي بين المعلومة الكاذبة في بعضها والمعلومة الكاذبة بكاملها؟

وليس فقط بل وهناك المعلومة الصادقة ناقلها الكاذبة في أصلها ولذا حذرنا الرسول (ص) بقوله: "كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكلِّ ما سمع".

ويمكن تقسيم الإعلام حسب مصداقيته وكذبه إلى أربعة أنواع من الإعلام تتدرج بين الصادق جدّاً قدر المستطاع وبين الإعلام اللامسؤول الخارج عن حدود الحرية وهي:

·       الإعلام المحايد.

·       الإعلام الحر.

·       الإعلام بلا حدود.

·       الإعلام المضلل – بكسر اللام.

  الإعلام المحايد:

هو ذلك النوع من الإعلام الذي يراعي المصداقية مهما كانت هذه المصداقية ضد أو مع مصلحة القائم على الإعلام.

أو بمعنى أدق هو ذلك النوع من الإعلام الذي لا يخضع لتأثير الأهواء الشخصية.

ورغم أنّ الأهواء والمصالح الشخصية أصبحت تحكم الكثير من الأمور الحياتية والإعلامية بالصورة التي تجعلنا نظن أنّ من الصعب الوصول لهذا النوع من الإعلام.

لكن مازال هناك صور عديدة من الإعلام المحايد موجودة داخل الأطر الإعلامية فالأنبياء والرسل نماذج حية للإعلام المحايد حيث بلغوا الرسالات السماوية دون تدخل أهوائهم الشخصية تحت أعين الرقابة الإلهية.

والكتب السماوية التي لم تمتد يد التحريف والتغيير من الإنسان إليها هي أيضاً نماذج للإعلام المحايد عبر التاريخ.

وأئمة الحديث الإسلامي الذين سعوا مخلصين للبحث عن أحاديث الرسول (ص) مما كان يجعلهم ينتقلون مئات الأميال وربما الآلاف للبحث عن حديث فإن وجدوا أنّ المحدث به غير ثقة عادوا ولم يأخذوا منه شيئاً.

والإصدارات الإعلامية التي لم تخضع للأهواء الشخصية بهدف الحصول على مجد شخصي أو إضافة مجد إلى أشخاص معينين لهم سلطة على الساحة الدولية أو الداخلية أو نزع المجد من أشخاص حاليين أو سابقين بهدف إضافته إلى آخرين فإنّ ذلك كلّه يدخل في دائرة الشك بأنّ المصالح والأهواء يشكلان الخلفية لتلك الوسائل الإعلامية.

والإصدارات التي تحمل نتائج أبحاث علمية هي من الإعلام المحايد إلى أن يتم صدور أبحاث علمية أخرى تفند هذه الأبحاث وتثبت خطأها.

وبعض الإصدارات الإعلامية التي تحمل صرخات إنسانية لتدارك كارثة إنسانية أو ثقافية هنا أو هناك وليس لصاحب الصرخة فيها ناقة ولا جمل تعد من الإعلام المحايد.

  الإعلام الحر:

هو ذلك النوع من الإعلام الذي يعرض وجهات النظر المختلفة مهما تعارضت مع سياسات وتوجهات النظام مع الالتزام الكامل بحدود الحرية في التعبير مما يعنى الإحساس بمسؤولية الكلمة وجدية وجهة النظر حتى وإن كانت في صورة كاريكاتورية ساخرة.

وهذا النوع من الإعلام قلما تجده في الوطن العربي ويرجع ذلك إلى أنّ معظم وسائل الإعلام العربية تمتلكها الأنظمة أو تخضع لسلطة النظام وبالتالي فإنّ النظام يسمح بعرض ما يتوافق مع توجهاته ولا يسمح بعرض ما يتخالف معها.

والإعلام الحر يعني إعلام مسؤول لأنّ الحرية لا تعنى ترك الحبل على الغارب لكنها تعنى أن يضع الإنسان الحر قيود على حريته حتى لا تتجاوز إلى حرية الآخرين.

والإعلام الحر يعني التعبير عن وجهة نظر تخضع لمقاييس شخصية قد لا تتوافق مع المقاييس الشخصية الأخرى أو حتى المقاييس العامة لكنها وجهة نظر جادة.

فمثلا أن يخرج أحد المواطنين في مسيرة إنتخابية وهو يحمل لافتة مكتوب عليها أنّ رئيس الدولة كذاب كما رأينا في انتخابات بعض الدول ورغم أنها تحمل وجهة نظر شخصية قد تكون صحيحة وقد لا تكون إلا أنها تعبر عن حرية الإعلام في هذه الدول.

  الإعلام بلا حدود:

هو ذلك النوع من الإعلام الذي لا يراعي حدود الحرية ولا يلتزم بضوابط الإعلام ولا يتحمل مسؤولية ولا يراعي الجدية أو الحياء والخلق مع الله أو مع الأنبياء ومن ثم مع الناس كبيرهم وصغيرهم عظيمهم وضعيفهم ولا يراعي المصلحة العامة هو فقط تعبير عن وجهة نظر غير مسؤولة غالباً.

