• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الإسلام دين المستقبل

محمد صادق الإبراهيمي

الإسلام دين المستقبل
◄الإسلام دين المستقبل، هذه الحقيقة التي أكّدها القرآن الكريم: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا...) (النور/ 55)، هي ذاتها التي صار يعتقد بها الكثير من أتباع الثقافات الأخرى، بالإضافة إلى المسلمين، فما هي الحقائق الكامنة وراء هذا الاعتقاد؟ وهل ثمة مؤثرات واقعية تدل على ذلك، ولا سيما انّ البشرية باتت تعاني من أزمات خانقة على الصعيد الأخلاقي والروحي؟ فتطور الحياة يسوق البشرية نحو الإسلام، إذ الحياة المعاصرة تقتضي خصوصيات وعوامل معينة لا تتوافر في غير الدِّين الإسلامي من قبيل قدرة الإسلام على استيعاب البشرية، وتوحيد ثقافاتها المختلفة لصوغ الثقافة العالمية الموحدة، والمرونة اللازمة لمواكبة تطورات الحياة مواكبة فاعلة، وقدرة الإسلام على حل أهم مشاكل الإنسان المعاصرة كالأمن والعدل والتنمية وتوافره – كذلك – على تغذية الإنسان المعاصر من الناحية الروحية وتوفير الطمأنينة وراحة الضمير و.. لكن ثمّة حقيقة هي أنّ الخصوصيات الذاتية – مهما تكن مهمة ومؤثرة – لا تكفي وحدها لاحتلال ثقافة معيّنة أو دين معيّن، ولابدّ من تخطيط وعمل كما أشارات إليه الآية الشريفة أعلاه (آمنوا) و(عَمِلُوا) وهذا يتطلب "خطة مدروسة" و"عملاً دؤوباً" وهكذا يفترض البحث في نقطتين هي كالآتي:   خصوصيات دين المستقبل: لابدّ لدين المستقبل من أن يخطو بعوامل ذاتية تجعله أقدر من غيره على تأمين حاجات الإنسان المادية والمعنوية ومعالجة أهم قضاياه المعاصرة كالسلام والاستقرار والعدل وغيرها. وهذه الخصوصية يمكن شرحها ضمن النقاط التالية: أوّلاً: القدرة على الاستيعاب: ممّا يؤهل الإسلام باعتباره ديناً للمستقبل، انفتاحه وسعته، فقد مرت حياة الإنسان الاجتماعية والثقافية بمراحل ابتدأت بالأنانية ثمّ القبلية فالعنصرية والقومية. احداها أوسع من الأخرى، وكلما تطورت الحياة وتقاربت الأُمم انقرضت الثقافات الضيقة وتبدلت بأنظمة جديدة أوسع منها. وهذه القاعدة صادقة على الأديان أيضاً، وكلما تطورت الحياة نُسِخَت الشريعة السابقة بشريعة أوسع منها، ولهذا تجد اليهودية – مثلاً – أضيق من المسيحية التي نسختها والتي هي أكمل منها وأكثر استيعاباً لشؤون الحياة. أمّا الإسلام – الذي نسخ الديانات كلَّها –، فهو دين حركي، اجتهادي يتفاعل مع سائر الحضارات وينفتح على سائر الأديان ويستوعب جميع البشر رغم اختلاف ثقافاتهم. والحياة اليوم وصلت حداً من التقارب يتعذر معه قبول غير الإسلام ديناً للعالم الجديد فإنّه يقيم صيغة منطقية للتفاهم بين الثقافات والحضارات السائدة من دون عنف واصطدام. يقول مراد هوفمان: "كان الإسلام أبان الصراع بين العالم الغربي والشيوعية يستطيع أن يعد نفسه الطريق الثالثة المباينة لهما. أي انّه الخيار الحر المستقل عن كليهما لفهم العالم والتعامل معه عقائدياً، أمّا اليوم فإنّ الإسلام يطرح نفسه بديلاً لكل من النظامين وذلك لتوافر الحياة فيه على أفضل وجه، وتذليل مشكلاتها المستفحلة خاصة بعد أن عاد العالم من جديد مصطرعاً كتلتين"[1]. ثانياً: المرونة اللازمة: تطوّرات الحياة لا تتوقف عند حد، ولابدّ لدين المستقبل أن يكون بدرجة من المرونة تمكنه من مواكبة تلك التطورات، وهذه الصفة موجودة في الإسلام دون غيره من الأديان الموجودة فهو دين اجتهادي ومعنى ذلك أنّه قادر على مواكبة التطور في جوانبه المختلفة التي أوجدت هذه القدرة في الإسلام. ثالثاً: الأمن والطمأنينة: يعيش العالم اليوم روحية مضطربة وذلك للأسباب التالية: 1-    استفحال "الغرور القومي" في العالم الداعي إلى "الاستعلاء الذاتي" من جهة الانتقاص من سائر القوميات من جهة أُخرى، وهذا ما يؤزم العلاقات الدولية وأوضاع العالم. 2-    سقوط الاتحاد السوفيتي وتزايد التسلط الأمريكي. 3-    تزعزع ثقة الشعوب بالديمقراطية وبمصداقية الأُمم المتحدة. 4-    ومما يزيد في خطورة الأمر شيوع الفقر والبطالة والشعور بالظلم والتسلط الاستعماري على مقدرات الشعوب الضعيفة. وهذا الاضطراب يتضاعف باضطرابات روحية من نوع آخر هو "الجهل الديني" والابتعاد عن الفطرة والوجدان والقضايا الغيبية. ومهما يكن الأمر بالخصوصية الثانية المطلوبة في دين المستقبل هي القدرة على تحقيق "الأمن" في العالم و"الطمأنينة" في النفس، والإسلام أقدر على تحقيق هذين الأمرين أيضاً. يقول محمد أسد: "انّ تزايد القلاقل الاجتماعية والاقتصادية وحدوث سلسلة من الحروب العالمية والمحلية وما يخلقه العلم من ضروب الرعب سوف يدفع الحضارة الغربية إلى الانحراف في السخافة على نحو تضطر شعوبها إلى أن تبحث من جديد في هدوء ودأب، عن الحقائق الروحية وهنا يمكن للإسلام أن يجد قولاً"[2]. وأما على صعيد طمأنينة المرأة فالاحصاءات تشير إلى أنّ أغلب معتنقي الإسلام في أوربا وأمريكا من العنصر النسوي، ففي بريطانيا وحدها اعتنقت أكثر من عشرة آلاف امرأة بريطانية، ومن مستويات عالية، الإسلام، ويرجع ذلك إلى سببين: أولهما: الزواج من مسلم بعد أن فقدت المرأة الغربية ثقتها بالرجل الأوربي والذي ابتعد عن الغيرة والحياء والأبوة والمسؤولية، خاصة بعد أن حوّلت القوانين الأوربية المرأة إلى سلعة تافهة للمتعة. ثانيهما: حاجة المرأة الفطرية إلى الحماية الاجتماعية والدينية. وهذا ما يؤمنه لها الإسلام بصورة طبيعية. وقد أدت شدة اقبال المرأة الغربية على الإسلام ببابا الفاتيكان إلى تحريم زواج المرأة الأوربية المسيحية بالمسلم وتحذير القساوسة بقوله: "انّه إذا استمر الحال على ما هو عليه فإنّ الإسلام سيغمر أوربا في سنين قليلة".[3] رابعاً: احياء الفطرة والوجدان الإنساني: الخصوصية الرابعة التي يجب أن يتمتع بها دين المستقبل هي قدرته على احياء الفطرة والوجدان الإنساني، فمن أخطر ما يهدد البشرية اليوم غياب الضمير على الصعيد الفردي والاجتماعي والدولي. ولا داعي لذكر مصاديق هذا الأمر في عالمنا اليوم فكلنا يعرف مدى تنامي تجارةالمخدرات والمتاجرة بأعضاء جسم الإنسان، ولا سيما من الأطفال والأسرى والمهاجرين الغرباء وجرائم القتل الفردي والجماعي.   