• ١٦ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٤ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الصحفيون ومحنطوا الأفكار

الصحفيون ومحنطوا الأفكار

أبطال الحقيقة يرصدونها داخل الكواليس

يُعدّ موضوع حرّية الصحافة واستقلال الصحافيين في بلداننا العربية أمر شائك، وبات الموهوب الذكي الذي لا يستطيع أن يفرّ بذكائه وموهبته إلى بلد يحترم أفكاره التي يستنبطها من خبرته الطويلة في مجال الصحافة يضطر بالتالي إلى العمل في مؤسسات منغلقة حول نفسها ومتزمتة برأيها تحتم عليه أن يتحوّل مع مرور الزمن إلى ببغاء دون أن يشعر بذلك، فإنّ بيئة العمل المطلوبة غير موجودة في بلداننا وإنّ ذكاء الفرد وإنجازاته ستكون مقابل أمرين.

إمّا أن يُعاقب مهنياً على طريقة استقلال أفكاره المهنية وذلك بأن يُمنع من العمل أو يعمل وهو غير مقتنع بعمله مما يخرج عمله أعرج وعليه فقط أن يُسخّر قدراته لعبور إستراتيجية أو رؤى المؤسسة التي يعمل لصالحها، وأمّا أن يُعاقب اجتماعياً كما حدث مع أحد الزملاء عندما كتبَ موضوعاً تطرّق فيه لاسم أحد الأشخاص مما عرضه ذلك لمشكلة اجتماعية أدت بالمحصلة إلى تهديد ووعود بالانتقام إلى أن قام بدفع فدية نتيجة حرّية رأيه الذي دفع ضريبته، وبالتالي أخاف هذا الأمر الكثير ممن حوله من الصحفيين، أمّا مَن أستطاع أن يضع عقله في حقيبته ويهاجر، فهو أصبح صحافيّ متحرر، ومَن يبقى منضوياً تحت رحمة محنطي المواهب سيبقى عرضة للتخلّف في عمله.

بالرغم من هذه المشاكل استطاع بعض الصحافيين أن يكسروا عقدة العنصرية أو الخضوع إلى حد ما أمام ما يجري من سياسات ضيقة، فإنّ الصحافي الناجح عليه اكتساب المهارات عبر التغير والتطوّر والاستمرارية في العمل. وإنّ الصحافيين هم أبطال الحقيقة التي يستقصونها عبر الأبواب الموصدة.

فهناك الكثير منهم تعرّضوا للاعتقال والقتل نتيجة إخلاصهم في العمل بالرغم من معاناتهم في كشف الحقيقة وإيصالها إلى الجمهور، إنّ ما يحتاجه الصحافي من مواقف صلبة وتكوين شخصية صادقة لا يستطيع أن يعمل في مؤسسات تكبت الحرّيات وتشيع الطاعة العمياء لمدراء يزجّون أنفسهم في ما لا يعنيهم ولا من اختصاصهم، فالدقة والحركة الجريئة والقلم السيال في سرد الحقائق من متطلبات العمل الصحافي وهذا ما لا يقدر عليه الكثير من مسؤولي المؤسسات الإعلامية. ولذلك نجد هناك معاناة كبيرة داخل المؤسسات في تأثيرها على الجمهور بسبب مضايقة الصحافي في عدم إعطائه فرصة بإدارة عمله عبر رؤيته الخاصّة وانتقائه للموضوعات المثيرة وتجنب الممل منها والتي لا تحمل إثارة، فالصحافي ينبغي أن يكون العنصر الآخر للجمهور الذي يتابع الحدث، وهذا ما لا نجده في بعض مؤسساتنا الإعلامية في العثور على المعلومة التي تحظى باهتمام الرأي العام، عبر الدقة والسرعة والأسلوب المتوازن والصادق.

فحرّية الصحافة هي الضمانة التي تقدّمها المؤسسات المعنية لحرّية التعبير والتي تكفلها وفق المواثيق الإعلامية. لتشمل هذه الحرّية جمع المعلومات ونشرها.

أما دوافع هذه المؤسسات المتخندقة حول نفسها فهي تريد للصحافي المستقل عدة أمور:

- أن ينصاع لذهنية بعض المدراء الذين يملؤون وسائلهم الإعلامية بمواد لا تتناسب مع أخلاق المهنة.

- إرغام الصحافي على قبول وسماع وجهة نظر المؤسسات المعنية دون نقاش أو رأي، وتكتفي المؤسسات بأن تجعل الصحافي مسخّراً لها.

- تشويه صورة الصحافي ووصفه بالتخلّف عن طريق التذرّع بالدين أو باسم حزب ما.

- الحذر من الصحافي وإخفاء المعلومة عنه، أو إعطاءه الأخبار التي تحمل الصفات الإيجابية فقط عن تلك المؤسسات.

- تسقيط الصحافي عبر نشر الافتراءات والأكاذيب.

- يعمد بعض المسؤولين إلى أن تكون إجابتهم على أسئلة بعض الصحافيين عن طريق استقبالها والإجابة عليها عبر المكتب الإعلامي دون مواجهة الصحافي.

هذا جزء مما يلاقيه الصحافيون المبدعون اليوم وعليه ينبغي على المؤسسات المعنية أن تجد حلولاً لما يمرون به من مآس من أجل أن يستمروا في أداء رسالتهم وإيصالها إلى المجتمعات.

ارسال التعليق

Top