وهذا النوع من الإعلام قلما تجده على الساحة المتعارف عليها إعلامياً لكن من الممكن أن تجده في جلسات السمر الشعبية.

 على سبيل المثال أصحاب الرؤى الخاصة – على شكل أدب حائطي لم يستطع أن يعبر عنه خارج بيته فحاول أن ينفس عن مكبوتاته داخل بيته.

  الإعلام المضلل:

الإعلام المضلل – بكسر اللام – هو ذلك النوع من الإعلام الذي يحاول تشكيل وعي خاطئ داخل أطر الحقائق بحيث يخدم مصالح الذين يقومون بعملية التضليل مع الإنكار الدائم لوجود أي نوع من التضليل وإخفاء أي شاهد عليه.

وهذا النوع من الإعلام المضلل يتواجد في جميع أنحاء الكرة الأرضية وعلى مستوى جميع الدول الصغرى والكبرى ولكن الفارق فقط هو نسبة تواجده فربما يسود في الدول الصغرى ويقبل قليلاً في الدول الكبرى لكنها تقوم بتصديره إلى باقي الدول بما يخدم مصالحها على عكس المتبع في جميع السلع من تصدير الفائض.

والتضليل الإعلامي يحدث أحياناً بغير قصد أو بحسن نيّة ولكنه غالباً يحدث في إطار خطط موضوعه لتزييف الوعي بما يتوافق مع أصحاب المصالح ليمكن لهم سهولة القيادة والتوجيه للرأي العام.

والتضليل الإعلامي قد يحدث قصراً أو إجبارياً عندما لا تملك الدولة إرادتها فإنّ هناك من الدول الكبرى أصحاب المصالح من سيملي عليها وعياً مزيفاً تتبناه رغماً عنها.

والتضليل الإعلامي قد يحدث خبثاً عندما تصل الأيدي الخبيثة إلى وسائل الإعلام فتحاول تغيير الوعي العام والثقافة الشعبية العامة بهدف تشكيل الرأي العام ومنها قيادة الحكومة والشعب معاً.

والعلاقة بين الشعب والإعلام أشبه بالعربة والحصان والحكومة هي السائس الذي يقود العربة اقصد الشعب ويمسك بلجام الحصان وحيثما يوجه الإعلام "الحصان" تتوجه العربة "الشعب" والأيدي الخبيثة تمثلها حشرة تلدغ الحصان ولا يراها السائس أو لا يقدر عليها.

فيندفع الحصان جاراً العربة والسائس وتصبح الحشرة هي القائد في خبث فالهدف إذاً هو قيادة الإعلام "الحصان" ليسهل توجيه العربة "الشعب" بعد ذلك إلى حيث مصلحة سائس الحصان.

فالصراع سيظل دائماً على من يمسك بلجام الإعلام ليمكن من خلاله توجيه الإعلام ومن ثم توجيه الرأي العام إلى حيث يريد سائسوا الإعلام.

ولذلك فإنّ وسائل الإعلام هي أهم أدوات النظام لإحكام السيطرة وبالتالي فإنّه عند اختيار القائد لمساعديه يتساوى بل يفوق أحياناً وزير الإعلام في الأهمية وزراء الدفاع والداخلية لأنّه يمثل الواجهة وقبضة السيطرة الأولى وخط الدفاع والوقاية وبدون عنف قبل اللجوء إلى وزارتي الداخلية والدفاع.

ولذلك فإنّ اليهود في أمريكا لا يسعون إلى الرئاسة بقدر سعيهم إلى السيطرة على الإعلام ولا يهم بعد ذلك من سيكون الرئيس.

فأيّا كان الرئيس وأيّا كانت توجهاته فإنّه من الممكن إدارة الرئيس نفسه من خلال تشكيل الرأي العام ولا تستطيع أي إدارة رئاسية تجاهل الرأي العام.

والإعلام الأمريكي يصور اليهود في إسرائيل على أنهم ضحايا ومساكين ومسالمون إلى أبعد حد إلا أنّ البربريين الفلسطينيين لا يتركونهم يعيشون وشأنهم بل يرهبونهم وينشرون الرعب في حياتهم.

ولا مانع من استعراض بعض الإصابات وإظهار الآثار السيئة المترتبة عليها على سبيل تسول الدعم المادي والمعنوي وكسب تعاطف الرأي العام ومن ثمّ لن يستطيع الرئيس مهما كان أن يخالف تعاطف الرأي العام حتى وإن كان خاطئاً.

والدليل على ذلك أنّ الرأي العام الأمريكي لا يعرف عن المشكلة الفلسطينية إلا أنّ الفلسطينيين يقتلون اليهود ويهددون أمنهم ويجب إبادتهم لأنّهم إرهابيون وسوف يمتد خطرهم إلى كلِّ أنحاء العالم.

  المصدر: كتاب التضليل الإعلامي

ارسال التعليق

Top