المسلمون ومهمات المستقبل: صحيح أنّ الخصوصية التي ذكرناها في النقطة الأولى تؤهل الإسلام لأن يكون ديناً للمستقبل، إلا أنّ هذا يرتبط إلى حد كبير بحملة راية الإسلام وقدرتهم على تجاوز الصعوبات والتحديات المعاصرة، ومن بين تلك التحديات ما يلي: أوّلاً: تعريف العالم بالرسالة الإسلامية: أوّل مهمة ملقاة على عاتق المسلمين اليوم، تعريف العالم بالرسالة الإسلامية، فعلى رغم الوسائل الحديثة، والأساليب المتطورة في الاتصال ونقل الأفكار والإعلام، نجد أعداداً كبيرة من المسلمين تجهل قضايا أساسية في دينها، فضلاً من غير المسلمين. يقول أحدالمبلغين: انِّي زرت إحدى مقابر المسلمين في الهند فوجدت علامات على بعض القبور، فسألت عنها، قالوا: هؤلاء دفنوا ولم يُصلَّ عليهم، لأنا لا نعرف الصلاة على الميت. ويقول الدكتور عادل عبدالمهدي: انّ الإعلامي الإسلامي لم ينجح لحد الآن في مخاطبة المجتمع الأوربي على الأقل، أقول ذلك وأنا أعلم بالجهود العظيمة والتضحيات الكبيرة التي يقوم بها اخوة عاملون في هذه الأجهزة[4]. والعالم اليوم لا يتفاعل مع اطروحة مجهولة أو دين مبهم، مالم تتضح معالمه، وعلى هذا الأساس يمكن تقسيم المجتمع البشري حسب مستوى معرفته بالإسلام إلى ثلاثة أقسام: الأوّل: يحظى بمعرفة واقعية سليمة. الثاني: لا يعرف عن الإسلام شيئاً. الثالث: لديه تصورات خطأ عن الإسلام، قدمتها له الجهات المعادية. هذه الأقسام – كما هو واضح – غير متساوية ولا متناسبة، مما يوجب رسم خطة مستقبلية مدروسة لتعريف شعوب العالم بالإسلام المحمدي الأصيل وما يتمتع به من قدرة على خدمة الإنسانية والمجتمع البشري. ثانياً: المشروع الإسلامي في العالم: يتصور بعضهم انّه ليس للمسلمين مشروع محدد، والإسلام دين مرّ عليه 1400 سنة، لا يصلح مشروعاً للحياة المعاصرة أو أن مشروعه قد أثبت فشله في الدول الإسلامية نفسها. ومع هذه التصورات كيف يمكن أن نطلب من العالم أن يحذو حذونا؟ وهذا هو التحدي الثاني الذي يواجه المسلمين، وعليه فذلك يوجب بناء عالم إسلامي اعتماداً على تجارب وخبرات الشعوب الإسلامية، لكي يقدموا للعالم مشروعاً واضحاً شاملاً لجميع جوانب الحياة يمكنه أن يحقق نجاحاً واقعياً ويعالج مشاكل المجتمع البشري بالفعل، استناداً إلى الإيمان بالله وتحكيم الفطرة والوجدان. فقد كان الإسلام في طليعة العالم لما كان مبادراً في علاج قضايا الإنسان وهذا شأن كلّ من يتسلم المبادرة، ولذا يجب اليوم تناول قضايا العالم أكثر مما مضى في مدارسنا الدينية، وحث طلاب الجامعات والحوازات العلمية على إيجاد الحلول المناسبة لها، طبقاً لمباني الشريعة الإسلامية.   الهوامش:
[1]- مراد هوفمان، الإسلام بديلاً، ومؤلف الكتاب مسلم ألماني كان سفيراً لبلاده في المغرب. [2]- محمد أسد، الإسلام في مفترق طرق، ومؤلف الكتاب مسلم نمساوي. [3]- مجلة التايم الدولية اللندنية، العدد 49 في 6/12/1994م.

[4]- مجلة التوحيد، العدد 74، رمضان 1415، شباط (فبراير) 1995م.

      المصدر: مجلة التوحيد/ العدد 82 لسنة 1996م

تعليقات

  • 2021-11-02

    محمد عبد الرحمان

    السلام عليكم أنا عبد الرحمان من الجزائر، أمتلك مدونة دينية اجتماعية ثقافية وكذلك صحية، نشرت مقالا مؤخرا بعنوان الإسلام حل لمشاكل البشرية، وتناولت أربع مشكلات كبيرة يعاني منها العالم منذ القدم إلى يومنا هذا وكيف للإسلام أن يقضي على هذه المشاكل ( الفقر ، الإنتحار ، العنصرية ، العنوسة ) تماما. رابط المقال : https://www.ma3anarta9i.com/2021/10/islam-is-the-solution-of-humanity-problems.html

ارسال التعليق

Top